جرائم الثأر.. ليست بالشيء الجديد علي مجتمع الصعيد المصري، فكما كانت تحدث قبل ثورة 25 يناير وفي ظل الوجود الأمني فهي تحدث الآن ولكن بشكل أكثر شراسة خاصة بعد ضعف قبضة رجال الداخلية وهو ما جعل مثل هذه الجرائم تحدث بشكل علني ومستمر.. لتقريب القارئ من حجم هذه الظاهرة، نذكر بما سبق أن جاء في بحث الدكتور حسن سعد الله الباحث بمركز البحوث الجنائية والإجتماعية بالقاهرة، الذي أفاد أنه في الفترة من عام 2000 وحتى 2009 وقعت 20 ألف جريمة ثأر في الوجه البحري والقبلي تقريبا، بواقع 300 جريمة عام 2001، و400 جريمة عام 2002، و500 جريمة عام 2003، وفي عام 2004 وقعت 700 جريمة، وفي عام 2005 وقعت 900 حادثة، وفي عام 2006 حدثت 1300 واقعة، وفي عام 2007 وقعت 3 آلاف واقعة، وفي عام 2008 وقعت خمسة آلاف جريمة ثأر ومشاجرات بين العائلات، أما في النصف الأول من عام 2009 وقعت خمسة آلاف جريمة... ويشير سعد الله إلى أن عدد السلاح المضبوط في الفترة المذكورة وصل إلى 88 آلف قطعة سلاح ما بين مسدس بمختلف الأعيره وبنادق خرطوش «محلية الصنع» وبنادق صيد خرطوش وبنادق نصف آلية وبنادق آلية وبنادق قنص وقاذف دبابات «أر بي جي»!. من جهة أخرى، قال اللواء جمال أبو زكري «ضابط شرطة سابق» أن السلاح تزايد عام بعد عام ليغزو الوجه البحري أكثر من الموجود في الوجه القبلي، وذلك بسبب تزايد عمليات تهريب السلاح إلى مصر ورواج تجارة السلاح مما ساهم في رخص أسعار السلاح ليصل ثمن البندقية الآلية إلى ألفين جنيه فقط. حول وضعية هذه الظاهرة، جاء في تحقيق ل»روز اليوسف» ما يلي: ...عندما رصدنا الأمر في أكثر من محافظة بصعيد مصر وجدنا أن الغياب الأمني ليس وحده المتسبب في انتشار جرائم الثأر حاليا، ولكن أكد عدد من أبناء هذه المحافظات أن المصالحات الشكلية التي كانت تقوم بها عناصر الداخلية، قبل ذلك هي من أكبر أسباب عودة الثأر بقوة بعدما اختفي قليلاً في الأيام الأولي للثورة وإلي التفاصيل: لم ينكر الشيخ طايع لملوم -مأذون بمركز «الواسطي» بمحافظة بني سويف وعضو لجنة تحكيم عرفية- حدوث جرائم أخذا بالثأر في محافظته بين عدد من العائلات، لكنه يرفض الإدلاء بأي معلومات عنها، حيث لم يتم تحرير محاضر رسمية بها.. معتبرا أنها أسرار لا يمكن الإفشاء بها، ويؤكد وقوع ما لا يقل عن حالتين أخذا بالثأر في مركز ببني سويف بعد الثورة وبسبب الانفلات الأمني فقد تشجع الجناة لأخذ الثأر دون الملاحقة الجنائية، وبالأخص لدي العائلات التي انتظرت الفرصة سنوات طويلة ولم تمكنها الظروف لأخذ ثأرها علي حسب معتقدات وتقاليد أهل الصعيد، ويرجع الشيخ لملوم ما يحدث لعدم رضا العائلات التي لديها خصومات ثأرية بالأحكام الخاصة بالجلسات العرفية التي كانت تجري في السابق قبل الثورة تحت إشراف مديريات الأمن، نظرا لكونها غير عادلة وتؤدي إلي مزيد من الاحتقان بين طرفي النزاع... أما الجهات الأمنية فتؤكد عكس ذلك وأنها تقوم بدورها علي أكمل وجه للقضاء علي الخصومات الثأرية بين عائلات الصعيد وحريصة علي الإشراف والاشتراك في الجلسات العرفية. في هذا السياق يرى العميد زكريا أبوزينة -رئيس مباحث بني سويف- أن الخصومات الثأرية بين عائلات الصعيد لا تختلف قبل الثورة عن بعدها فهناك سيطرة زمنية لحقن الدماء بين الأهالي من خلال تصفية الخصومات بالجلسات العرفية وفي حالة إقدام البعض علي أخذ الثأر يتم القبض علي الجناة لمحاكمتهم. أما ما حدث من حالات أخذ ثأر بعد الثورة فلا يمثل ظاهرة علي الإطلاق، لكن هي مجرد حالات فردية لا تتجاوز 4 حالات تم القبض علي 3 حالات قبل الشروع في الجريمة وتحريز السلاح المتواجد معهم والقبض علي حالة أقدمت علي القتل، ويبرر الحاج حسني السمطاوي -محكم في جلسات عرفية بمركز مغاغة بمحافظة المنيا- إقدام أصحاب الثأر علي أخذه بعد الثورة بأن «الحكومة مش فاضية» على حد تعبيره لملاحقة الجناة مؤكدا أن الضغط الأمني الذي كانت تمارسه المديريات كان يحد شيئا ما من الأخذ بالثأر مع الجلسات العرفية، لكن بعد الثورة قلت الجلسات، وأصبح البعض يري أن الفرصة جاءت لأخذ الثأر دون ملاحقة جنائية وبالفعل نجح البعض في تحقيق ذلك وخاصة بعد الأيام القليلة من نجاح الثورة 11 فبراير مع شدة الانفلات الأمني الذي حدث في مصر كلها. ويضيف أيضا: السبب في قلة الجلسات العرفية عدم تأمين المديريات بشكل كاف لجلسات الصلح بعد الثورة بقوة من الشرطة، مما قد يؤدي إلي حدوث تشاجرات واشتباكات أثناء التحكيم قد يسقط فيها قتلي لتزيد الخصومة. ولم يختلف الوضع في الفيوم بالنسبة للخصومات الثأرية عن باقي محافظات الصعيد، حيث يشير وليد أبوجليل -مدير الجمعية المصرية لحقوق الإنسان والتنمية بالفيوم ومنسق جلسات عرفية- إلي قلة عدد الجلسات العرفية بعد الثورة وحتي ما تم عقده من جلسات لم تحقق الغرض منها وجاءت أحكامها غير مرضية، إضافة إلى استياء وامتعاض أصحاب الثأر من هروب القتلي المحكوم عليهم في الخصومات الثأرية من السجن أثناء الانفلات الأمني وبعضهم لايزال طليقاً... ويحلل د.فتحي قناوي -رئيس وحدة كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية- بروز حالات الثأر بعد الثورة بأنه جزء من الوضع العام لما يحدث في البلد نتيجة للانفلات الأمني بشكل عام، مؤكدا أن غياب الأمن وعدم رجوعه بقوته وفاعليته أعطي الفرصة للناس للتعامل كل علي طريقته الخاصة... لذا يري الحل للحد من جميع هذه الظواهر السلبية رجوع الشرطة بقوتها وتطبيق القانون مع حفظ حقوق الإنسان. ويتفق معه د. فتحي الشرقاوي -أستاذ علم النفس السياسي جامعة عين شمس- في أن الانفلات الأمني «غير المبرر» هو الذي دفع الأفراد لكي يدركوا أنه لا عقاب يقع عليهم من جراء عدم الامتثال للمعايير المجتمعية الأمر الذي يفسر حالة الفوضي واللا مبالاة،. وأكد أن مسألة الثأر أو غيره من أعمال الشغب والبلطجة ليس له علاقة بالثورة المجيدة التي تحققت 25 يناير أو اخلاقها...