تتأثر المجتمعات العربية بالقصص الرومانسية وحياة الترف، التي تشاهدها، سواء كان ذلك عبر الصحف، أو مواقع التواصل الاجتماعي أو التلفزيون، ما يصيب نسبة كبيرة من الأسر بعدم الرضا عن الحياة والقلق بشأن وضعها الاجتماعي وطرق معيشتها، وقد يُفضي ذلك أحيانا إلى خلافات بين الأزواج، وضغوط على المراهقين، والكثير من المشاكل النفسية الناتجة عن الرغبة في السير على خطى المشاهير، وتقليد كل ما يفعلونه. وبالرغم من أن جميع البشر يحتاجون إلى أشخاص مبدعين وذوي شخصيات شهيرة، ولهم ما يميزهم عن الآخرين، ليكونوا قدوة لهم في حياتهم، ومع ذلك، فإنهم ليسوا مطالبين بمحاكاة جميع سلوكياتهم وتصرفاتهم إلى درجة التجرد من قيمهم ومبادئهم الاجتماعية والأخلاقية، والتصرف حسب موازين وقيم لا تمت إليهم بصلة. ويشعر الكثير من الأزواج بالمتعة والتسلية من مشاهدة المسلسلات الدرامية وارتياد مواقع التواصل التي يجدون فيها متنفسا من وتيرة الحياة السريعة والمسؤوليات والروتين اليومي للحياة المهنية، لكن معظمهم لديهم اعتقاد راسخ بأن المشاهير شخصيات مثالية، وقد خلق هذا التصور لدى البعض منهم "أزمة هوية"، إذ أصبحوا يعمدون إلى محاكاة المشاهير في أسلوب الحياة والملابس والتشبه بهم في أقوالهم وأفعالهم. ويلقي الخبراء باللائمة على الهوس المعاصر بالمشاهير ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي الذين نالوا شعبية كبيرة بين الجماهير، باعتبارهم سببا في الضغط الذي يشعر به الناس اليوم وما يعقدونه من مقارنات معهم عندما يعبرون عن سعادتهم وحظهم الوافر في الحياة، أو يتباهون بصور رحلاتهم الرائعة، ما يجعل البعض يشعرون بأن حياتهم كئيبة، ومن ثمة ستسيطر عليهم الأفكار السلبية. وسلطت العديد من الأبحاث التي أجريت في السنوات القليلة الماضية الضوء، عما أصبحت تعانيه الأسر العربية من مشكلات اجتماعية كالعنف والتفكك والجريمة، إضافة إلى انعدام التعاطف مع الآخرين، والمستويات المرتفعة من التوتر والاكتئاب، فضلا عن الشعور المتزايد بالأهمية الذاتية. ومثل هذه المشكلات قد تؤدي في الوقت نفسه إلى شعور بالتعاسة، بسبب عجز الكثيرين عن الخروج من دوامة المقارنات مع الآخرين، لأنهم أصبحوا أسرى لقصص عاطفية سعيدة وحياة مثالية، لا تمنحهم فرصة لرؤية الواقع الحقيقي، وتؤثر بدرجة كبيرة على حياتهم وعلى رؤيتهم لأنفسهم رغم أن معظمها مبنية على قصص خيالية، لا علاقة لها بالواقع. وفي ظل غياب قصص درامية تتبنى رؤى مغايرة، وتكشف وقائع الحياة اليومية المعتادة للمجتمعات، فإن الكثيرين يعتبرون حياتهم رتيبة ويشعرون بالهوس تجاه نمط الحياة في الدراما، وهذا يتسبب في انهيار الحياة الزوجية أحيانا. وأظهرت دراسة سابقة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر، أن هناك نسبة كبيرة من الأزواج العرب الذين انقلبت حياتهم الزوجية رسأ على عقب ووصل الأمر ببعضهم إلى حد الطلاق بسبب الدراما التلفزيونية. وبينت الدراسة التي أجريت على عينة من المطلقات المصريات تأثير المسلسلات بشكل واضح على سلوكيات وأفكار الزوجات، إذ تحلم معظمهن بالحصول على زوج ثري ووسيم مثل مشاهير ونجوم الشاشات. كما كشفت الدراسة عن رغبة الرجال في الحصول على نساء جميلات ورشيقات مثل اللواتي يشاهدونهن على الفضائيات، فأغلبهم يعمدون إلى عقد مقارنات بين الممثلات اللواتي يظهرن على امتداد يومهن وهن في كامل أناقتهن وزينتهن وزوجاتهم اللواتي يظهرن بمظهر لا يعجبهم ويقضين يومهن في المطبخ ورعاية الأطفال. ووجدت الدراسة كذلك، علاقة وطيدة بين المسلسلات واهتمام الأزواج بالماديات والمصالح الشخصية، والانشغال المستمر بالمظهر الخارجي والعلاقات العاطفية المثالية التي لا تتواءم مع واقع الأسرة العربية. وكانت دراسة أصدرتها إدارة التوثيق الشرعي بوزارة العدل في الكويت قد بينت أيضا أن شبكات التواصل الاجتماعي كانت السبب بنسبة 33 في المئة في المشاكل الزوجية التي أفضت إلى الطلاق. وقالت الدراسة إن الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي وسوء استخدامها أديا إلى تباعد بين الأزواج وزادا من عزلتهما عن بعضهما وتراجعت العلاقة العاطفية بينهما وحل النفور محلها. وتواجه مجتمعات عربية عدة، تحديات مماثلة بسبب التداعيات السلبية للتوظيف السيء لمواقع التواصل الاجتماعي وتغير النظرة للحياة بسبب الثقافة الاستهلاكية التي تهيمن على المسلسلات. ويرى علماء الاجتماع أن مواقع التواصل الاجتماعي والمسلسلات ساهمت في تقويض العلاقات بين العديد من الأزواج وبينهم وبين أطفالهم في المجتمعات العربية، بسبب ما تعرضه من معايير غير واقعية عن الحياة، كما يؤدي الضغط الذي يأتي من المشاهير إلى شعور الكثيرين بالحزن عندما يقارنون حياة النجوم المثالية بحياتهم القاسية التي يعيشونها، ويغيب عن أذهانهم أن جميع الناس يواجهون صعوبات في الحياة. ويرجح بعض علماء النفس أن التواصل المستمر على منصات التواصل الاجتماعي يستهلك وقت الكثير من الناس إلى درجة أنّهم لا يعودون بحاجة إلى التواصل الحقيقي مع أصدقائهم وأقاربهم ومحبيهم، خاصة من يوجد منهم أيضا بشكل مستمر على منصة التواصل. وفي هذا السياق أكد باحثون من جامعة "بي.بي.يو" في رومانيا، أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت سببا في تكوين مشاعر سلبية لدى البعض، وخاصة اليأس، والسبب الرئيسي الذي كان وراء ذلك الحسد، وصور السيلفي التي يلتقطها الآخرون أثناء الرحلات. إضافة إلى ذلك، سببت مشاعر الحسد تلك "دوامة من الحسد"، إذ كان رد فعل الناس تجاه هذا الشعور بالحسد هو إضافة المزيد من الصور إلى ملفاتهم الشخصية على الإنترنت، وهي صور من نفس نوع المحتوى الذي جعلهم يشعرون بالحسد في البداية. لكن تظل أفضل نصيحة يقدمها الخبراء في هذا المجال، هي أن يفكر كل شخص بما هو أفضل بالنسبة له، وأن يتعلم كيف يكون سعيدا بالأشياء البسيطة الصغيرة في حياته أينما كان.