6. 7 في المائة من المغربيات في سن الخمسين لم يسبق لهن الزواج، رقم تضاعف سبع مرات منذ سنة 1994... وخوفا من أن يدرجن ضمن هذه الفئة بعد سنوات، «تقبل» بعض المغربيات لعب دور «الزوجة الثانية» أو حتى «العشيقة» في بعض الحالات، هروبا من «جحيم» العنوسة، لكن هذا «الاختيار» يكون، في بعض الحالات، بداية أخرى لمعاناة لا تنتهي... «أبنتي، هذا الراجل مزيانْ، أنا بغيت نفرح بيكْ قبل ما نموتْ».. هكذا خاطبة والدة فاطمة الأخيرة، وهي تمسك بيدها. اغرورقت عينا «فاطمة» بالدموع و«هربت» مسرعة إلى حجرتها، ذلك «القبر» الذي كانت تجد فيه راحتها، حيث تنطوي على نفسها، والذي لا تحبذ الخروج منه. استلقت «فاطمة» على سريرها وهمست بينها وبين نفسها: «لقد ذهب ربيع عمري ولم أعد في ريعان شبابي، يجب أن أنتهز الفرصة لكي أنجب أولادا.. سأتزوج لا يهم» بمن . «فاطمة» فتاة تخرجت من الجامعة ولم تجد عملا، شأنها في ذلك شأن كثيرات من بنات جيلها، لكنها لم تكن محظوظة ولم يتسنَّ لها تكوين أسرة، رغم أنها غادرت حجرات الدراسة. انتظرت وانتظرت، وسنوات عمرها تمر، بطيئة خالية من أي معنى. غادرت دائرة العشرين وشارفت على الثلاثين وهي لم تتزوج بعدُ: «عندما أدعى إلى حفل زفاف، أشعر بالخجل، وعندما أرى العروس بثوبها الأبيض، أغبطها بشدة، وإذا رأيتها حاملا، يهتزّ وجداني».. تقول «فاطمة»، وهي تتذكر قصتها وعيناها تغرورقان بالدموع. تزوجت «فاطمة»، بعد طول انتظار، من شيخ في الستين، لكنْ بعد الزواج، أخبرها الزوج أنه لا يريد أطفالا ولا يريد التزامات في «خريف عمره»: «حققت لأمي رغبتها، لكني عشت في قفص»، تقول «فاطمة»، التي لم تستطيع أن تحافظ على زوجها لأكثر من سنة: «لقد صبرت، لكنْ لصبري حدود. تزوجت رجلا مسنا، حرمني من كل ملذات الحياة، بما فيها الأبناء»، تقول، قبل أن تتابع، بنبرة حزينة: «صْمتْ وفْطرت على بْصلة»... «سرقت» زوج صديقتها هربا من العنوسة حزينة طبعت حياتها المليئة بالآلام كما لم تكن «زهور» لتتخيل مطلقا «مشهد» الزوج والصديقة المقربة على نفس الفراش: «لم أصدق عينيّ وأنا أرى صديقتي وزوجي على نفسي الفراش»... تقول «زهور»، في لحظة بوح، قبل أن تضيف، وعيناها دامعتان: «كانا في وضعية مواقعة جنسية على فراشي»... طلبت «زهور» الطلاق من زوجها، بعدما اكتشفتْ أن تلك لم تكن المرة الأولى، بل إنهما كانا على علاقة مع بعضهما منذ مدة طويلة. تابعت، وهي تتذكر: «كانت صدمتي أكبر من قدرتي على التحمل». تعرفتْ «زهور» على زوجها أثناء دراستها وأحبا بعضهما البعض، وتزوجته بعد التخرج. توج حبهما بطفلة جميلة... كانت «صديقتها» وزميلتها في العمل تأتي إلى منزل «زهور» بشكل مستمر: «أطلعتُها على أدق تفاصيل حياتي». وتواصل هذه السيدة المكلومة سرد «قصتها»: «في المقابل، كنت أتحدث إلى زوجي عن صديقتي.. دون قصد، «قرّبتُ» بين القلبين وجمعتهما على فراش الرغبة، فكلاهما أصبح يعرف الآخر من خلالي، وكنت أنا همزة الوصل بينهما»، تقول زهور وهي تمسح دموعها، قبل أن تتابع: «جاءتني صديقتي تبكي وتقول إن رغبتها في الخروج من جحيم العنوسة كانت السبب وراء خيانتها»: «لم أجد غير حضن زوجك ليُشعرني بالدفء وينتشلني من الوحدة»، قالت «الصديقة» ل«زهور»، وهي تطلب الصفح. لكن «زهور» لم تستطع مسامحة صديقتها ولا حتى زوجها على خيانتهما... «عشيقة» في انتظار عقد القران لم تكن «عتيقة» تعتقد أن الحياة قد تغير أفكار ومبادئ وقيم الشخص إلى هذه الدرجة، فهذه المرأة المقبلة على عقدها الرابع، تعيش حاليا كعشيقة لرجل يعمل مسؤولا في القطاع العام. لم يكن قبول «عتيقة» بهذه الوضعية في مجتمع يرفض هذا النوع من الممارسات من فراغ، فهذه المرأة عانت الأمرّين وهي تبحث عن الشريك المناسب لحياتها، التقت بأشخاص من مختلف الفئات العمرية والمجتمعية والثقافية. أحبّت بعضهم ورغبت في الزواج من بعضهم الآخر، لكنها، رغم بحثها الحثيث عن نصفها الثاني، لم تجد شخصا مناسبا يملأ الفراغ الذي تعيشه، لتستسلم في الأخير وتقبل العيش «في الظلام»، وبعيدا عن نظرات الناس، وأن تقابل «علي» في شقة فاخرة اكتراها لها في «حي الرياض» في الرباط، ليختليا ببعضهما البعض ولكي «تعيش معه لحظات» لن تستطيع الحصول عليها مع الزوج الذي طالما حلمتْ به. «أعرف أنني أعيش في وهم وأنني قد أساهم في تحطيم حياة أسرة «سعيدة»، ولكن لو كانا سعيدين لَمَا «أُغرِم» بي «علي» ولَمَا غامر بزواجه من أجل أن يعيش معي بعض اللحظات، فأنا أوفر له ما لا يجده في زوجته وأسرته».. هكذا تبرر «عتيقة» هذه الوضعية التي تعيشها منذ ثلاث سنوات. هي تعرف جيدا أن «حياة السر» التي تعيشها منافية للمبادئ العامة في المجتمع، ومع ذلك فهي متمسكة بهذه العلاقة، فقد منحتها «الاستقرار والسعادة»: «لقد استطعت أن «أهرب» من وصف «عانس» ولو نسبيا»، تقول «عتيقة» قبل أن تختم على وقع «حلمها» الجامح: «أنا متأكدة من أنه سيتزوج بي»... «الحاج متولي المغربي» في مواجهة العنوسة... إذا كانت عتيقة قد اختارت العيش كعشيقة لرجل متزوج، فإن «هدى» فضلت الاقتران برجل يكبرها بما يربو على 25 سنة ومتزوج من ثلاث نساء، فقط لكي «تهرب» من وصف عانس، الذي لاحقها لسنوات وجعلها تدخل في حالة من الاكتئاب، بسبب تدخل الجيران والأهل في حياتها الشخصية، لتجد الحل قبل ثلاث سنوات وتتزوج ب«المعطي»، الذي تعيش معه قصة شبيهة بحكاية مسلسل «الحاج متولي»، كما تقول ساخرة: «شاهدتُ هذا المسلسل عدة مرات وكنت أعتبر الأمر مستحيلا ولا يحدث إلا في الدراما العربية، وخصوصا بالنسبة إلي». لا يختلف «سيناريو» الأحداث بالنسبة إلى حياة «هدى» كثيرا عن الخط الدرامي للمسلسل المصري المذكور، ف»المعطي» يضع «جدولا» محددا لزوجاته، حسب سنهن وعدد أولادهن وحسب احتياجاتهن، لكنه يوفر لهن جميع متطلباتهن، كما تروي «هدى» التي قالت: «لولا زوجي لَمَا استطعتُ أن أحصل على المنزل والسيارة اللتين كنت أحلم بهما». تواصل هذه السيدة الثلاثينية سرد وقائع حياتها، موضحة أنه رغم أن هذا الزواج لا يتناسب مع أحلامها وطموحاتها، فقد استطاعت أن تحظى بالاستقرار والأمان، خصوصا بعد ولادة «عثمان»، رضيعها، ذي الثمانية أشهر. يحرص «المعطي» على أن يوفر لجميع زوجاته مسكنا خاصا بكل واحدة منهن، كما يهتم بجميع التفاصيل المتعلقة بحياتهن، كما تروي «هدى»، وهي منهمكة في إعداد حليب ابنها: «هو بالصح حْكّامْ وصعيبْ شوية ولكن معقول وما كايديرشْ الفْرق بيناتْنا».. هكذا تصف الزوجة الرابعة «السي المعطي»، كما تلقبه، وتستمر موضحة أن الحياة تتطلب الصبر والكثير من التنازلات والتخلي عن بعض الأهداف، مقابل الحصول على أخرى، على حد تعبيرها: «لو لم أقبل بهذا الزواج، لعشتُ طيلة حياتي في خانة العوانس»... الزوجة الثانية... «شعار» العوانس قد تختلف شخوص وتفاصيل قصة «أمال» عن قصص كل من تحدثنا عنهن قبلها، لكن مضمونها يتوافق مع هذه «القصص»، فهذه الفتاة، التي ما زالت لم تصل بعدُ إلى سن الثلاثين، استبقت الأحداث، كما تقول، وقررت أن تكون الزوجة الثانية، قبل أن تصل إلى مرحلة العنوسة، مثل أخواتها الثلاث. لم يكن هذا القرار المصيري الذي اتخدته «أمال» سهلا بالنسبة إليها، لكنه كان الحل الوحيد الذي وجدته ك«مخرج» من أزمة تتخبط فيها أسرتها، التي صارت تُنعَت ب «دار البايْراتْ»... «فضلتُ أن أعيش تحت سقف واحد مع امرأة تشاركني زوجي على أن أتحمل نظرات المجتمع القاسية»، هكذا تشرح هذه السيدة البيضاوية «دوافعها» إلى هذا «الاختيار»، قبل أن «تشرد» بذهنها بعيدا، مسترجعة أحداثا حزينة طبعت حياتها، «المليئة بالآلام»، كما تصفها، لأنها عاشت علاقة عاطفية لمدة خمس سنوات مع أحد الشبان الذين كانوا يدرسون معها في نفس الجامعة وجابهت من أجله الكثير من الصعاب، لكن «حكايتهما» لم تتوج بالزواج، الذي كانت تسعى إليه: «تخلى عني، بعد العديد من التضحيات، لذلك قررتُ أن أكون الزوجة الثانية، بعد أن أُقفِلت أمامي جميع الأبواب»... «قصص» من مجتمعنا المغربي، تتشابك «فصولها» وتترابط أحداثها، يربطها نفس القاسم المشترَك، وهو الهروب من نعت صار يقضّ مضجع الكثير من النساء اللواتي صرن يُفضّلن العيش كعشيقة أو كزوجة ثانية، بدلا من البقاء بدون زواج مدى الحياة... لا تختلف حكاية «بشرى» كثيرا عن هذا الأمر، فقد ارتبطت بخليجي يعيش في الإمارات مع زوجته وأولاده ويزورها مرتين في السنة. ليست هذه الوضعية، التي قبلت بها «بشرى» مثالية بالنسبة إليها، لكنها «الأفضل» بالنسبة إلى امرأة بلغت السادسة والثلاثين من عمرها: «إذا كانت نساء أخريات قد يرفضن هذا الأمر، فأنا أقبله بصدر رحب، لأنني لم أجد حلا غيره»... رأت «جنات»، فلذة كبد «بشرى»، النور قبل سنتين وملأت عليها بيتها، المتواجد بمدينة الدارالبيضاء، مرحا وحركة وسعادة، على حد تعبيرها، فابنتها عوضتها عن غياب الزوج المستمر. لكن «بشرى» خائفة من أن يؤثر غياب الوالد على نفسية ابنتها في المستقبل: «إذا كنت أتقبل هذه الوضعية وأستطيع التعايش معها، فابنتي في حاجة إلى وجود والدها إلى جانبها».