بعد التقرير الذي أصدرته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا -الأسكوا- في نهاية شهر أبريل الماضي، وتقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم -الأليسكو- تناولا واقع التعليم في العالم العربي. سجل تقرير التنمية البشرية أواخر العام 2009 أن عدد الأميين العرب، يتراوح مابين 60 و70 مليون مواطن عربي، منهم 63% من الإناث، ويساوي هذا العدد أعلى النسب في المجموعات الدولية. والمشكلة أن عدد الأميين يزداد باضطراد في أخطر ظاهرة تهدد الأجيال القادمة، وتتفاوت نسبة الأمية بين قطر عربي وآخر، إذ تصل هذه النسبة في بعض المناطق كاليمن مثلاً إلى 65% بين النساء، وقد تصل في بعض الأقطار إلى 80%. وهناك 6 ملايين طفل عربي خارج النظام التعليمي لم يعرفوا المدرسة، و3 من 5 فتيات في سن التعليم الابتدائي لم يلتحقن بالمدارس.. رغم أن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان.ويتركز ربع الأميين في بلد واحد هو مصر، 17 مليون أمي، بينما يتوزع 70% في أربع دول عربية أخرى السودان، والمغرب، والجزائر، واليمن. ففي مصر بات النظام التعليمي عاجزاً عن استيعاب الأعداد المتزايدة من التلاميذ، بسبب النمو السكاني وتدهور الوضع الاقتصادي المعيشي والسياسة التعليمية المتبعة، مما يفاقم ظاهرة الأمية. وفي العراق حسب تقديرات اليونيسيف أن 700 ألف من الصغار هم خارج المدرسة، وأن 21% من الفتيات لم يلتحقن بها. أرقام مذهلة ومخيفة تواجهها مجتمعاتنا العربية وتشكل تهديداً كبيراً للتنمية في المنطقة.. والمواجهة العربية الشاملة لاتزال دون المستويات المطلوبة والضرورية. في ضوء هذه التقارير التي أعلنتها المنظمات الدولية، كيف يبدو المشهد التعليمي العربي، وكيف السبيل إلى تطويره؟ وهل تعمل الحكومات العربية فعلاً على تحقيق تقدم في هذا المجال؟ وما هي التحديات الأساسية التي تواجهها العملية التربوية بشكل عام، وعملية مكافحة الأمية التي هي جزء أساسي منها بشكل خاص؟ وهل المعلومات التي تقدمها الحكومات العربية عن الأمية في بلدانها دقيقة وملموسة؟. إلخ. أسئلة بديهية تطرح في ضوء هذه التقارير أولاً، لابد من الإشارة إلى أن مكافحة الأمية لا تأتي في أوّليات اهتمامات الحكومات العربية، وهناك بطء شديد يطغى على تطور السياسات التعليمية، واختلال أنظمتها.. ومازالت هذه الدول بعيدة جداً عن تحقيق أهداف برنامج التعليم للجميع. المبادرة التي أطلقتها اليونسكو في المنتدى العالمي (التعليم للجميع) دكار عام 2000 والتي تتضمن رؤية شاملة وتركز على مفهوم حقوق الإنسان، وعلى أهمية التعليم لكل الأعمار والفئات الاجتماعية كافة.. إن وجود هذا العدد الكبير من الأطفال والطفلات المفروض أنهم -صانعو المستقبل- خارج مقاعد الدراسة، دليل على عدم وجود أية مخططات مستقبلية تمهد للتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والحضاري في المنطقة العربية. ثانياً، إن استشراء الأمية في المنطقة العربية على نحو لم يسبق له مثيل يفرز جحافل من الأميين تشكل بؤراً لاستفحال العنف والإرهاب والجرائم وكل أشكال التحديات والتمرد على المجتمع وعاداته وتقاليده واللجوء إلى التعصب الديني والتسلح.. إلخ، في محاولة للانتقام من المجتمعات التي همشتهم وجعلتهم عالة على الأهل والمجتمع. ثالثاً، تتضمن شريحة الأميين أكثر الفئات حرماناً وتهميشاً، وترتفع فيها نسبة النساء والفتيات بشكل خاص. وهناك صلة وثيقة بين الفقر والأمية، فكلما تدنى مستوى المعيشة، تدنى المستوى التعليمي وازدادت الأمية باطراد. فالأطفال الفقراء يشكلون دائماً النسبة الأكبر من التسرب من التعليم بسبب البحث عن لقمة العيش، وعمالة الأطفال هي واحدة من أهم مؤشرات الأمية، وأبرز التحديات التي يواجهها العالم العربي يتمثل في النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار، وحالات العنف التي تنعكس على نحو أو آخر على وضع الناس خاصة الأطفال منهم. ورغم وجود اعتراف عالمي بدور عملية محو الأمية في تمكين الأفراد من المشاركة في عملية التنمية الذي يفتح أمام النساء والرجال آفاقاً جديدة لفرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة والحصول على الخدمات والمشاركة في الحياة العامة وعمليات التغيير الاجتماعي والقضاء على الفقر.. فمعالجة أسباب الأمية لم تتم بشكل ناجح ومستمر. رابعاً لقد اعتبر التعليم نوعاً من الترف وليس حقاً من حقوق الإنسان، وبرامج التنمية الاقتصادية تركز على الأداء الاقتصادي بدلاً من الحاجات الإنسانية. إن حرمان أي طفل من التعليم هو كارثة بالنسبة للبنت والصبي على السواء، ولكن الثمن الذي تدفعه الفتاة أكبر هي وأسرتها، فالفتيات معرضات أكثر للاستغلال الجنسي والاتجار بالأشخاص، وهنّ أكثر ضعفاً أمام الفقر والجوع، ولم تستفد الفتيات بصورة كافية من الإمكانات المتاحة للتعليم، ونسبة الفتيات الملتحقات أقل بكثير من نسبة الذكور.. إن القضاء على التمييز بين الجنسين عامل أساسي تعدّه اليونسكو من أبرز محاورها، حتى إنه يفوق القطاع التربوي أهمية. خامساً من أهم التحديات التي تواجهها الفتيات في العملية التربوية 1- مواقف تسود المجتمعات العربية منها العادات والتقاليد التي ترسم أدواراً معينة للمرأة. 2- الأعباء الأسرية لا تسمح لها بتطوير نفسها. 3- الزواج المبكر. 4- ظاهرة التسرب من المدارس. 5- عدم استيعاب الأهل لمخاطر الأمية والجهل. 6- الأمية بين الرجال وانعكاسها السلبي الذي يعيق الاستفادة من الفرص التعليمية المتاحة للمرأة. 7- الفقر وتدني المستوى الاجتماعي. 8- مازال التعليم منحازاً إلى المدينة على حساب الريف، ولصالح النخبة على حساب الأكثر فقراً، ولصالح الذكور على حساب الإناث. فقضية الأمية في المنطقة العربية مازالت تواجه نقاط ضعف رئيسة، وهذا يحتاج إلى جهود جدية لسد منابع الأمية تدريجياً عبر التعليم الأساسي، وتنظيم حملات مكثفة لمحو الأمية، خصوصاً للإناث في المناطق الريفية والفقيرة، وإعداد المناهج والوسائل التعليمية المناسبة. ما هو مفهوم الأمية في مجتمعاتنا العربية؟ المفهوم الشائع هو عدم معرفة القراءة أولاً، والكتابة ثانياً. أي إن الجهود تبذل على الجانب الأبجدي، أي أساسيات القراءة والكتابة.. وهذا يعكس التخلف عن استيعاب ومواكبة المجتمع وأفراده للتطور العلمي والتقني. في حين أن منظمة اليونسكو أشارت إلى أن إتمام مرحلة التعليم الأساسي هو الحد الأدنى أو القدر الأساسي الذي يجب على كل مجتمع أن يوفره لكل أفراده. ووضع قياس للأمية في العالم العربي بناء على تعريف اليونيسكو سوف ينتج عنه ارتفاع أكبر في عدد الأميين في العالم العربي. ولذا يجب التركيز على مفهوم جديد لمحو الأمية والخروج من محو الأمية البدائية إلى محو أمية التكنولوجيا والمهارات. ومن التحديات التي يواجهها العالم العربي باستخدام التقانة، فلايزال عدد مستخدميها قليل جداً.. وتؤكد الإحصاءات انخفاض إنتاجية العامل الأمي، وإن هذا الوضع سوف يتفاقم مع استمرار التقدم العلمي واستخدام التكنولوجيا الحديثة التي تشمل مهارات الكمبيوتر والمعارف الأخرى للمجتمع المعاصر.. مهارات عملية وتقنية من شأنها إتاحة المشاركة في مختلف جوانب الحياة.. الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. إن مشاركة المنظمات غير الحكومية في حملة مكافحة الأمية ضعيفة جداً، وتكاد تكاد معدومة، كما هناك تجاهل لدور الأحزاب رغم أهمية مشاركتها، وتتعرض الخطط والبرامج للإخفاق بسبب تغييب الفئات الاجتماعية المهتمة عند إعداد البرامج الخاصة بمحو الأمية، ولذلك فإن جهود القضاء على الأمية مازالت تتعثر، وتتم معالجة النتائج عبر مبالغات ظاهرة وأرقام غير دقيقة تطلقها الجهات الرسمية للتغطية على الوضع.. ومعروف أن الحكومات العربية لا تقدم معلومات دقيقة وواقعية حول الأمية في بلدانها، مما يصعب تشخيص الظاهرة ومعالجتها.. ومكافحة الأمية يجب أن تكون جزءاً أساسياً من الخطة الشاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية. إن خطط وبرامج المؤسسات التربوية العربية تلجأ إلى التلقين والتركيز على نقل المعلومات إلى الدارسين، وعليه لم ينجح التعليم العربي في تنمية روح البحث والنقد والابتكار، بسبب استخدام المناهج التعليمية التقليدية. ولابد من تطوير أساليب تعليم الكبار في ضوء الخصائص السيكولوجية المميزة لهذه الفئة. وستبقى مشكلة الأمية في الوطن العربي تشكل عقبة كأداء في وجه العديد من الأسر التي تعاني هذا المرض في أوساط أبنائها، خاصة النساء.. كما تشكل صعوبات أمام تقدم المجتمعات العربية نظراً لمنعكساتها السلبية على تأهيل الأفراد ليساهموا في بناء المجتمع. وهناك مفاهيم بدأت تترسخ نتيجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والبطالة.. إنه لم يعد للتعليم قيمة اجتماعية بل أصبح النجاح المادي معياراً في بعض الأحيان لتحديد المكانة الاجتماعية، مما أثر سلباً على أهمية العلم وتطور المجتمعات. إضافة إلى الجهود المضنية التي يبذلها الطلاب لقبولهم في الجامعات الرسمية وعدم مساعدة الخريجين على إيجاد مجالات للعمل تتناسب واختصاصهم، مما يولّد نوعاً من الإحباط واليأس أمام الألوف من الخريجين.