كان محور الجلسة الموضوعاتية الأولى المبرمجة في إطار أشغال المؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم والاشتراكية يدور حول موضوع «آليات تفعيل سياسة القرب، والتواصل الحزبي». وتميزت هذه الجلسة التي أدارها الزميل الحسين الشعبي المنسق الوطني لقطاع الثقافة والاتصال بتدخلات فعاليات حزبية مختصة في ميدان التواصل المهني، عقبتها مناقشة واسعة بين المؤتمرين. في البداية قدم رئيس الجلسة أرضية عامة عن موضوع الندوة معتبرا أن حزب التقدم والاشتراكية، وإن كان سباقا إلى إعمال وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، مع الحرص على المهنية والنجاعة على مستوى التواصل الخارجي؛ إلا أنه في حاجة ماسة إلى تدارك القصور الحاصل على صعيد التواصل الداخلي، لما للحياة الداخلية للحزب من أهمية قصوى في تنشيط الحزب وترويج برامجه وأطروحاته داخليا قبل أي شيء آخر.. كما ركز المتدخل على أهمية المعلومة التي ينبغي أن تنتشر بسرعة على عكس ما كان معمولا به أيام المضايقات والقمع حيث كان العمل الحزبي على مستوى التواصل يتسم بكثير من الحيطة والحذر، خوفا من تسرب المعلومات؛ في حين باتت المعلومة اليوم بمثابة سلطة في يد من يتملكها.. إلى ذلك، تحدثت غزلان معموري، أستاذة جامعية وخبيرة في الاتصال، عن التواصل كسلوك أكثر منه كآلية، مشيرة إلى دراسة أنجزت سنتي 2005 و2006 كشفت أن التواصل هو سلوك وحالة ذهنية وليس فقط وضع هياكل وآليات، معتبرة أن كينونة الحزب السياسي تتمثل أصلا في معنى الاتصال، لأنه، فضلا عن كونه ينظم المواطنين، فهو يعبئهم من أجل أفكار وقيم ومبادئ بواسطة مسالك وقنوات تواصلية أساسها أخلاقيات المعاملة والتعامل..من ثمة ركزت غزلان في مداخلتها على مفهوم الحزب كبنية تواصلية. فيما ركز تدخل ربيع الوفودي وهو ناشط جمعوي دولي، على التواصل الحزبي في أوساط الشباب، داعيا إلى مراعاة المرجعية الثقافية للشباب واليافعين المختلفة تماما عن عقلية الكبار والراشدين، لأن مراكز اهتمامات الشباب تختلف عن مجالات اهتمام الآخرين، وبالتالي فثمة خصوصية يتعين أخذها بعين الاعتبار، بهدف التخاطب مع الشباب بلغته في أفق استرجاع ثقته بالشأن السياسي عموما والعمل الحزبي على وجه الخصوص. أما الباحث محمد العلالي، أستاذ بالمعهد العالي للصحافة والاتصال، فقد تساءل إلى أي حد يمكن أن يكون التواصل حاضرا في الذهنية الحزبية لدى كل مناضل ومناضلة، وإلى إي حد يشكل أو لا يشكل جزءا من الأهداف المرسومة وراء أي فعل سياسي، مشيرا إلى أنه يجب إعطاء صورة جيدة عن الحزب من مختلف زوايا النظر، وأفاد العلالي أن الحزب الذي لا يستعمل استراتيجية جيدة للتواصل يصطدم عموما بمشاكل، ولا يجني ثمار عمله والجهود التي يقوم بها. وألح العلالي على ضرورة وضع تمييز بين التواصل ووسائل الإعلام مشددا على أن التواصل يتطلب تحقيق وقع وأثر على الناس من خلال الرسالة التي يحملها، بينما وسائل الإعلام لا تتطلب بالضرورة تحقيق صدى وأثر على الناس بالرغم من أن مفهوم وسائل الإعلام حسب المتحدث، ينتمي إلى زمن الديكتاتوريات المطلقة. وقد شدد المتدخلون، أثناء المناقشة، على ضرورة وضع آليات جديدة للتواصل تستجيب لانتظارات مغاربة القرن 21 على مختلف أعمارهم، والذين يختلفون عن مواطنيهم قبل العقدين أو الثلاثة من الزمن الماضي. ومن بين النقط التي تم التركيز عليها بالمناسبة، كون حزب التقدم والاشتراكية لا يتوفر بعد على آليات واضحة ومحددة لتحسين التواصل الحزبي على المستوى الداخلي، غير أن بعض المتدخلين عبروا عن ارتياحهم من مستوى التواصل الخارجي الذي حققه الحزب مطالبين بتطبيق نفس المقاربة على التواصل الداخلي للحزب. وأوضحت هذه المداخلات أن الهدف من هذه الجلسة الموضوعياتية هو بلورة توصيات ورسم خارطة للطريق تتعلق بتعزيز التواصل الحزبي. وركزت مناقشات المؤتمرين، من خلال تفاعلهم مع الأفكار التي وردت خلال هذه الجلسة، على مجموعة من الأفكار مثل نقد مفهوم التواصل العصري الحديث الذي يركز فقط على تقنيات التواصل الجديدة، وذلك بسبب انتشار الأمية التي تمس قرابة نصف الساكنة المغربية، وخصوصا في العالم القروي؛ كما عبرت بعض التدخلات عن قلقها من كون المعلومة التي يحتكرها المركز لا تصل بالسرعة المطلوبة إلى القاعدة. وألح جل المتدخلين على أهمية التكوين المستمر في هذا الباب حتى يتسنى للمناضلين مواكبة مستجدات عالم الاتصال وتحسين أدائهم على صعيد العلاقات الداخلية البينية، وكذا في المحطات الكبرى التي تستلزم تشديد التواصل الخارجي كالاستحقاقات الانتخابية وما شابه ذلك. وأجمع المتدخلون على ضرورة الإكثار من زيارات أعضاء القيادة للمناطق النائية ولا سيما في العالم القروي حيث يحتاج المناضلون إلى أكبر قدر ممكن من الدعم السياسي والمعنوي؛ وأشار بعض المتدخلين أن المقرات الحزبية تعتبر قناة أساسية للتواصل بين المناضلين من جهة وبينهم وبين المواطنين من جهة أخرى، الشيء الذي يستدعي الاهتمام بالجانب المالي والمادي للحزب حتى لا تغيب هذه الأداة الناجعة، والتي يمكن لها أن تشكل موردا ماليا للفروع في حالة إذا استعملت المقرات لتقديم خدمات اجتماعية وثقافية بالمقابل على شكل أندية مفتوحة على العموم. ودعا متدخلون القائمين على تدبير صحافة الحزب إلى الحرص على أن تستجيب بيان اليوم والبيان للمسعى التواصلي المتوخى حتى تلعب الصحيفتان دورا في ترويج المعلومة الحزبية وكذا نقل أخبار وشكايات ومشاكل المواطنين التي تتبناها فروع الحزب... وعلى صعيد آخر، لم يخف كثير من منتخبي الحزب قلقهم إزاء القيادات الجهوية والوطنية التي لا تزودهم في الغالب بأدوات ووسائل التواصل مع ناخبيهم في دوائرهم، الشيء الذي يتنافى مع سياسة القرب التي ينادي بها الحزب في إطار منظوره للمقاربة التشاركية. وعلى العموم، شكلت هذه الجلسة الموضوعاتية ورشة مفتوحة على التشخيص والتحليل واتسمت بصراحة المناضلين الذين لا يكتفون بتوجيه النقد فقط، بقدرما يقدمون اقتراحات وبدائل يتعين استثمارها بعد المؤتمر وتفعيلها لتجاوز معيقات التواصل.