انتقد محمد نبيل بنعبد الله، الأصوات التي طفت على السطح مؤخرا، والتي تدعو إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطنية، تتشكل حسب زعمها من كفاءات تكنوقراطية، معتبرا ذلك بمثابة الدعوة إلى تجميد الدستور والذهاب في اتجاه آخر، معاكس للمسار الديمقراطي الذي اختارته بلادنا. وقال محمد نبيل بنعبد الله، أمس الاثنين، خلال ندوة صحفية عقدها عن بعد، لتقديم مقترحات حزب التقدم والاشتراكية لما بعد كورنا، “هل سيكون في الحكومة المسماة بحكومة إنقاذ وطني عباقرة لا نعرفهم، وهل هذه الكفاءات هي مثل تلك التي بشرنا بها، مع تعيين الحكومة الحالية؟”، مشيرا إلى أن الكفاءات الوطنية هي مرحب بها في جميع المجالات، لكن يتعين أن تكون مؤطرة بتصور سياسي، وباختيارات سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، لأن أي حكومة سياسية تخضع لمقتضيات الدستور الذي أكد على ربط المسؤولية بالمحاسبة، يجب أن تكون لها أغلبية برلمانية منبثقة من انتخابات حرة ونزيهة. وأضاف الأمين العام لحزب الكتاب أن على الأحزاب السياسية أن تنطلق من نفسها، وأن تنفتح على مختلف الكفاءات الوطنية، وأن تحافظ على استقلالية قراراتها، كما على الدولة أن تتخذ الإجراءات الضرورية لإبراز الكفاءات السياسية وتقويتها من أجل خلق فضاء سياسي قادر على مجابهة التحديات، وعلى تعميق المسار الديمقراطي والبناء المؤسساتي، مع تأكيده على ضرورة الاستمرار في تفعيل المبادئ والمقتضيات التي جاء بها دستور 2011، عوض الدعوة إلى تجميده، مشيرا إلى أنه بدون ذلك، لا يمكن أن يكون هناك أي تقدم في الجوانب الأخرى، على اعتبار التلازم الوثيق بين الجانب الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي. وأضاف محمد نبيل بنعبد الله أنه، إذا استمر الوضع الصحي في التحسن مثل ما هو ملاحظ في الفترة الأخيرة، فلن يكون هناك أي مبرر لتأجيل الانتخابات التي يتعين أن تجرى في موعدها، من أجل تعميق المسار الديمقراطي، مشيرا إلى أن جميع الدول الديمقراطية تعتمد على طاقاتها السياسية، وعلى الصراع السياسي الشريف، عبر الانتخابات الشفافة والحرة، مؤكدا على ضرورة القيام بمصالحة بين المواطنات والمواطنين والشأن السياسي، وخلق عناصر الثقة والمصداقية على هذا المستوى. وذهب زعيم التقدميين المغاربة إلى ربط عودة الثقة في الشأن السياسي بضرورة تفعيل الدور السياسي للحكومة، وتفعيل جميع آليات التشاور، وترسيخ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتقوية دور الفاعل السياسي، وحماية التعددية السياسية، وتوسيع مجال الحقوق والحريات السياسية والمدنية، والتأكيد على تلازمها مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، مشيرا إلى أن الحكومة، في تدبيرها لجائحة كورنا، وإن كانت قد تفوقت في بعض الجوانب المرتبطة بالتعاطي الاستباقي، فإنها، مع الأسف، يقول بنعبد الله “عوض أن تبرز وجودها السياسي، ظهر انقسام وتباعد فيما بين مكوناتها، ونقص في التفاعل مع البرلمان”. وفي سياق عرضه لمضامين مذكرة حزب التقدم والاشتراكية التي ضمنها مقترحاته للخروج من الأزمة بعد جائحة كورنا، أوضح محمد نبيل بنعبد الله أن هذه المذكرة التي تحمل عنوان “من أجل تعاقد سياسي جديد”، تقوم على ضرورة بلورة مخطط اقتصادي للإنعاش، يرتكز على دور الدولة، ويعتمد مقاربة مالية وميزاناتية وجبائية متجددة من أجل القضاء على الفقر، والهشاشة، وإقرار عدالة اجتماعية، والنهوض بالثقافة، وتعميق المسار الديمقراطي والمؤسساتي. وفي نفس السياق، دعا الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إلى إجراء مفاوضات مع أرباب المقاولات والنقابات العمالية الأكثر تمثيلية، من أجل بلورة بروتكول اتفاق في أفق وضع ميثاق اجتماعي، يرتكز على دعم الدولة للمقاولات الوطنية، شريطة الحفاظ على مناصب الشغل، والاعتماد على الإنتاج الوطني وتفضيله، والحد من الاستيراد المفرط، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالي التصنيع والفلاحة، مع الاعتماد على البعد الأيكولوجي في المسلسل التنموي للحفاظ على الثروات الطبيعية. ومن أجل تمويل المخطط الاقتصادي للإنعاش الذي يقترحه حزب التقدم والاشتراكية، والذي يتكون من 20 إجراء قابلا للتطبيق، يرى حزب الكتاب ضرورة الاعتماد على الاستثمار العمومي من أجل إعطاء نفس جديد للاقتصاد الوطني، وتعزيز ذلك من خلال الاستمرار في البرامج الاستثمارية ذات الصلة بالبنيات التحتية العمومية، وإطلاق أوراش كبرى، وتقوية الطلب العمومي، وإحداث آليات عمومية تساهم في تمويل المشاريع الكبرى، سواء عن طريق صندوق يحدث لهذا الغرض، أو خلق بنك للاستثمار العمومي، وإطلاق أوراش جماعاتية كبرى. كما دعا نبيل بنعبد الله إلى إعادة تشغيل شركة “لاسامير” من أجل ضمان الأمن الطاقي ببلادنا، مشيرا إلى ضرورة التوفر على الإرادة السياسية من أجل حل مشكل هذه المصفاة بشكل نهائي، والخروج من الوضعية الحالية التي هي نتاج لتضارب المصالح، بالإضافة إلى دعوته لإعادة النظر في اتفاقيات التبادل الحر، والتي تجاوز بعضها العشر سنوات، ولم يستفد منها الاقتصاد الوطني، مما يفرض اليوم القيام بمراجعتها. وفي نظر حزب التقدم والاشتراكية، فإن اعتماد مقاربات مالية ميزاناتية متجددة، يمكن أن تتحقق باعتماد عجز ميزانياتي استثنائي لمدة سنة أو سنتين بهدف تمويل الاحتياجات الوطنية، وضمان مناصب الشغل وإنعاش الاقتصاد، دون أن يستبعد إمكانية اللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، على غرار ما قامت به العديد من الدول، بالإضافة إلى الاعتماد على الادخار الوطني لتمويل الميزانية العامة من خلال إطلاق سندات الخزينة. كما دعا نبيل بنعبد الله إلى ضرورة تشجيع دخول المقاولة المغربية إلى سوق البورصة، من أجل تحديثها وضمان شفافيتها، ومدى احترام التزاماتها البيئية والاجتماعية، بالإضافة إلى دعوته لإصلاح جبائي منصف، وإخراج قانون إطار على هذا المستوى، وحذف العديد من الإعفاءات الضريبية، وفرض ضريبة تضامنية على الشركات الكبرى، كشركات التأمين، والمؤسسات الاقتصادية والمالية المستفيدة من الاحتكار القانوني أو الاحتكار بحُكم الواقع، من قبيل المكتب الشريف للفوسفاط وصندوق الإيداع والتدبير، والمكتب الوطني للسكك الحديدية، والتراجع عن الإعفاء الضريبي التي كانت الحكومة قد أعلنت عنه بالنسبة للشركات والمقاولات التي ساهمت في صندوق تدبير جائحة كورنا. كما طالب حزب التقدم والاشتراكية بإقرار ضريبة على الثروة، وضريبة على الإرث الذي يتجاوز 10 مليون درهم، وإحداث ضريبة على الضيعات الفلاحية الكبرى، وإحداث شطر تضامني في الضريبة على الدخل بالنسبة للأجور العليا جدا، مقابل إعفاء من الضريبة على الدخل بالنسبة للأجور التي لا تتجاوز ال 50 ألف درهما، وتخفيض القيمة المضافة على بعض المواد الضرورية مقابل رفعها إلى 40 في المائة بالنسبة لبعض المواد التي تدخل في خانة الكماليات. كما دعا بنعبد الله إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات التحفيزية من أجل إدماج الاقتصاد غير المهيكل، وإقرار حماية اجتماعية شمولية، التي قال بخصوصها المتحدق، “إن المغرب تأخر في إقرارها، وأن ثلاثة ملايين فقط مسجلون في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في الوقت الذي تبلغ الساكنة النشيطة عشرين مليون نسمة”، بالإضافة إلى دعوته إلى الرفع من ميزانية التعليم العمومي، وإطلاق عملية كبرى من أجل محاربة الأمية، والرفع من ميزانية البحث العلمي للوصول إلى نسبة 1 في المائة، على أن يقوم التكوين المهني بدوره بشكل مواز بالنسبة للتعليم الأساسي والتعليم العام، والارتقاء بالصحة العمومية، والرفع من مستوى التأطير الصحي ببلادنا. يشار إلى أن هذه الندوة الصحفية التفاعلية التي حضرها حوالي 60 صحفيا وصحافية، وتابعها على المباشر، عبر موقع حزب التقدم والاشتراكية على الفايس بوك، قرابة 18 ألف متابع، حضرها إلى جانب الأمين العام، أعضاء الديوان السياسي عبد الأحد الفاسي الفهري، ومصطفى عديشان، وعزوز الصنهاجي، وعبد الرحيم بنصر، وأدارها كريم التاج عضو الديوان السياسي إلى جانب إسماعيل الحمراوي عضو اللجنة المركزية للحزب.