الكثير يتوقعون عيد الأضحى لهذه السنة، في سياق استثنائي، متسم بالحجر الصحي في إطار حالة الطوارئ المعلنة في بلادنا لمنع انتشار وباء كورونا، الذي أثر بشكل كبير على اقتصاد العالم، ولاسيما، الدول النامية. ومن المواطنين من ينتظر العيد بفارغ الصبر، خاصة الكسابة لترويج ماشيتهم، وفك رقابهم من ديون تراكمت نتيجة إغلاق الأسواق وفرض حالة الطوارئ الصحية والحجر الصحي، وفئة أخرى ترى أن إلغاء العيد رحمة بها، وهي الفئة التي وجدت نفسها مع اجتياح الوباء والامتثال لتوجيهات الحكومة دون عمل ودون مورد رزق. وبين هذا وذاك، يظل استمرار ظهور حالات مؤكدة بفيروس كورونا وتراخي المواطنين في الالتزام بالتدابير الاحترازية، قد يحول دون الاحتفال بهذه الشعيرة الدينية التي تعتبر من المناسبات الكبيرة التي لها مكانة كبرى في نفوس المسلمين بشكل عام والمغاربة على وجه الخصوص. واللافت أن عيد الأضحى يتزامن هذه السنة مع العطلة الصيفية، والعودة المرتقبة للمهاجرين المغاربة في الخارج، وهو ما يشكل مناسبة لاجتماع الأهل والأحباب وصلة الرحم، مما قد يعصف بمجهودات وتضحيات كبرى على حساب اقتصاد البلاد التي تعاني من منظومة صحية هشة، إذ أن إقرار إقامة العيد قد يبعثر الأوراق من جديد، في حالة ما لم تتم السيطرة مطلقا وبشكل نهائي على الوباء، باكتشاف مصل أو علاج، قبل متم شهر يونيو الجاري. وقد يتسبب إقامة العيد لهذه السنة في إثقال كاهل العديد من الأسر المغربية المطالبة بأداء مستحقات المدارس الخصوصية العالقة، منذ شهر مارس الفارط، وبتحمل تكاليف الدخول المدرسي المقبل وواجبات إعادة السجيل التي ستنطلق بشكل فعلي بداية يوليوز القادم، الأمرالذي قد يفاقم معاناة هذه الأسر بفعل تبعات الجائحة وتهديدات أرباب المدارس الخاصة التي شرعت في توجيه إنذارات لأولياء وأمهات التلاميذ ممن تأخروا بتسديد ما بذمتهم عبر وسطائها . وكانت قد تعالت في الآونة الأخيرة بعض الأوساط، تنادي بإلغاء العيد، وقدمت في شأن ذلك مقترحا إلى رئيس الحكومة، لإلغاء الاحتفالات بعيد الأضحى هذا العام، بسبب تداعيات فيروس كورونا على البلاد واعتبر هذه الأوساط أن إلغاء الاحتفال بالعيد هو مقترح وجيه، وسبق للمغرب أن طبقه في سنوات الجفاف الذي عاشته البلاد في سنوات خلت . وعللت هذه الأوساط بكون غالبية المواطنين المغاربة وخاصة ذوي الدخل المحدود، لن تكون بمقدورهم هذه السنة اقتناء كبش العيد، خاصة وأن الأجراء أو المياومين قد توقفوا عن العمل بتطبيق الحجر الصحي. والأكيد أن عيد الأضحى، هو مناسبة للإنعاش الاقتصادي في بلادنا والذي يعود بالنفع على الفلاحين ومربي الماشية سانحة، لاسيما، الذين ينتظرون بفارغ الصبر هذه المناسبة لتعويض جزء مما بذلوه من جهود في رعاية الأكباش وتسمينها طوال الشهور الماضية، كما أنه فرصة للبعض الآخر لتسديد ما تراكم في ذمتهم من ديون في ظل ركود الأسواق من ذي قبل والالتزام بفترة الحجر الصحي. والمعروف أن جزءا كبيرا من متطلبات الحياة المعيشية لأغلب الفلاحين ومربي الماشية، يتم تدبره من خلال ما يبيعونه من مواشي في الأسواق وفي فترة عيد الأضحى. وكان عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري، قد صرح في وقت سابق باستعدادات وزارته لعيد الأضحى، الذي يتزامن مع استمرار أزمة كورونا والجفاف، الذي يعاني منه الموسم الفلاحي، معلنا أن الوباء منع المغاربة من الخروج فترة عيد الفطر الفارط، ولكن عيد الأضحى له خصوصيته، لأنه مناسبة لوجستيكية. وأفاد المسؤول الحكومي بوجود تعاون ثنائي بين وزارتي الداخلية والفلاحة لبحث سبل تدبير فترة عيد الأضحى وتنظيم حركية المواطنين بأسواق الماشية استعدادا لهذه المناسبة، مشددا على أنه بالرغم من أزمة كورونا وحالة الجفاف وتداعياتهما على القطاع الفلاحي، فإن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية، حريص على الاضطلاع بدوره الفعال في المراقبة الصارمة، بحيث تمكن إلى حدود شهر ماي المنصرم من تلقيح وترقيم حوالي مليونين ونصف من رؤوس الأغنام ذات الجودة العالية. ففي الوقت الذي كانت أغلبية الأسر تترقب رفع الحجر الصحي الذي طال أمده لحوالي ثلاثة أشهر، للعودة للعمل، خاصة الفقيرة منها التي تعاني من ضيق السكن وقلة المدخول من أجل العيش، رغم استفادة بعضها من دعم صندوق “كورونا” ولم يكن ذلك كافيا لسد حاجياتها وتسديد واجبات الإيجار وفاتورتي الماء والكهرباء، نزل خبر الاستعدادات لإقامة عيد الأضحى الذي لم تعد تفصل عن موعده سوى أسابيع معدودة، كالصاعقة على هذه الفئة المستضعفة التي أمست تضرب الأخماس في الأسداس وهي تفكر من أين لها تدبر خروف العيد في ظل هذه الظروف القاسية. وتساءلت هذه الفئة عن كيفية أداء هذه الشعيرة في ظل الجيوب الفارغة لأغلبية الأسر المغربية، فالمناسبة لا تحتاج فقط لأعداد كافية في رؤوس الأغنام وفتح أكبر عدد من الأسواق وحسن تنظيمها للتخفيف من الضغط والحيلولة دون تفشي عدوى فيروس كورونا، وإنما تتطلب أيضا إمكانات مادية مهمة، خاصة بالنسبة لمن فقدوا موارد رزقهم في القطاع غير المهيكل والمقبلين على فقدان مناصب عملهم بعد نهاية حالة الطوارئ الصحية، وعودة المقاولات والشركات والمصانع إلى الاشتغال بشروط جديدة ووفق قواعد النظافة والسلامة والتباعد الإجتماعي، الذي قد يضطر معه رب المعمل أو المصنع التقليص من عدد العمال. وفي جولة لها بإحدى أسواق دكالة إقتربت” بيان اليوم” أكثر من الفلاحين والمواطنين بشكل عام لاستنباط أرائهم حول ما إذا كانوا يرحبون بإقرار عيد الأضحى أو إلغائه، حيث أكد أغلب الفلاحين أو الكسابة على أنهم ينتظرون فتح الأسواق بالشكل الذي كانت عليه قبل الجائحة، أملا في بيع ماشيتهم، مشددين، على أن عيد الأضحى فرصة للتعويض عما تكبدوه من خسارة مالية خانقة في هذه الظرفية العصيبة، إذ تقول عائشة وهي كسابة تنحدر من أولاد آفرج إنها أعطت كل ما تملك من الحبوب و القطاني علفا لأكباشها الخمسة في انتظار ما ستحصل عليه من دريهمات خلال عيد الأضحى لتجعلها أكثر استعدادا للدخول المدرسي و حلول الموسم الفلاحي _ زريعة و حرث، قبل أن تردف قائلة في حال إلغاء العيد، سيكون عليها الخروج للتسول من أجل تدبير قوتها اليومي. وذهب العربي فلاح صغير في نفس الاتجاه مؤكدا أن قلة الأمطار هذا الموسم أثر بشكل كبير على محصولهم الزراعي و يبقى الأمل معلقا على ما سنحصل عليه من مال من خلال بيع الأكباش خلال فترة العيد، وفي حال إلغاء العيد يضيف صديقه سيظل العرض كبيرا في السوق أكثر من الطلب، وبالتالي يتأثر مدخولهم بشكل كبير وسيتكبدون الخسارة للمرة الثانية خصوصا وأنهم أنفقوا الكثير من أجل تأمين علف الأكباش. فيما يفضل طارق وهو نادل بمقهى ورب أسرة أن يتم إلغاء عيد الأضحى، وأنه ليس بمقدوره اقتناء أضحية العيد خصوصا، وأنه توقف عن ممارسة نشاطه خلال الأشهر الأخيرة، وهو في حيرة من أمره هل يدفع ما بذمته من مستحقات للكراء أو تسوية فواتير الكهرباء والماء المتراكمة أو يشتري الحليب لأبنائه الجياع، أما العيد فلا حيز له في تفكيره مادام هو عاجز عن إدخار ثمنه . ويتخوف البعض الأخر، من أن تطول فترة الحجر الصحي وتستمر أحوالهم في ما هي عليه من تأزم، في ظل حالتي الجفاف والجائحة، وما ترتب عنهما من إنهاك رهيب لقدرتهم الشرائية، وخاصة منهم الفلاحون الصغارالذين يؤكدون على تضررهم الكبير من قرار وزارة الداخلية بتجميد أنشطة الأسواق في إطار الإجراءات الاحترازية والوقائية، فيما ترغب الغالبية العظمى من أجراء القطاع الخاص والمياومين والأسر التي لا دخل لها، وحتى بعض مستخدمي القطاع الخاص يأملون في إلغاء” العيد الكبير” رأفة بأوضاعهم المزرية المترتبة عن التوقف عن العمل. فإذا لم يتم إلغاء العيد، فعلى الحكومة أن تقوم بتخصيص دعم إضافي من صندوق تدبير جائحة كورونا للأسر التي تعاني الهشاشة الاجتماعية من أجل اقتناء أضحية العيد وباقي مستلزماته، خاصة وأن ملايين الأسر ستكون مثقلة بالديون المتراكمة عليها في هذه الظروف العصيبة، إن على مستوى واجبات الكراء وفواتير الماء والكهرباء أو على مستوى مصاريف شهر رمضان وعيد الفطر، التي تتجاوز بكثير قيمة الدعم الممنوح لها. فهل تفكر الحكومة في تخصيص منحة استثنائية للأسر المعوزة والمتضررة من أجل تجاوز محنة العيد؟، أم هل تلجأ إلى إلغائه لتخليص فئة عريضة من كابوس اسمه تكاليف العيد الكبير؟.