رحل عنا وعن ساحتنا الثقافية الوطنية، وخصوصا عن مشهدنا الدرامي، ليلة الثلاثاء 2 يونيو 2020، المخرج المسرحي المغربي المتألق والرائد، الفنان الكبير عبد الصمد دينية، بعد معاناة طويلة مع المرض.. وبرحيل الفنان دينية تفقد الخشبة المغربية أحد مهندسيها الكبار الذي يعد من الجيل المؤسس لمهنة المخرج المسرحي ببلادنا.. تعرف الجمهور المغربي على عبد الصمد دينية كممثل مسرحي وسينمائي، ثم كمخرج مسرحي وتلفزيوني، وأيضا كمشرف فني ومخرج لعدد من الفرجات الضخمة ببعض المهرجانات الفنية الكبرى ولا سيما ما يتعلق منها بالثراث الموسيقي الوطني، وعلى رأسها أحد أقدم مهرجانات المغرب الذي لا يزال متواصلا وهو مهرجان مراكش للفنون الشعبية الذي ذاع صيته في الداخل والخارج.. حياة كلها حضور وعطاء وتأطير امتدت لما يفوق نصف قرن من الزمن، مساحة ومسافة راكم فيهما فقيدنا سيلا هائلا من الأعمال الدرامية الكبرى، إن على الركح المسرحي أو على شاشة التلفزيون.. ريبرتوار زاخر بالروائع، والأروع أنها كانت رفقة الكبار من الرواد كما الجيل الجديد من الشباب.. تمثيلا وتأليفا وإخراجا؛ كاشتغاله مع أحمد الطيب العلج، والطيب الصديقي، ومحمد حسن الجندي، وتعامله مع كتاب المسرح الجدد كالدراماتورج والسيناريست عبد الإله بنهدار والفنان المؤلف أنور الجندي (اللذين نقرأ لهما شهادتين قيمتين في حق الراحل ضمن مواد هذا الملف).. كما اشتغل تحت إدارته عدد من خيرة الممثلات والممثلين المغاربة سواء في المسرح أو التلفزيون أو الإذاعة.. من بين الممثلات نذكر حبيبة المذكوري وأمينة رشيد ونعيمة المشرقي وفاطمة الركراكي وزهور المعمري ومليكة العمري ووفاء الهراوي وصفية الزياني وفاطمة بنمزيان ونجاة الخطيب ولطيفة أحرار وخلود بطيوي (التي ندرج شهادة لها أيضا في هذا الملف)… وعدد من الفنانات اللواتي أبلين البلاء الحسن في فن التمثيل.. ومن الممثلين الذكور نذكر أحمد الطيب العلج، مصطفى منير، مولاي عبد الله العمراني، أحمد العمري، أحمد العلوي، عزيز موهوب، محمد سعيد عفيفي، محمد أحمد البصري، المحجوب الراجي، زكي الهواري، العربي الدغمي، عبد اللطيف هلال، عبد الحق الزروالي، محمد عاطفي، أحمد الناجي، محمد خدي، مصطفى تاه تاه، محمد البلهيسي، بنعبد الله الجندي، محمد الأثير، حسن ميكيات، عبد الله ديدان.. وآخرين من جيل الوسط والجيل الجديد.. لا يسع المجال هنا لذكرهم جميعا.. ولكن يمكن أن أؤكد أن كل الممثلات المتألقات والممثلين الناجحين مروا من فضاءات عبد الصمد دينية وعبروا جسره الممتد المنفتح على كل الأجيال، ونهلوا من معينه حتى ارتووا… يعد الراحل عبد الصمد دينية أحد أوائل، وهم قلة، الذين أسسوا لمفهوم الإخراج المسرحي المعاصر، حيث اكتسب رؤية فنية ثاقبة انطلاقا من التجربة الميدانية والممارسة وكذلك بالعلم والمعرفة والبحث الأكاديمي، من ثمة تألق في تعاطيه مع كلاسيكيات المسرح العالمي، خصوصا نصوص شكسبير وموليير، وكذا في اشتغاله على النصوص الحديثة التي تنتصر للتجريب ومنها نصوص عبد الحق الزروالي على سبيل المثال لا الحصر.. كما عرف الراحل بمهنيته العالية التي يشهد بها كل من اشتغل إلى جانبه، فضلا عن سماحته ولطفه وطيبوبته وروح المرح التي لا تفارقه، فتراه دائما بشوشا وضاء المحيى، هادئا صموتا ومنصتا، لا يحب الثرثرة ولا الحديث عن المسرح تاركا ذلك للمهتمين والنقاد، ويكره الدعاية والأضواء، يشتغل في الظل بدون ادعاء، لكنه عبقري وعميق، لا ينطق إلا بالمفيد، ولا يخرج للعلن إلا بعرض مسرحي، فضلا عن كل ذلك فهو رجل “قريئ” شديد الالتصاق بالكتاب، وهو متعدد اللغات، لا تصادفه في الشارع أو في الفضاءات العامة إلا نادرا، وعندما تلتقيه فيكون بالضرورة والعادة متأبطا كتابا أو مجلة أو جريدة… فنان مجتهد ومجدد باعتراف كبار النقاد المغاربة، لهذا عرفت أعماله انتشارا واسعا بفضل تنوعها وجاذبيتها.. وبفضل أيضا أسلوبه الخلاق في التعاطي مع تقنيات الكوميديا سواء في اللعب وإدارة الممثل، أو في ضبط إيقاع القفشات التي يقترحها النص حتى لا تخرج عن الإطار الهادف الذي يبتغيه.. فجميع النصوص المسرحية التي أخرجها تنطوي مضامينها على قضايا ملتصقة جذريا بالمجتمع وعيوبه ومشاكله، وهل تستوي الكوميديا والسخرية من دون الاتكاء على المساوئ والعيوب المنتشرة في أوساط الناس والمجتمع.. مع الأسف، هذا الحيز لا يسع للمزيد من التفاصيل، فالحديث عن الكبار ذو شجون، ويحتاج لأحياز في الزمان والمكان.. أتمنى أن يحظى فقيدنا بحقه في التأريخ والتوثيق، بما يليق بعظمته ورمزيته ووضعه الاعتباري الوازن.. ولعل في ذلك عرفانا واعترافا ما أحوج ثقافتنا الوطنية وأجيالنا القادمة إليه.. وفي ذلك أيضا أكبر تكريم وتقدير له ولمساره الغني والخصب.. وبالمناسبة، ارتأت جريدة بيان اليوم، جريا على عادتها، أن تخصص حيزا من ملحقها الفني الأسبوعي لتكريم فقيدنا الكبير باعتباره أحد أبرز الأعلام المتنورة في تاريخ المسرح المغربي المعاصر.. لعل في ذلك تعبيرا منا عن خالص العزاء والمواساة.. فعزاؤنا متقاسم مع رفيقة دربه الفنانة نعيمة الوادني التي واكبته كزوجة وصديقة وممثلة حيث وجد فيها تلك المرأة التي ترعاه وتسانده وتؤازره في كل حركاته ونبضاته.. وعزاؤنا أيضا متصل ومشترك مع فناني الدراما المغاربة نساء ورجالا، ولجمهوره الذي أحبه وصفق لمنجزاته الفنية الرائعة.. وندعو قراءنا الأعزاء للاطلاع على هذا الملف الذي يشمل شهادات وازنة وقيمة أدلى لنا بها بعض ممن اتصلنا بهم واستجابوا لنا مشكورين، كما نشكر الأصدقاء عبد المجيد فنيش وأنور الجندي وعبد الإله بنهدار الذين زودونا ببعض الصور من خزانة أرشيفهم الخاص. أتمنى لكم قراءة ممتعة وللفقيد واسع الرحمة ولروحه السلام.. إليكم الملف. تقديم وإعداد: الحسين الشعبي في رحيل عبد الصمد دينية.. رثاء في مقام مديح، كم حلت دونه والناس بوح: عبد المجيد فنيش* ترحل يا عبد الصمد، في زمن الرحيل الهادئ، دون مراسيم في حجم الخطب، ولا سرادق عزاء يستوعب آلاف الهمم التي كان من البديهي أن تشيع الجثمان إلى مثواه الأخير في الدنيا، في اتجاه جنة الخلد، حيث النعيم، جزاء لما تركت من علم في فنون ينتفع بها، وهو صدقة جارية منذ أن قلت أول كلمة لك، وخطوت أول خطاك في الدراما المغربية، إلى أن لقيت اليوم ربك الكريم. تغادر يا عبد الصمد، وقد تركت خلفك عالما دراميا متكاملا موسوما بأصالة معرفية وجمالية مجادلة لثقافات الناس جميعا، ومنفتحة عليها متفاعلة معها، وأنت الذي أخرجت بعض روائع كلاسيكيات المأساة عند شكسبير(عطيل)، وفي نفس الآن، – ومع نفس الفرقة الفقيدة العزيزة المعمورة – تخرج خالدات الكوميديا الإنسانية مع “المعلم” موليير، وذلك عبر “المعلم” الفقيد أحمد الطيب العلج، وأخريات مقتبسات مستنبتات، أو مترجمات لآخرين . رحلتك يا عبد الصمد في حياة الإخراج، جابت دروب مختلف أجيال وحساسيات الكتابة الدرامية المغربية لفائدة جماهير العروض الحية، مع كتاب من أمثال، الفقيد عبد الكبير الشداتي، و…. و… ومع عبد الحق الزروالي كانت لك يا عبد الصمد محطة ذات معنى جميل في سياق بديع، من خلال مسرحية “عتقو الروح”، التي قدمت فيها يا عبد الصمد الوجه الآخر لعملتك الدرامية، المتمثل في مهنيتك التجريبية المتحررة من ضوابط الدراما التقليدية التي أنجزت فيها أجمل أعمال المسرح المغربي، وأساسا مع فرقة المعمورة. كانت محطتك مع الزروالي مؤلفا، وعبد الوهاب الدكالي ملحنا، سنة 1997، وقد كنت أنا – محدثك اللحظة – محظوظا بالمشاركة في هاته التجربة كممثل، إلى جانب عبد الله العمراني – رحمه الله -، محمد بلهيسي، لطيفة حرار، خلود البطيوي، عبد الحق الزروالي، ورفيقتك شريكة حياتك الممثلة السيدة نعيمة الوادني، نسأل الله لها وللأبناء جميل الصبر والسلوان. ومع الفنان أنور الجندي، كانت لك يا عبد الصمد رحلة ثنائي مسرحي – من جيلين – عبر تجربة متنوعة في بداية مسار فرقة “مسرح فنون لفاطمة بنمزيان”، التي أعلنت آنذاك منحى كوميديا جديدا بناء وخطابا، وبجيل تشخيصي جديد، فكانت سلسلة من المسرحيات الهادفة الاجتماعية المجسدة لنبض الشارع المغربي والعربي، بطرح قضايا هامة بقالب فكاهي “الدبلوم والدربوكة” حيث قارن المؤلف بسخرية بين العلم والشواهد، وبين الفن الشعبي التافه، و”سعدي براجلي” و”الله يطعمنا حلال” و”وسطار أكاذيبي” وووو هكذا كنت يا عبد الصمد، رجل مهام تأسيس المنظومات الدرامية في المغرب، وفي كل منظومة كانت لك الكلمة المفتاح على مدار أكثر من نصف قرن. وقبل كل هذا، وموازاة مع بعض من هذا، وحتى من ذاك، فإنك يا عبد الصمد، كنت قد تكرمت وأهديت لأطفال سبعينات القرن العشرين، وأنا كنت واحدا منهم – في السنوات الأولى من تأسيس التلفزة المغربية – بأجمل فرجة تربوية حين كنت أحد أعمدة الثنائي “بوبي وجاكي” وهو ثنائي مؤسس لما سيأتي لاحقا من تجارب رائدة في مسرح الطفل. وأنت يا عبد الصمد، هو رجل السينما والتلفزيون بكل امتياز، داخل المغرب وخارجه، من خلال إخراج العديد من الإنتاجات الدرامية، إلى جانب عديد الأعمال الإذاعية من مسلسلات وتمثيليات وبرامج كذلك، أيام كانت إذاعتنا الوطنية حصنا وملاذا للدراما، قبل حل فرقة التمثيل والتخلص حتى من البناية التي كانت تحتضنها، وأيضا تحتضن الأجواق الوطنية للموسيقى الأندلسية، والعصرية وطرب الملحون. أيا عبد الصمد، إنك أيضا الفاعل الأصيل بلمسات الابتكار، في عدد هام من دورات أعرق مهرجان فني مغربي، وهو المهرجان الوطني للفنون الشعبية الذي تحتضنه مراكش. وأنت يا عبد الصمد، هو ذاك الإنسان الباذخ في كل نبل معاني الفنان المرهف الأنيق السموح الخلوق . أيا عبد الصمد، ولو رحلت في زمن الحجر الصحي وما يفرض من تباعد، فإنك ستظل في ذاكرة الناس كواحد من الثلة المناضلة التي صمدت في وجه نوائب الدهر الغشوم، من أجل بناء دراما مغربية تتجانس فيها المضامين مع الأشكال، في تركيبة سحرية مثيرة، ناطقة بلسان حال الألم والأمل. وكيف لا تكون يا عبد الصمد بكل هاته الكاريزما، وأنت المغربي الذي تمتد أصولك إلى أيام بهاء العرب والمسلمين في بلاد الأندلس، التي كانت المثل الأنجح لتعايش كل الثقافات. عبد الصمد، إنك حين أبدعت دراما كبار كتاب العالم، فإنك بقيت وفيا لروح الجينات التي طبعت بناء شخصيتك المغربية بكل روافدها الباسقة. “ذو الوزارتين” (لسان الدين بن الخطيب). أيا عبد الصمد، كم كنت شغوفا بأن تظل في الظل بعيدا عن الأضواء، وكم كنت تتصبب عرقا من فرط الحياء حين يتم الضغط عليك، لتخرج عند نهاية العرض لتحيي جمهورك، وأنت الذي لا تريد من القوم لا جزاء ولا شكورا. كلا أستاذي الفاضل الجليل، إن كنتَ قد حُلتَ – طيلة حياتك – بيننا وبين مديحك، فلن تحول الآن بيننا وبين رثائك، وإن هذا الرثاء لهو مديح، وإن كان لا يستوعب حتى الأحرف الأولى من أبجديتك التي ضمت كل أحرف كل لغات الناس. لقد ملأت الدنيا صخبا ماتعا جميلا وأنت بين الناس، وها انت ترحل لتملأ الدنيا أسى وحزنا على فراق لم يحسب له أحد منا حسابا. لك سيدي عبد الصمد، جنة الفردوس، جزاء لروحك على إحسانك للناس في دنيا الناس. سلا يوم الأربعاء 3 يونيو 2020. * مخرج مسرحي وباحث في الثراث والفنون *** مسعود بوحسين.. ممثل وكاتب ومخرج مسرحي عبد الصمد… العميق قدر لي أن أعرف المرحوم بمناسبة عملنا المشترك كمخرجين، إلى جانب المرحومين جمال الدين الدخيسي وعبد اللطيف الدشراوي، في عمل استعراضي ضخم بمناسبة مرور خمسين سنة على استقلال المغرب سنة 2005. لم أكن حينها أفارق المرحوم الذي كانت معرفتي به محدودة قبلا ومحصورة في تبادل التحايا باحترام واقتضاب. كنت بفارق السن قبل ذلك أسمع عنه أكثر وأنا لا أعرفه شديد المعرفة، وكان يثيرني أنه كلما ذكر اسمه في محفل أو مجمع إلا واقترن بصفة الأستاذ والمبدع. في تلك الفترة، ربما كان مقلا في التعامل مع المسرح مقارنة بالسابق، واهتم بشكل أكبر بالسينما والتلفزيون في تقلد مهام متعددة. السي عبد الصمد لم يكن متوفر الحضور في الأماكن العامة المأهولة بالفنانين إلا ناذرا. رجل قليل الكلام، خجول، ودائم الابتسامة، يحدثك متكئا على الطاولة كما لو كان يستعجل الانصراف. ما راعني في عمله وطرافة طبعه تلك الخطاطات التي يضعها على الورق لرسم حركية الممثلين على الخشبة، والتي غالبا ما يأتي إلى قاعة التدريب داسا إياها في جيبه، أو يخطها على الطاولة وهو يتابع المحاولة الأولى لأداء المشهد. لقد راعني فيه هذه الطريقة والتي لم ألاحظها لدى العديد من الزملاء إلا لماما. وأيقنت أني أمام مخرج تعلم الإخراج على قواعده، وآمن أن الإخراج المسرحي تخطيط وحساب لتنزيل تصور ورسم مسار لحركة المشهد، وليس ارتجالا آنيا.. المرحوم عبد الصمد، حتى وهو منهمك في خضم التداريب، يعدل تلك الخطاطات ويعيد حسابها مع تطور تفاعل الممثلين، في حرص تام على أن يدون الحركة حتى لا تنسى… هنا أيقنت أيضا أنني مع رجل أتقاسم معه العديد من القناعات، وأهمها: أن الإخراج المسرحي أيضا حساب وتثبيت وأن العرض ينبغي في المحصل أن يخضع لنضام مضبوط، وأن حرية الممثل وإبداعيته لا بد أن تنتهي بتثبيت الأداء وحصره (Fixation). وأن ما يلاك عن حرية الممثل في هذا المقام ليست سوى ذريعة لأحد أمرين: إما نزعة البعض في الاستعراء المقوض لوحدة العرض الأسلوبية والمكسر للأداء الجماعي، أو عدم القدرة على التثبيث التي تعتبر من أصعب ملكات فن التمثيل وأشدها نذرة… سهل جدا أن تأتي كل لحظة بفكرة ولكن من الصعب جدا أن تختار واحدة وأن تثبتها. الأستاذ عبد الصمد دينية كان مبدعا حرا في تصوراته، لكنه في ذات الوقت كان عقلانيا في تركيبة عرضه. وهنا، ولكي تتحقق هذه المعادلة الصعبة، ينبغي على المخرج أن يحظى لدى الممثلين بسمعة وثقة، وهي كانت متوفرة لعزيزنا المرحوم عبد الصمد، مخرج ينصت له الممثلون بعمق، ويغامرون في تبني اقتراحاته الجريئة، لأنهم يثقون أن حدسه وحرفيته مبعث طمأنينة على الابتكار والتجديد وتجاوز المسكوك والمستعاد. عبد الصمد دينية، أيضا كان في معرفتي به المحدودة، رجل لا يتفوه إلا خيرا، كتوم ومنزو، تكاد تجزم أنه يحمل جرحا غائرا يقبع خلف صمته وحديثه المحسوب والدافئ. وأكاد أخمن أن موطن الجرح لربما يكمن في عدم رضى المبدع العميق عن المنجز مهما بدا في أعين الآخرين عظيما… هنا تكمن في الرجل خصلة التواضع، عملة ناذرة لا يملكها إلا من يرى في الفن عمقا ودفئا إنسانيا قبل أن يكون مجرد وسيلة لنحث اسم وبحث عن شهرة… رحمك الله أستاذنا عبد الصمد، سيفتقدك المسرح وستبقى في الذاكرة. *** حسن مراني علوي … مخرج مسرحي دينية.. الابتسامة المشرقة.. يقول الشاعر: هي الحياة.. هدوء بعده ضجر.. كذاك يولد من سروره الكدر. …مع كوابيس كورونا 19، بكل أحزانه، وبعد صيام رمضان الكريم، وظروف الحجر الصحي، المؤلم بقيوده، وبزوغ فجوات الانفراج للعودة إلى صخب الحياة والحرية.. ومع أيام العيد التي مرت ساكنة، دون لقاء ولا تواصل مجتمعي، وفي احترام تام للحجر الصحي.. خيم صمت العيد الرهيب معلنا عن الهدوء الذي يسبق العاصفة… دقة تابعة دقة.. وتوالت الأخبار المزعجة… عن وفاة مجموعة من الفنانين، هنا.. وهناك.. فقد أحزنتنا مغادرة السيناريست حسن فوطة والفنان الشعبي محمد بشار المعروف ب “زروال” (أحد طرفي الثنائي قشبال وزروال) رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته… ومع توالي هاتين الدقتين المؤلمتين، تأتي الدقة الثالثة… الخبر اليقين: دينية يفقد الابتسامة المشرقة… وفاة العزيز المرحوم الفنان عبد الصمد دينية، هذا الفنان الكبير والمقتدر والذي لا تكفيه المجلدات بالرجوع إلى سيرته الفنية والإنسانية، ذلك أنه يعد من الرعيل الأول الذي أسس للمدرسة المسرحية المغربية من رعيل فرقة المعمورة فرقة الكبار… وريبرتوار هذه الفرقة شاهد على عطائها المكين.. من أعمال مغربية وممغربة وأعمال عالمية… وكذلك اشتغل مع مجموعة من الفرق المسرحية المحترفة التي جلبت الفرجة للجمهور المتعطش للكوميديا. ولأنه كان مرحا من طبعه، فقد تألق في الاشتغال على مجموعة من السلسلات الكوميدية (السيتكوم)، والمسلسلات الاجتماعية الناجحة.. ورغم انشغاله بالسينما والتلفزيون والتراث الشعبي، فقد ساهم في إخراج مجموعة من التظاهرات والحفلات والمهرجانات الكبرى، كما أن شغفه بالمسرح جعله يعود للاشتغال به في السنوات الأخيرة، حيث أنجز وأخرج باقة جديدة من المسرحيات… المرحوم الفنان المبدع عبد الصمد دينية هو تلك الابتسامة التي قل نظيرها… ذو الابتسامة المشرقة هو اسم على مسمى… هو الإنسان القوي والضعيف، هو الرقيق والعطوف بمشاعره الجياشة، عاشق الجمال والحب والمأساة والدراما والكوميديا، هو الصيف والربيع والخريف… لقد فقدناك يا كبيرنا، لكنك لن تموت، فسيرتك وأعمالك شاهدة على أنك فنان من طينة الخالدين بأعمالهم يا دينية.. *** خلود بطيوي.. ممثلة مسرحية وسينمائية راق في العمل.. كثير الإصغاء مهما قلت عن الأستاذ عبد الصمد دينية، فلن أوفيه حقه من العرفان والتقدير والاحترام. لقد تشرفت بالعمل معه وإلى جانبه، من خلال اشتغالي كممثلة في مسرحية “عتقو الروح” التي كانت من تأليف وتمثيل الأستاذ عبد الحق الزروالي، مع ثلة من خيرة الممثلين المغاربة: مولاي عبد الله العمراني، لطيفة أحرار، عبد المجيد فنيش، محمد البلهيسي، نعيمة الوادني.. كان العمل إلى جانب المخرج المحترف عبد الصمد دينية متعة حقيقية. اشتغلنا تحت إدارته في أجواء احترافية ومهنية قل نظيرها، وكان له تعامل جد راق في العمل، كثير الإصغاء، منفتح على كل الاقتراحات، وكان يجمع بين الشهامة واللطف الذي يشهد له به كل من عايشوه.. أنا جد حزينة لفقدانه وازداد حزني كوني لا أستطع أن أكون إلى جانب أسرته في هذه الظروف بسبب التزامي بالحجر الصحي. رحمه الله وجعل متواه الجنة . *** أنور الجندي.. ممثل ومؤلف مسرحي دينية يغادر دنيانا غادر دنيانا إلى دار البقاء فقيد المسرح المغربي بل والفن المغربي برمته: الأستاذ المخرج المثقف متعدد المواهب واللغات المرحوم عبد الصمد دينية واحد من أهم الفلتات الفنية التي أنجبتها مملكتنا السعيدة.. فالرجل مفخرتنا كفنانين مسرحيين، ونعتز بانتمائنا لقطاع به هذا الفنان العالم الخلوق الصموت المتواضع…. عبد الصمد “بينو” منذ منتصف الخمسينات، التحق بإحدى المدارس الفنية بالديار الفرنسية لدراسة الإخراج كي يدخل عالم الفن من بابه الواسع لا من النافذة، ومن تم وبعد دراسته في ستراسبورغ رفقة المرحومين الأستاذ الطيب الصديقي والأستاذ سعيد عفيفي.. وبعد تكملة وصقل مواهبه في باريس، بل ومشاركته في أعمال سينمائية مع “جون بول بيلموندو ولينو فونتيرا JEAN PAUL BELMONDO ET LINO VENTURA ، عاد فناننا لأرض الوطن ليشتغل مع العبقري الطيب الصديقي لسنوات قبل أن يلتحق بفرقة المعمورة، فكان من أهم المخرجين الكبار الأطواد الأطلسية الذين أبدعوا في إخراج كلاسيكيات المسرح المغربي مع هذه الفرقة، وظل معها أيضا لسنوات عديدة…. ثم بعد ذلك كون هو والحاج المرحوم محمد حسن الجندي ثنائيا كان من أهم أعمالهما مسرحية “الكنز المخفي”، من بطولة المرحومة فاطمة بنمزيان – فاطمة الراوي – المرحومين مولاي أحمد بنمشيش ومولاي سليمان العلوي – مصطفى الرباطي- محمد أبو الصواب والموهبة الجديدة ءانذاك نجمتنا الآن الحاجة نزهة الرگراگي.. بعد ذلك كان للرجل عطاء على أكثر من صعيد، سواء في مسرح الطفل “بوبي وجاكي” أو في التلفزة كما في السينما حيث اتجه إلى الأعمال السينمائية والأعمال الكلاسيكية الضخمة على غرار لورانس العرب – الرسالة – ماري دونازاريت… فكان من أهم المخرجين الأوائل المقربين من مخرج الروائع DAVID LEAN، وأيضا الرسالة إذ أحبه وآمن بمقدرته الأستاذ المرحوم مصطفى العقاد، فقربه وكان هو ساعده الأيمن، خصوصا الشق الخاص بالممثلين المغاربة وتحديد الجموع الغفيرة، إن على مستوى التمثيل أو الكومبارس أو الوجوه الذكية STOCK CAMPANY وهذا اختصاص مهم جدا في عالم السينما .. الفقيد سيدي عبد الصمد دينية، له جولاته وصولاته في مهرجان الفنون الشعبية أيضا “فلكلور مراكش”، فقد أعطى رونقا وبهاء للدورات التي كان مشرفا عليها.. وفي مطلع الثمانينات انضم بصفة رسمية إلى فرقة “مسرح فنون لفاطمة بنمزيان” وشكل ثنائيا آخر مع العبد المتواضع لله، فكانت عدة أعمال ناجحة اجتماعية كوميدية تهم الشارع العربي والمغربي على حد سواء، نذكر منها على سبيل المثال “سعدي براجلي” – “الله يطعمنا حلال” – “الدبلوم والدبوكة” – “سطار أكاذيبي”؛ وكلها أعمال عرضت داخل وخارج الوطن، بنسبِ مشاهدةٍ عالية جدا تصل أحيانا لمائة عرض ويزيد للمسرحية الواحدة … وبالحديث عن “الدبلوم والدربوكة” ونجاحاتها القياسية على مستوى الشباك، فقد زاوج فيها مؤلفها بشكل فكاهي ساخر، وبلمسة إخراجية بديعة، تلك المقارنة العجيبة للمتخرجين وأصحاب الشهادات، في مواجهة رؤساء وبعض مطربي الفرق الشعبية التافهة، الذين يسوقون للكلمة المبتذلة والبذيئة، فينجحون في أن يصبحوا نجوما للمجتمع، في حين من أفنوا زهرة شبابهم في التحصيل والدراسة، يقبعون جانبا بدون شغل ولا عمل… وتجدر الإشارة أن آخر مسرحية قام بإخراجها المرحوم عبد الصمد دينية هي مسرحية “سيدي والو” النص الأصلي للزميل عبد الإله بنهدار، وقمت بصياغتها والإشراف عليها فنيا، وقدمَتها عناصر فرقة “مسرح فنون لفاطمة بنمزيان”، وتواصلنا مع جمهورنا من خلالها ببعض المدن المغربية والإسبانية.. بكل تأكيد، وبالطبع، كانت لي علاقة متينة ووطيدة جدا جدا بيني وبين سيدي عبد الصمد دينية، تغمده الله بواسع رحمته. وللذكرى فقط، قمنا معاً تحت إشراف “جمعية رباط الفتح” بإنجاز عمل فني رائع أصيل مغربي بالجمهورية العربية المصرية، وبالضبط بدار الأوبرا، وكان قد حضره خيرة نجوم الفن المصري، بحضور أكبر قادة وساسة مصر آنذاك تتقدمهم سوزان مبارك زوجة رئيس الدولة. كما لا يجب أن أنسى ذاك العمل المسرحي التحفة الذي أنجزناه معا – وأنا ساعده ومساعده – وأتشرف بذلك، ألا وهو “ذو الوزارتين: لسان الدين بن الخطيب / وزير غرناطة” والذي ألّفه باللغة العربية الفصحى الأديب الأريب الأستاذ عبد الهادي بوطالب رحمهما الله تعالى. وبعد هذه التجربة استمرت العلاقة بين المرحوم الفقيد سيدي عبد الصمد دينية والعبد الضعيف لله وأختي العزيزة الفنانة الوديعة الحاجة نعيمة الوادني، وسبحان الله تعالى ففي ليلة رحيله للقاء وجه ربه، اتصلت بعد صلاة العصر بأختى نعيمة لأطمئن، فقالت لي الحالة مستقرة، مع أن قلبه كان من قبل قد توقف لثلاثة دقائق تقريبا، لكنه عاد للخفقان.. لكن بعد ذلك عاد فتوقف من جديد ليلتحق الحبيب بالمولى الأحب.. في عالم أرحب… تاركا غصة في القلب… لم يُسكن أو يطفئ ما بها من لهب… إلا وقوفي اليوم على قبره ودموعي تنسكب… وأنا أودعه بمعية الحفارين وقارئين للذكر الحكيم وشخص أظنه صديقا أقرب لابنه هشام المغترب. وطبعا غياب المشيعين مفروض ومعروف سببه، إذ الجائحة فرضت سطوتها والحظر الصحي بل ونداء الوطن، فرض هذا الغياب… وإلا لتقاطرت أفواج وأمواج من الفنانين والإعلاميين والمحبين لتوديعه الوداع الأخير كما يليق بالكبار. لكنني أعدك – يا عبد الصمد – أنني سأعمل بمعية فرقتنا “مسرح فنون لفاطمة بنمزيان” وفي إطار المهرجان الدولي “ملتقى الجندي للبهجة والفرجة المسرحية” أن نكرم مقامك البهي بما يليق بفنان من قيمتك وقامتك…. فاللهم يا صمد بعفو جلالك اجعل سيدي عبد الصمد مع النبيئين والصالحين الطاهرين وحسن أولئك رفيقا. إلى اللقاء في الجنان يا معدن الذهب الإبريز.. أيها الفنان الوديع الغالي الحبيب العزيز.. محبك ومعزك ومقدرك: أنور الجندي *** عبد الإله بنهدار.. كاتب مسرحي وسيناريست عبد الصمد دينية.. الواحد المتعدد ماذا عسايَ أقول أو أكتب في حق هذا الرجل؟ رجلٌ تعلمت منه ومن الأفذاذ من أمثاله الذين قُدِّر لي أن أجالسهم وأستمع، بل وأصغي إلى نصائحهم وآرائهم، ولو في وقت وجيز من أمثال: المرحوم عبد الله شقرون، والمرحوم محمد الكغاط، والدكتور عبد الكريم برشيد، والدكتور عبد الواحد عوزري، والدكتور أحمد بلخيري أطال الله في عمرهم وغيرهم كثير من أبناء هذا المغرب العظيم، وبعد هؤلاء الذين ذكرتهم جميعا، لا ولن أنسى رجلا استثنائيا في مسيرتي الفنية، إنه المخرج المسرحي والتلفزيوني عبد الصمد دينية. ازداد عبد الصمد دنية في مدينة الرباط عام 1937م، وككل أبناء جيله في ذلك الوقت التحق بالكتاب “المسيد”، ثم دخل مدرسة ابتدائية كان اسمها مدرسة بلافريج الابتدائية، تعلق كثيرا بأستاذه لمادة اللغة العربية عبد الكريم الفلوس، الذي كانت له فرقة مسرحية لعبت في ذلك الحين مسرحية: “الملك الأسود”، وقُدمت هذه المسرحية على خشبة مسرح سينما الملكي بالرباط، وعن هذا الأستاذ عرف عبد الصمد دينية، لأول مرة، معنى كلمة مسرح. تتوالى الأيام والأعوام لنجد صاحبنا يُمثل حالة خاصّة في مسار المسرح المغربي كممثل في البداية ثم كمخرج، عن جدارة واستحقاق، فيما بعد. لقد انخرط مبكرا في ما يسمى بالمسرح المحترف مع فرقة التمثيل المغربي التابعة لوزارة الشباب والرياضة حينئذ، ثم سافر للبيضاء كي يعمل رفقة الطيب الصديقي في ما كان يسمى بالمسرح العمالي، وبعدها سافر رفقة الطيب الصديقي ومصطفى أمل إلى مدينة ستارسبورغ بفرنسا للدراسة في مجال المسرح، بعدها عاد إلى الدارالبيضاء وعمل مع الصديقي من جديد في مسرحه العمالي في نسخته الثانية عام 1959. وذلك بعد انشقاق حزب وطني كبير الذي نتج عنه ولادة حزب وطني آخر كبير أيضا على حد تعبيره. قدم مع الطيب الصديقي حينها مسرحية “الجنس اللطيف”، ثم عاد إلى الرباط للاشتغال مع فرقة الشبيبة والرياضة، ومن جديد يعود إلى البيضاء عند الطيب الصديقي الذي كون فرقة المسرح البلدي، وأنجزوا عدة مسرحيات منها “مولات الفندق” التي يعتبرها عبد الصمد دينية أول تجربة حقيقية له في الإخراج، ثم تلتها عدة أعمال مسرحية منها: “قصة الحسناء” / “الوارث” / “الملوك الثلاثة” / ومسرحيات أخرى قاموا من خلالها بعدة جولات. في سنة 1966 سيعود دينية إلى مسرح المعمورة في نسختها الجديدة برائعة أحمد محمد البصري “الشرع عطانا أربعة” التي قام عبد الصمد دينية بإخراجها يقول صاحبنا عن هذه الفترة: “التحقت بفرقة الشبيبة والرياضة، الفرقة التي كانت تسمى: “فرقة التمثيل المغربي” مع أشخاص شاركوا سابقا مع أندري فوازان منهم: محمد عفيفي، العربي الدغمي، فاطمة الركراكي، الطاهر عبدو، والبشير سكيرج، وأنجزوا مسرحية “المعلم عزوز” التي تم عرضها حوالي خمسة عشر مرة ءانذاك، ثم أنجزوا مسرحية “مريض خاطرو” من اقتباس الطيب العلج، وإخراج مشترك بين عبد الصمد دينية وفريد بنمبارك. كما برز نجم عبد الصمد دينية مع بدايات التلفزة المغربية بنقله لعدة أعمال مسرحية كانت تبث مباشرة من عين الشق بالدارالبيضاء، وهذه المسرحيات كانت لفرق محلية أي لفرق مسرحية بيضاوية فقط، ثم عاد إلى الرباط واشتغل في استوديو التلمساني ليعمل كمخرج لعدة مسرحيات كانت تنقل على المباشر حينئذ. وبعد أن حصلت التلفزة المغربية من دولة أوروبية على حافلة للنقل التلفزي )أنظر الصورة( اشتغل فيها عبد الصمد دينية لنقل مباريات رياضية مع عبد الله شقرون كمدير للتلفزيون حينئذ، بعد ذلك أصبح ينقل مسرحيات معدة سلفا لمسرح المعمورة. من مسرح محمد الخامس كان ينقل عدة مسرحيات مباشرة، لم يستمر مع التلفزيون كثيرا لأنه عاد للشبيبة والرياضة مع إدريس التادلي والكاتب العام للوزارة مولاي الطيب بنزيدان وقد أنشأوا فرقة سموها “فرقة المعمورة” قدموا معها مسرحيات مغربية، وعالمية، ثم مسرحيات مقتبسة. مع الأسف لم يبق أي عمل مسجل لفرقة المعمورة في خزانة التلفزة المغربية، يقول عبد الصمد دينية. من بين خصال هذا الفنان المغربي أنه طوال حياته لا يحب الأضواء كثيرا وهذه شيمة من شيم الكبار لقد شارك في أكبر الإنتاجات السينمائية العالمية التي صورت بالمغرب مثل فيلم “الرسالة” لمصطفى العقاد سنة 1974م، وهي السنة التي غادر فيها عمله مع الشبيبة والرياضة، وبعد هذا الفيلم شارك كمساعد مخرج في أعمال دولية كثيرة مع كبار المخرجين العالميين بمدينة ورزازات. لكن المسرح ظل هاجسا من هواجس أستاذنا، فبعد عودته من مدينة ورززات اشتغل على مسرحية “الله يطعمنا حلال”.. وعن عودته للعمل في مسرح محمد الخامس، يقول عبد الصمد دينية لبرنامج أنفاس الذي كان يعده الدكتور عبدالواحد عوزري، “عدت إلى مسرح محمد الخامس، والتقيت فيه بمجموعة من المؤلفين الجدد منهم عبد الكبير الشداتي، وفي مسرح محمد الخامس عملت مع أحمد البصري مرة أخرى، ومع أحمد الزناكي في البيضاء، ومع فرقة تكدة، والحسين بنياز، ومع أنور الجندي في مدينة الرباط من خلال أربع مسرحيات، ثم اشتغلت مع مؤلف من الجيل الجديد اسمه عبد الإله بنهدار، من خلال مسرحية “رياض العشاق” للمسرح المفتوح، وكانت هذه آخر مسرحية اشتغلت عليها في الرباط”. لكن للتاريخ، ولأن تصريح عبد الصمد دينية كان ضمن حلقة مسجلة من برنامج أنفاس الذي تنتجه الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة “القناة الأولى” وجاء تصريحه هذا ضمن فقرة من فقرات هذا البرنامج الذي يهتم أيضا بتسليط الضوء على رواد وأعمدة المسرح المغربي، أقول كان تصريحه في وقت لم ينجز فيه بعد مسرحية “سيدي والو” كمخرج يحصل لي الشرف ليشتغل مرة ثانية على نص مسرحي من تأليفي لكن هذه المرة مع “مسرح فنون” للمرحومة فاطمة بن مزيان. لتكون هذه المسرحية بالفعل هي آخر مسرحية في مشواره الفني رحمه الله. شخصيا، مهما كتبت في حق هذا الرجل ومهما قلت في حقه من عبارات الصدق والوفاء لن أوفيه حقه، وسيظل اسمه منقوشا بين أسماء المغاربة المبدعين مسرحيا وتلفزيونيا وسينمائيا. ولا يسعني في نهاية هذه الكلمة الوجيزة إلا أن أتقدم بأحر وأصدق التعازي لزوجته الفاضلة نعيمة الوادني وابنتيه بأميركا ولكل أصدقائه وتلامذته وأقاربه الخلص المخلصين الأوفياء لصداقته. *** محمد بنحساين .. مدير المسرح الوطني محمد الخامس نصف قرن من العطاء فقدت الساحة المسرحية المغربية أحد رواد ومبدعي الإخراج المسرحي بالمغرب، وإحدى أيقوناته التي كان لها الفضل الكبير في إثراء الحركة المسرحية ببلادنا إن على مستوى الإبداع أو على مستوى التأطير . المرحوم عبد الصمد دينية الفنان المبدع الذي اجتمع فيه ما تفرق في غيره من أبناء جيله من المبدعين، وكانت مدرسته قدوة للعديد ممن عاصروه وهم يبحثون عن خلق وتجويد الفرجة الحقيقية التي يتفاعل معها الجمهور . دينية المبدع الذي لم يكن يحب الأضواء وكانت له بصمته المتفردة في جميع الأعمال التي قام بإعدادها أو إخراجها، فنان متمكن من أدواته في مجالات اشتغاله لا يكل أبدا ولا يمل، ويهتم في أعماله بتلك الجزئيات التي قد لا ينتبه إليها غيره. كان لي الشرف، ومنذ حوالي 30 سنة، أن تعرفت على هذا الشامخ عن قرب أثناء الإعداد لمجموعة من الأعمال المسرحية التي قام بإعدادها او إخراجها بمعية خيرة المسرحيين المغاربة من جيل الرواد على خشبة المسرح الوطني محمد الخامس … كان مبدعا بكل ما في الكلمة من معنى، أغنى الخزانة المسرحية المغربية بالعديد من أعماله ولمدة نصف قرن من العطاء. كان رحمة الله عليه متفردا في لونه ومتميزا ببصمته الإبداعية، وفي طريقة تناوله للموروث الشعبي المغربي الذي اهتم به كثيرا من خلال الدورات العديدة التي أعد فيها وأخرج المهرجان الوطني للفنون الشعبية بمراكش.