ماهية الجرذان والكلاب الضالة عندما أعلن الأخ الأكبر حربه الشرسة على الجرذان والكلاب الضالة، كانت الجرذان -والتي لها أعين خضراء ليزرية كالتي نراها في أفلام الكرتون- قد صارت مرعبة وبحجم الفيل. علا صوت الأخ الأكبر، إلاّ أنّ نباح الكلاب جعلَ العالم يسمعُ الجمل القليلة منه. في تلكَ الأيام الطاحنة التي ما لبث الأخ الأكبر يخرجُ فيها بينَ كل دقيقة أو أخرى، نشأت علاقة حميمة بينَ الجرذان والكلاب، حتى أن وسائل الاعلام العالمية، باتت تسأل بشكل استعباطي عن من هي فئة الجرذان، ومن هي فئة الكلاب الضالة. ولأنني كلبٌ ضال، فقد اتصلتُ بجريدة لندن ستاندرد اليومية والمجانية، والتي تعتبر الأكثر قراءة وتوزيعا في لندن، وأخبرتهم بأصلي وفصلي حسبَ تفكير الأخ الأكبر، وقلتُ لهم أنّني مستعد تمام الاستعداد لوضع النقاط على الحروف وشرح نظرية الجرذان والكلاب الضالة، حتى يستفيد بذلك أهل الغرب المتخبط في هذهِ الأفكار. رحبت الصحفية المسئولة باقتراحي وطلبت مني كتابة مقال لها وارساله عبر البريد الالكتروني. في الليل، وبعدَ العودة إلى شقتي، بدأت أطبعُ على جهاز اللابتوب مقالتي الموعودة... كتبت فيها أشياء خطيرة حول تاريخ ظهور الكلاب الضالة، وهم فئة من المجتمع الليبي تركوا البلاد بسبب الاعتقالات ومشانق الثمانينات وتمّت تصفية بعضهم في وقت لاحق في أوروبا وأمريكا، ولكن ظلّت حكومة الأخ الأكبر ورفاقه يدعونهم بالكلاب الضالة، ممّا جعلَ هذهِ الفكرة تعلق في لاوعي الكثير من الجرذان. كتبتُ أيضًا -كنتُ أضعُ سيجارة في فمي وأستمعُ لنباح كلب جاري- أنّ هذهِ الكلاب الضالة شرسة فقط مع نظام الأخ الأكبر، لكنها ودودة مع الجرذان، والتي تمثّل ما تبقى من أفراد الشعب العالقون - لسوء الحظ - داخل بلد الأخ الأكبر ورفاقه. النشوء والارتقاء في نهاية مقالتي تلك، وضعتُ الاستنتاج التالي: أنّ الكلاب الضالة هي ناتج تطوّر، باعتبارها كانت جرذان قبل أن تصير كلابًا ضالة، وهي حالة تتشخّص في فكرة النشوء والارتقاء وأصل الأنواع وغيرها من النظريات التي تأتي تحتَ خانة «داروين». وفي الفقرة الأخيرة، كتبتُ أنّ الجرذان قبلَ أن تصيرَ بشرًا، كانت تصارع لتكونَ كلبًا، ولأنّ الجرذ في أرض الأخ الأكبر لم يصر كلبًا بعد بسبب قدرة الأخ الأكبر على جعلهم جرذان مدى الحياة، فقد نسى هذا الأخ أن يحافظ على ألفة جرذانه، ممّا تسبب بكارثة بشرية جعلتها تنتفض وتصبح بحجم الفيلة، حتى أنّ الجرذان العنيفة والعنيدة في الجنوب والتي احتملت سنونا طوال حرّ الصحراء وبردها ليلاً، صارت ضدّه، وصارت لها أسنان قادرة على أكل رفاقه. «دا بروبلم از..» كما كتبتُ في المقالة، أنّ الجرذان المحاصرة باتت شيئًا فشيئًا تصل زنقة الأخ الأكبر، الذي خرجَ ليقول أشهر جملة شهدها التاريخ المعاصر: «بيت بيت، دار دار، زنقة زنقة». مصطلح زنقة صارَ بمثابة اسم لثورة الجرذان، والتي في الأصل تعني زقاق، والطريف في الأمر أنّ الجرذان تحبّ حقًا العيش في الزناقي -جمع زنقة- وربما رأت هذهِ الجرذان أنّ زنقة الأخ الأكبر هي الأكثر قذرًا ووساخة لتعيشَ فيها بسعادة مسمتمعة بالفضلات فيها ورائحة المجاري التي ترقص لعطرها القلوب، وبالطبع كانَ على الأخ الأكبر أن يحارب من أجل بقاء زنقته، ولها شدّ على كلمة «زنقة زنقة»، والتي باتت حديث العالم اليوم. بالمناسبة، هذا اقتراح بسيط قدمتهُ للديمقراطيين في الولاياتالمتحدةالأمريكية قبلَ الانتخابات القادمة، امتنانًا وشكرًا لرئيسها بسبب جملته «ييس وي كان» التي ألهمت الملايين من الجرذان للخروج إلى زناقٍ عدة في دولنا الحيوانية.