شهدت رحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأيت ملول، الأسبوع الماضي، ندوة علمية دولية حول الشباب ورهان المشاركة السياسية، نظمها فريق البحث حول السياسات والمعايير بمختبر الدراسات في العلوم القانونية والاجتماعية والقضائية والبيئية بشراكة مع مؤسسة هانس زايدل. وتبعا لتوصيات العديد من الباحثين في الدول المغاربية عامة وفي المغرب خاصة، تنعقد ندوة “الشباب ورهان المشاركة السياسية” بغية الإحاطة العلمية بواقع الشباب وعلاقته بالمجال السياسي، ودراسة أهميته من حيث مشاركة الشباب في المؤسسات السياسية وفي الربيع العربي وأغلب الاحتجاجات التي تعج بها المنطقة، ومقارنة الممارسات والتراكمات الإيجابية والاختلالات والمعيقات التي تحد من هذه مشاركة الشباب في السياسة وعلاقته بطبيعة الأنظمة السياسية. ثم ربط الواقع المغاربي لعلاقة الشباب بالسياسة بالتقعيد المفاهيمي والتأصيل الفقهي وأهم النظريات المفسرة لسلوكهم السياسي. وأفاد عبد الرحيم الطور عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأيت ملول، خلال الجلسة الافتتاحية الذي أدارتها السيدة إكرام عدنني ، بفحوى الدستور وما تضمنه من ضمانات تروم إشراك الحياة السياسية ، متناولا الفصل 33 الذي ينص على ضرورة اتخاذ الاجراءات اللازمة من طرف الحكومة والسلطات بغية إشرك الشباب في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولاسيما التنمية السياسية . وذكر الطور بالفصل 170 من الدستور الذي ينص على إحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي ، الذي لم يرى بعد النور وهو المحدث بموجب الفصل 33 من هذا الدستور، ويهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي، وتنمية طاقاتهم الإبداعية، وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية، بروح المواطنة المسؤولة. كما أن هناك مقتضيات قانونية منصوص عليها في القانون التنظيمي للأحزاب السياسية الذي طور بعض النصوص الدستورية فيما يخص الزام الاحزاب السياسية كي تدرج في هياكلها وفي أجهزتها التقريرية الشباب على مستوى المكاتب السياسية والجنان المركزية والمجالس الوطنية وغيرها من الأجهزة التنظيمية. وهي فرصة للشباب للمشاركة في اتخاذ القرار وتمثيل الامة ومراقبة عمل الحكومة .و مكنت مدونة الانتخابات المغربية الشباب من الوصول الى مجلس النواب عبر “كوطا” اللائحة الوطنية التي تم اعتمادها من أجل تشجيع مساهمة السباب في الحياة السياسية ، يضيف عميد الكلية . فضلا عن تخفيض سن الترشح والتصويت الى 18 سنة مع العديد من المقتضيات الدستورية والقانونية .. وتسائل عميد الكلية عن مدى استطاعة هذه الاجراءات المتخذة ،من نصوص دستورية وقانونية ، الحد من العزوف السياسي لدى الشباب ، الذي يتضح جليا في مختلف الاستحقاقات الانتخابية والتصويت و التسجيل في اللوائح الانتخابية . مشيرا إلى تطلعه ورغبته في مناقشة أسباب ومسببات هذا العزوف في الندوة وإبداء الحلول المقترحة للحد من تأثيره على المشهد السياسي. ومن جهته تحدث عبد الكريم الحديكي رئيس فريق البحث حول السياسات والمعاييربمختبر الدراسات في العلوم القانونية والاجتماعية والقضائية والبيئية بالكلية عن تجربة الدول الغربية كمجتمعات تسير نحو الشيخوخة والتي تدمج في سياستها استقطاب الشباب وتشجيع سياسة تعتمد إدماج الشباب في الحياة السياسية .مبرزا المحور الرئيس للندوة والمتمثل في المرحلة التي وصلت إليها مختلف الابحاث العلمية في الدول المتقدمة التي تناول ظاهرة الشباب والمشاركة السياسية ، مشيرا إلى ضرورة دراسة تجارب البلدان المغاربية ومحاولة مقارنتها مع الاشكالات المشتركة مع الدول الغربية، ومدى تشابه مختلف النظريات الغربية في الموضوع إدماج الشباب سياسيا على حالات المجتمعات العربية . وعبرت ممثلة منظمة هانس زايدل عن أهمية الندوة ودعمها الاكيد لمثل هذه التظاهرات العلمية ومختلف أنشطة البحث العلمي . ونشط الندوة مجموعة من الفعاليات العلمية من أساتذة وباحثين من المغرب وتونسوالجزائر، وموريتانيا، تدارس من خلالها باحثون من مختلف المشارب العلمية محاور رئيسية همت مواضيع المشاركة السياسية بين القانون والواقع ترأسها عبد الحكيم أبو اللوز. و الشباب ومسألة الثقة في السياسة ترأسها السيد مبروك بوطقوقة. والشباب والاحتجاجات والديمقراطية التشاركية ترأسها السيد عبد الكريم الحديكي .والشباب والسياسة : تحولات المجال العمومي وتمثلات المشاركة السياسية أدارها الحسين الرامي والمشاركة السياسية للشباب المأسسة والتمكين أدارها السيد مصطفى المناصفي . وناقش المشاركون العوامل التي تجعل الشباب يعزف عن النشاط السياسي من جانب ثقافي وبفعل انعدام المبادرات المحفزة للشباب في المشاركة السياسية وعدم التجاوب مع الخطاب السياسي السائد. وعجز الواقع السياسي عن استيعاب الشباب في سياق حضور المسألة الشبابية في السياسات العمومية، نظرا لأن السياسات العمومية لصانعي القرار تتعامل مع القضية الشبابية في علاقتها بالممارسة السياسية بشكل مناسباتي، فضلا عن وجود موانع بالفضاء العام للمشاركة على مستوى الجانب القانوني والسوسيولوجي إذ توجد أزمة في العرض السياسي. وعالج المشاركون موضوع المشاركة السياسية للشباب في المغرب بين الحق والواقع، ومختلف القيود السياسية والثقافية و القانونية التي تحول دون المشاركة السياسية للشباب ، مما يوجه الشباب نحو البحث عن بدائل أخرى من قبيل حركة 20″ فبراير” و إنشاء تنسيقيات ، و “الألتراس” مما يستنتج أن الشباب لم يتنازل عن حقه في المشاركة بل اتخذ وسائل بديلة تفسح له المجال بشكل أكبر في التعبير عن مواقفه. وتابع المشاركون عرض، باحث من موريتانيا ،عن تحدث عن الحالة الموريتانية لموضوع الشباب وصنع القرار ذلك أن المجلس الأعلى للشباب لعب دورا مهما في انخراط الشباب كفاعل سياسي في العملية السياسية، كما تشهد الطبقة السياسة ارتفاع نسبة شيخوخة الفاعلين السياسيين وهيمنة النخب السياسية التقليدية. وعن التجربة الجزائر تم تناول موضوع “الشباب والاحتجاجات في وضع جماعاتي: حالة غرداية بالجزائر” من قبل باحث من الجزائر ، أشار فيه الى أهم ما يميز الاحتجاج الذي تحمله الأجيال الشابة الجديدة، ويتضمن مطالب سياسية تخص الاصلاح أو الثورة على النظام الجماعاتي، حيث يرفض الجيل الجديد من الشباب “الاباضي” السلطة الجماعاتية للسلطة الاباضية ويحتج على هيمنتها، ليخلص إلى أن الأزمة الجيلية في الدولة الوطنية تعدت إلى أزمة جيلية داخل الجماعة الاباضية المحلية. وتناول المشاركون موضوع الشباب وآليات المشاركة بالمغرب :حالة المجالس المحلية للشباب و دور الحراك الإقليمي والوطني في إحداث المجالس المحلية للشباب والتي أنشئت قصد الترافع لتحقيق مطالب الساكنة المحلية، ذلك أن المجالس المحلية للشباب هي آلية لتأثير في عملية صنع القرار. وتدارس المشاركون خلال الجلسة الخامسة من اليوم الثاني مسألة الشباب والسياسة و تحولات المجال العمومي وتمثلات المشاركة السياسية، في حين عالجت الجلسة السادسة قضية المشاركة السياسية للشباب المأسسة والتمكين.واستعرض المشاركون “شباب الطرق الصوفية والمشاركة السياسية- حالة الطريقة العلوية في الجزائر” و نشأة التصوف وعلاقته بالسلطة، و مدى اهتمام الطرق الصوفية بالشأن العام وبالفئات الشعبية. وكان لمحور الشباب وتحولات الإعلام جانب من النقاش والتحليل حيث تم تناول المحطات التي ساهمت في استقطاب الشباب نحو المشاركة السياسية والتي تتجلى أهمها في التغيير في الخطابات السياسية الملكية. ومشروع تحرير القطاع السمعي البصري وظهور حركات شبابية من قبيل 20 فبراير..وساعدت هذه المحطات في بروز وحضور الشباب في العمل السياسي ولو بشكل نسبي، كما كان لذلك دور في انتقال الشباب نحو استعمال وسائل التواصل الاجتماعية بدل الوسائل الإعلامية التقليدية. و من عيوب هذه التحولات أنها تساهم في اتساع نطاق انتشار الأخبار الزائفة. لكن إبداعات الشباب ساهمت في تطوير الممارسة الإعلامية. وشهدت الندوة تناول تأثير العامل الخارجي على المشاركة السياسية للشباب إذ أن دور الشباب ومساهمته الكبيرة في التحول الديمقراطي، أدى إلى الإطاحة بأنظمة سياسية. وأثر الحراك الاجتماعي الذي حدث على مستوى الدول العربية على باقي الدول المجاورة. وعن علاقة الشباب المغربي بالسياسة في سياق المجال العمومي بالمغرب فيمكن تناولها في سياق مسألة الصراع حول الديموقراطية، استئناسا بمفهوم “المجال العمومي المضاد”. وتجليات المجال العمومي المغربي المتحول، وخير تجل يتمثل في مراوحة “الانتقال” جيئة وذهابا من المجال العمومي إلى الفضاء الافتراضي. كما أن هناك مسببات توظيف كلمة مجال عوض كلمة فضاء. وأهمية مفهوم المجال العمومي نتيجة التحولات السوسيولوجية التي شهدها المغرب في العقدين الأخيرين على الأقل، والمتعلقة كذلك بتحولات السلطة وأشكال تدبيرها ومواكبتها لتلك التحولات ثم استثمار الجهد النظري الجاد في مفهوم “المجال العمومي المضاد “.وكذلك دور السلطة السياسية في التحكم في المجال العمومي وتأطيره، غير أنه خلال السنوات الأخيرة برزت مجموعة من التحولات السوسيولوجية والسياسية أفرزت مرحلة جديدة ومفهوم جديد. كما أن احتجاجات سنة 2011 قادت الشباب إلى إسماع صوتهم وإبراز حضورهم كفاعل أساسي في مسار العملية السياسية ومسار الانتقال الديمقراطي. وقدمت نتائج الدراسة الميدانية التي تمت حول موضوع : (مأزق الشباب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) التي قام بها فريق ميداني من الباحثين، حيث أجريت مقابلات مع نحو 9000 شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 16 و 30 سنة، على امتداد ثماني دول عربية. وكشف المسح الميداني المذكور أن 75% من الشباب المغربي دائمي التواصل عبر شبكة الانترنت.وساهم هذا الحضور في فعالية المجال العمومي المضاد، من خلال حملات مقاطعة السلع الاستهلاكية الأساسية عقب ارتفاع أسعارها. وهناك مجموعة من أشكال الاحتجاجات التي أخذت (وتأخذ) طابعا شبابيا في غالب الأحيان: حملة الشواهد العليا المعطلون، طلبة كليات الطب والصيدلة، الأساتذة المتعاقدون، القضاة، الأطباء…إلخ. مما يستوجب إعادة النظر في جوهر الفعل السياسي يخدم كل مكونات المجال العمومي المغربي سواء مكونات المجال العمومي التقليدي أومكونات المجال المضاد على السواء ، وذلك للحيلولة دون هجرة ولجوء الشباب القسري نحو غياهب الفضاء الافتراضي، مما يهدد المجال العمومي بكل أشكاله وتجلياته. وأوصى المشاركون إلى أن مشاركة الشباب مرتبطة بالإرادة السياسية وأن أزمة الشباب في علاقته بالواقع السياسي متصلة بموانع موضوعية ولحل هذه الأزمة هناك عدة مداخل، منها المدخل الثقافي والتعليمي والمدني .ودعو إلى الجمع بين آليات الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية المباشرة .كما أن هناك النظم السياسية تحتاج لفضاء عمومي لتحقيق توافقات اجتماعية ولضمان توسع دائرة المشاركة والاستمرارية. مع الاستفادة من التجارب الدولية في مجال فتح النقاش العمومي. وطالب المشاركون بمأسسة التشاور العمومي الذي يساعد على دمقرطة القرار وتوسيع دائرة المشاركة السياسية ، ثم وجوب التفكير في قضايا الشباب في إطار إصلاح شامل وحقيقي للمجتمع. وكذا تطوير الترسانة القانونية والتشريعية لتشجيع الفئات الشابة للانخراط في الحياة السياسية . ودعو كذلك إلى تقييم تجربة الكوطا بشكل علمي وموضوعي .والعمل على تأهيل كوادر شابة قادرة على المشاركة في العمل السياسي لتجاوز سيطرة النخب التقليدية على القيادات الحزبية. وضرورة العمل على تمكين الشباب للولوج إلى الوظائف السياسية بشكل سلس وبسيط .والعمل على تشبيب الأحزاب السياسية والقطع مع منطق الزعامات التاريخية .ثم العمل على مقاومة انتشار التيئيس والاتكالية في صفوف الفئات الشابة وانكماش التنشئة السياسية. *** 3 مع الدكتور عبد اكريم الحديكي* تؤثر المشاركة السياسية للشباب على السياسة العامة بمختلف المجتمعات ، وتنهض بمستوى الوعي السياسي وتساعد على خلق مواطن يشكل عماد قوة الجسد السياسي, فأين تتموقع المشاركة السياسية للشباب المغربي ؟ تعتبر مشاركة الشباب في الحياة السياسية بمفهومها الواسع وبشتى أصنافها المختلفة أحد العوامل الأساسية المؤثرة في صنع القرار السباسي ولاسيما في دول الجنوب مثل المغرب حيث تمثل هذه الفئة نسبة مهمة ضمن التركيبة السكانية، نظرا لما يمتاز به الشباب من حيوية ودينامية كبيرتين. ونظرا لتعدد قضايا الشباب، فإن مسألة المشاركة السياسية للشباب، أضحت تحتل مكانة هامة سواء بالنسبة الفاعلين السياسيين في مجال السياسات العامة الموجهة للشباب، أو في مجال البحث العلمي بالنسبة للباحثين،. إن البحوث العلمية المتعلقة بالمشاركة السياسية للشباب تنصب اما على دراسة واقع هذه المشاركة أو صنف منها بهدف الوقوف على المحددات التي تسم السلوك السياسي للشباب والمتغيرات المؤثرة فيه والسباقات التي تجري فيها هذه المشاركة. اما الصنف الثاني من الأبحاث وتتركز الدراسات فيها على ما يجب أن يكون سواء على مستوى تعزيز وتطوير البناء الديمقراطي في الدول الديمقراطية، أو على مستوى تطوير الدعامات الأساسية للبناء للديمقراطي في الدول غير الديمقراطية. ومن ناحية أخرى تعد السياسات العامة الموجهة للشباب إحدى المداخل الهامة لتعبئة طاقات الأجيال الصاعدة للمساهمة في التنمية. فمشاركة الشباب في عملية التنمية تشكل عنصرا محددا لتطور المجتمعات، وذلك من خلال إتاحة الفرصة لهذه الفئة في تدبير الشأن العام وإيجاد آليات حقيقية لمساهمتهم في عملية صنع القرار. فالشباب كان دائما المحرك الأساسي لأي تغيير تشهده بلدان العالم ومنه التحول نحو الديمقراطية؛ و هنا يمكن الإشارة إلي دور الشباب في عملية التحول الديمقراطي في بلدان أوروبا الشرقية خلال عقد السعينات. كما لا يمكن أن نغفل دور الشباب في الحراك العربي خلال سنتي 2011 و2012 الذي شهدته العديد من بلدان المنطقة العربية ومازالت تداعياته إلى حدود الآن، والذي أدى إلى سقوط أنظمة سياسية ودفع بأخرى إلى تبني إصلاحات سياسية تروم تحقيق دولة الحق والقانون. يعبر الشباب عن مواقف سياسية عبر وسائط إجتماعية حديثة تتجاوز الصيغ التقليدية للمشاركة السياسية ، هل هذا يعني اضمحلال المقاربة السياسية التقليدية كمصير آت لا محالة ؟ تزعم الشباب في العالم العربي العديد من الاحتجاجات وأبانت أن المشاركة السياسية لا تكون فقط عبر الآليات التقليدية المتمثلة في الانخراط في الهيئات السياسية والنقابية والمشاركة في عملية الاقتراع، بل يمكن أن تكون كذلك بالاستعانة بأدوات أخرى سواء تعلق الأمر بوسائط التواصل الاجتماعي التي أصبحت تؤثر بشكل أكبر في صناعة الرأي العام، أو من خلال الاشتغال داخل منظمات المجتمع المدني أو من خلال تفاعلات الجمهور الرياضي (الإلتراس)مع القضايا الوطنية . لذلك من المهم جدا ان يسلط الباحثون أبحاثهم على هذه الظواهر السياسية الجديدة من حيث كيفية تشكلها وتمثل هؤلاء الشباب للسياسة والقضايا والمؤسسات السياسية القائمة ومن حيث العوامل المؤثرة فيها ومدى تأثيرها في السياسات العامة وموقف ألفاعلين السياسيين منها. وبالنسبة للأبحاث التي تنظر إلى المشاركة السياسية للشباب باعتبارها تشكل إحدى الدعامات الأساسية لمختلف أشكال الحكم الديمقراطي وعلى رأسها الديمقراطية التمثيلية والتشاركية أو للتحول نحو مجتمعات ديمقراطية ، فإن العديد من هذه الدراسات تنطلق من مسلمة أن تطور حجم المشاركة السياسية للشباب سيقلل من حالة الفراغ السياسي التي يعيشها الشباب والناجمة عن تهميشهم وعدم الاهتمام بقضاياهم في برامج وأنشطة السلطة السياسية الحاكمة والأحزاب السياسية، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في كيفية تفعيل طاقات الشباب و إعادة جذبها إلى المؤسسات والهيئات السياسية، و تعزيز دور هذه الفئة في الحياة السياسية من خلال إعادة صياغة الأولويات و البرامج انسجاما مع تطلعات هذه الفئة، وإعادة تقويم بنياتها وتنظيماتها وثقافتها السياسية بما يحقق الإدماج السلس والطبيعي للشباب في الحياة السياسية. وان كان هذا الهدف ليس محط إجماع بين الباحثين، فمنهم من استند إلى أبحاث تجريبية ليخلص إلى توجه مناقض تماما معتبرا أن جرعة زائدة من المشاركة السياسية لدى فئة الشباب ولاسيما في المناطق التي يسودها الفقر والجهل والفساد قد تهدد استقرار النظام السياسي وليس العكس. هل البحث العلمي يمكن أن يلعب دور في تقليص الفجوة بين المشهد السياسي ومشاركة الشباب السياسية المتسمة بالنفور والعزوف الجلي عن المشاركة في الحياة السياسية ؟ للبحث العلمي دور مهم لا محالة في رصد واقع المشاركة السياسية للشباب في المنطقة العرية، وتحليل كل صنف من أصناف المشاركة السياسة للشباب المقننة وغير المقننة، الرسمية وغير الرسمية، الدائمة والمؤقتة، السلمية والعنيفة….ودراسة حجم هذه المشاركة ومتى تكون محدودة أو مكثفة وأسبابها ومتغيراتها ، وهل يتعلق الأمر بعزوف أم سلوك سياسي متعمد أو لامبالاة، وهل يمكن إرجاع محدودية المشاركة إلى ظروف اجتماعية أو ثقافية سائدة، أو إلى طبيعة النظام السياسي القائم، ومدى مساهمة المقتضيات الدستورية والقانونية التي تتعلق بالمشاركة السياسية عامة ومشاركة الشباب المغاربي خاصة في العمل السياسي، ومدى قدرة هذه الضمانات على إدماج الشباب في الحياة السياسية، ومدى تأثير الحراك على واقع المشاركة السياسية للشباب في البلدان التي شهدت حراكا سياسيا. ومن هنا تأتي العلاقة بين البحوث الاكاديمية والسياسات العامة حيث تشكل هذه البحوث في مختلف بلدان العالم خزانا مهما لصانع القرار السياسي في البلدان المتقدمة يستغلها من أجل فهم الظاهرة واستخلاص النتائج المترتبة عن هذه المشاركة السياسية الشبابية، ومن ثم إعداد برامج سياسية مبنية على المعرفة العلمية. وفي هذا السياق العلمي تندرج مرامي الندوة التي نظمناها حول الشباب ورهان المشاركة السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأيت ملول ، حيث الهدف هو تسليط الضوء على مختلف البحوث التي تناولت جوانب مختلفة من المشاركة السياسية للشباب من زوايا وأدبيات متعددة (علم السياسة وتحليل السياسات علم الاجتماع والانثربولوجيا والدراسات القانونية، ومن مقاربات منهجية متنوعة منها ما ينهل من النزعة الوضعية التجريبية وما ينطلق من النزعة التصورية التأملية والنقدية، وذلك عبر دراسة نماذج للمشاركة السياسة للشباب في عدد من بلدان المنطقة المغاربية. ومن أهم مخرجات هذه الندوة الدولية هو الاتفاق المبدئي على مقترح مشروع علمي بحثي تحت عنوان الشباب والفعل السياسي على مدى 4 سنوات تشترك فيه جامعات ومختبرات علمية ومراكز الدراسات من تونسوالجزائر وألمغرب وتمتد أيضا إلى ليبيا وموريتانيا. ويشمل هذا المشروع البحثي تنظيم ندوة دولية كل سنة وتنظيم تداريب وورشات لفائدة طلبة الدكتوراه وأعمال ميدانية ونشر الأعمال العلمية الرصينة. *رئيس فريق البحث حول السياسات والمعايير بمختبر الدراسات في العلوم القانونيةوالاجتماعية والقضائية والبيئية بكلية كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأيت ملول