طالب المشاركون، في اليوم الدراسي، التأم يوم السبت الماضي بمراكش، حول “الترافع من أجل مصادقة المغرب على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدوليةّ”، بضرورة ملاءمة التشريع الجنائي المغربي وفق شروط انضمام المغرب لنظام المحكمة الجنائية الدولية، خاصة بعدما أكد الدستور المغربي على سمو التشريع الدولي كمبدأ دستوري. وفي هذا الإطار، قارب سعد بنعجيبة، أستاذ القانون الجنائي الدولي، “العلاقات الجدلية بين النظام العام والقانون الجنائي الدولي”، حيث أشار إلى أن “الأول أعطى مساحة مهمة للدولة لتحصين مبدأ السيادة القضائية للدولة”.وأضاف “لقد سلك النظام العام طريقا غير الذي سلكه ميثاق روما كما هو عليه الحال بالنسبة إلى العفو العام”، مستبعدا “أن يكون المغرب موضوعا للجرائم التي تدخل في نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، لأن القواعد المرنة للنظام العام هي التي تجعل تقعيد قواعد القانون الجنائي الدولي مهمة صعبة”. ومن جهته، تطرق أحمد أبادرين، رئيس لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان سابقا، إلى “الظروف السياسية التي عرفها المغرب في سنوات الرصاص والآليات التي أوجدتها الدولة لتصميم المسار من هيئة مستقلة للتعويض في إطار العفو المتبادل، والمناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وما خلفته من انقسام بين تيار متمسك بمسألة منتهكي حقوق الإنسان خلال سنوات الرصاص، والتيار الثاني الذي طالب باعتذار الدولة في شخص الملك”. وأوضح أبادرين أن “انضمام المغرب سيمنحه مكانة وتعزيزا لموقعه لدى الأممالمتحدة، سيما في ظل دينامية الأجهزة الأمنية المغربية في محاربة الإرهاب”. أما عمر بنيطو، عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فسلط الضوء على السياق التاريخي لظهور المحكمة الجنائية الدولية، بما فيها تلك المرتبطة بالحربين العالميتين الأولى والثانية، وتنامي دعوات الاهتمام بحقوق الإنسان، متسائلا عن الجهة التي لها الحق في رفع الدعوى أمام هذه المحكمة. وتناول المتحدث نفسه في ورقته “الشروط الدقيقة التي وضعتها هذه المؤسسة الدولية في اختيار قضاتها”، مشيرا إلى أن “الجهة التي لها الحق في رفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية هي أي دولة متضررة، سواء في إطار الإحالة بالنسبة إلى الدول المصادقة على الميثاق أو بالإعلان بالنسبة إلى أي دولة خارج الاتفاقية”. وعرض بنيطو “مراحل تحريك الدعوى لدى المحكمة الجنائية الدولية والمراحل التي تقطعها كل دعوى من دراسة للحالة، وتقييم محتوى الدراسة، وطلب إضافة معطيات جديدة، وإعلان نتائج الدراسة، وأخيرا إعلان قرار الدائرة التمهيدية التي تعطي الموافقة الإلزامية دون أي اعتبار للمدعي العام”. وأكد أن “بناء قضاء وطني والتصدي للجرائم ضد حقوق الإنسان مدخل أساسي لتحصين الاستقلالية القضائية”. في حين تطرق عبد الفتاح الكاكي، عضو الفرع الجهوي للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان بجهة مراكش، إلى “مرافعات هذه المنظمة للدفع بالدولة للمصادقة على نظام روما، خاصة في جانب تكريس قاعدة عدم الإفلات من العقاب الذي يشكل إطارا مرجعيا لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية”. كما تناول هذا الحقوقي “المبادئ الثلاثة التي منعت المغرب من الانضمام إلى ميثاق روما، وهي الحصانة والعفو والتقادم”، مؤكدا أن “إقرار الدستور المغربي بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة يعتبر بداية لإسقاط مبدأ الحصانة”. كما أشار إلى “إيجابيات مصادقة المغرب على هذه الاتفاقيات سياسيا عبر استثمار ذلك في مواجهة مجرمي الحرب بتندوف، وحقوقيا بتعزيز مصداقية المغرب حقوقيا”. أما مروان الرغيوي، عضو الهيئة الوطنية للعدالة، فأكد في كلمته أن “مصادقة المغرب على نظام المحكمة الجنائية الدولية سيساهم في خروج هذه المؤسسة من التهميش لتلعب أدوارا هامة في محاكمة شخصيات دولية ارتكبت أفعالا وحشية أو جرائم ضد الإنسانية”. ونبه الرغيوي إلى أن “مصادقة المغرب على هذه الاتفاقية سيتطلب مراعاة دستور المملكة وملاءمة بعض القوانين الوطنية مع النصوص الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، واستحضار الخصوصية المغربية الدينية والثقافية”، مشيرا إلى أن “التشريع الجنائي يرتكز على مبدأ إقليمية القوانين، الذي بدوره يرتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم السيادة الوطنية للدولة المغربية”. وأضاف أن “قرارات المحكمة الجنائية الدولية يجب أن تحترم ثوابت الشعب المغربي، خصوصا ما يتعلق بالحصانة وبخصوصيات العفو الملكي ببلادنا، وهي التحفظات نفسها التي سارت عليها بعض الدول التي صادقت على نظام المحكمة الجنائية الدولية”. تجدر الإشارة، إلى هذا النشاط، نظمه مركز “أفروميد”، بشراكة مع وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية بمراكش، والهيئة الوطنية للعدالة.