شكل «الجيل الجديد من المقاولين المغاربة» موضوع دراسة ميدانية، أنجزها كل من الأستاذين إدريس الكراوي ونور الدين أفاية، وضمناها كتابهما الصادر، مؤخرا، تحت عنوان «النخبة الاقتصادية المغربية.. دراسة حول الجيل الجديد من المقاولين». ويعد هذا الإصدار محاولة منهجية لاستيعاب أصول ومكونات النخبة الاقتصادية المغربية عموما والنخبة الحديثة بصفة خاصة، إلى جانب تحليله للتحولات التي تجتازها هذه النخبة ورصد المفارقات التي تعيشها وتحديد انتظاراتها وإكراهاتها المستقبلية. وينطلق هذا الكتاب في رصده لنشأة النخبة الاقتصادية المغربية، من تسليط الضوء على الأسس التاريخية والسوسيو- ثقافية لظهور هذه النخبة وإبراز أثر الإصلاحات الاقتصادية التي شهدها المغرب منذ استقلاله على المقاولين والمقاولة بصفة عامة، إلى جانب تحديد الخصائص البارزة والمفارقات المميزة للرأسمالية المغربية خلال بداية القرن الحالي، مرورا برصد التحولات التي تشهدها الحركة المقاولاتية في المغرب. ويبدو أن الباب الثاني، الذي يعتبر ثمرة بحث ميداني أجراه الباحثان حول عينة تتألف من مئة مقاولة ومقاول قاما بتصنيفهم ضمن خانة الجيل الجديد، سواء بناء على السن (ما بين 25 و45 سنة) أو على مقاربة النوع، أو مستوى التوزيع الجغرافي وفروع الأنشطة وحجم المقاولات، يكتسي أهمية خاصة، على اعتبار أنه يسلط الضوء على مدى إسهام هذه الفئة في المشروع الوطني للابتكار والتكوين وتحديث العلاقات المهنية وانخراط مكوناتها في محاربة الفساد، إلى جانب تحملها لمسؤولياتها الاجتماعية في تحقيق الاختيارات الوطنية الكبرى. وبعد التأكيد على أن هذه الخيارات الاستراتيجية المقررة في إطار تحديث الاقتصاد، خلال السنوات العشر الأخيرة، و»المؤسسة على أوراش مهيكلة كبيرة، وعلى سياسة إرادية تصبو إلى تمكين جميع جهات البلاد من إنتاج الخيرات والثروات الوطنية»، يتساءل الكاتبان، حول ما إذا كان بوسع المملكة، اعتبارا لمقوماتها الاقتصادية وآفاق النمو المتاحة أمامها، تبوأ مكانة اقتصادية رفيعة على المستويين الإقليمي والقاري تتيح لها الظفر بلقب «تنين إفريقيا»، على غرار تصنيفات دول جنوب غرب آسيا. كما كشفت الدراسة، عن كون «المقاولين الجدد يشتغلون في انسجام تام مع الخيارات الاستراتيجية التي تبناها المغرب خلال السنوات العشر الأخيرة»، إذ يعتبرون من هذا المنطلق أن السياحة والسكن يمثلان «قطاعين حيويين يتوفر المغرب بشأنهما على منظور واستراتيجية بعيدة المدى»، بينما تشكل تقنيات الإعلام والاتصال في نظر هؤلاء المقاولين «أسلحة المستقبل التجارية»، في حين يظل قسم من المقاولين المستجوبين مرتابا بخصوص آفاق الاستثمار. وتم في هذا العمل الميداني القائم على قاعدة نظرية صلبة، عرض تجارب وتصورات عدد من المقاولين والشخصيات البارزة داخل عالم الأعمال، سواء منهم المنتمون إلى جيل الاستقلال، الذين تشهد لهم إسهاماتهم في الحقل المقاولاتي الوطني،أو المنتمون إلى الجيل الجديد . ويوضح الكاتبان، أن الهدف من هذه الشهادات هو «إغناء نتائج هذا البحث واستخلاص العبر من خلال تقدير الفاعلين المباشرين للتحولات التي يشهدها الاقتصاد المغربي، خاصة في هذه المرحلة الحاسمة من تطوره، والتي تقتضي رصد التحديات التي تواجه النخب الاقتصادية المتطلعة إلى الإسهام في بناء المغرب الحديث». وخلص الكاتبان إلى قناعة مفادها «أننا أمام جيل من المقاولين والمقاولات سائر في طريق تشكيل الصورة المستقبلية للاقتصاد المغربي، جيل يبدو أنه واع تمام الوعي بالتحولات النوعية الكبرى التي تشهدها المقاولة المغربية على جميع المستويات».