يبدو أن مراجعة القانون الجنائي كانت ضرورية منذ سنوات، لاعتبارات متعددة، في مقدمتها ضرورة ملاءمة القانون الجنائي مع أحكام دستور 2011 وأيضا مع التزامات المغرب الدولية في العديد من القضايا لاسيما وأنه صادق على العديد من المعاهدات الدولية التي تتعلق مضامينها بالهجرة السرية، الجرائم ضد الإنسانية، التهجير القسري، الجريمة المنظمة، الاتجار الدولي في المخدرات، الإرهاب، القرصنة الالكترونية، الاتجار في الأعضاء البشرية، الاتجار بالبشر، تبييض الأموال وتهريبها، الإثراء غير المشروع، الاختطاف والتعذيب واحتجاز الرهائن، التمييز والكراهية… إلخ. كما أن هذه المراجعة تفرض نفسها، لترجمة ما تم التوصل إليه في إطار الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، الذي استمر حوالي ثلاث سنوات، دون أن ننسى أننا في حاجة لقانون جنائي جديد لسد الفجوة الموجودة بين النظام الجنائي المغربي وبين الحجم المذهل للتطور الكبير الذي عرفته مختلف النظم الجنائية الحديثة المقارنة . إذن في هذا السياق، يأتي مشروع القانون الجنائي الجديد، الذي أعلنت عنه وزارة العدل بتاريخ 31 مارس 2015 على موقعها الالكتروني، ويشتمل على 598 مادة بعد تغيير 17 مادة وتتميم 34 مادة ونسخ وتعويض 28 مادة من أصل أزيد من 612 فصلا في القانون الجنائي دون الحديث على عشرات الفصول الأخرى مكررة مثلا 448.1 حتى 448.14″. ومؤخرا وبمناسبة محاكمة الصحافية هجر ومن معها، من أجل الإجهاض والفساد، وهي المحاكمة التي انتهت بإدانة المتابعين، أول أمس الإثنين، بأحكام تراوحت مابين 8 أشهر حبسا موقوف التنفيذ وسنتين حبسا نافذا، ارتفعت عدة أصوات، حقوقية وسياسية وقانونية، تطالب بإعادة النظر في مقتضيات الإجهاض باعتماد المفهوم الأممي للصحة، والشروط العلمية للصحة الجنسية والإنجابية للنساء، وحقهن في الإيقاف الإرادي للحمل، بما يضمن استقلالية مهنة الطب عن النيابة العامة، وكذا بضرورة مراجعة مشروع القانون القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، منبهين إلى ارتفاع حالات العنف التي تتعرض لها النساء المغربيات بمختلف وضعياتهن الاجتماعية وأعمارهن، وأن القانون الجنائي، الذي يعود إلى عام 1962، تم وضعه في ظروف تختلف اختلافا تاما عن مغرب اليوم. فيما يرى آخرون أنه، لا يجب اجترار نفس القوانين المرتبطة بتحريم العلاقات الجنسية خارج الزواج، وأيضا في التعاطي مع حقوق الأطفال خارج إطار الزواج. ويراهن الجميع اليوم، على الفرق والمجموعة النيابية والأحزاب السياسية للدفع في اتجاه اعتماد تشريع جنائي جديد يطبعه تغيير جذري وشامل مقارنة بالقانون القديم، يستلهم مقتضياته من روح الدستور ويأخذ بعين الاعتبار المنظومة الحقوقية الدولية والممارسة الاتفاقية التي انخرط فيها المغرب، بحيث يغيب التمييز في العقاب وتشدد العقوبة في حالة ارتكاب جرائم النوع . ومساهمة في النقاش الدائر، اليوم، حول مشروع القانون الجنائي، الذي من المنتظر، أن يحال في الأيام القادمة، على المؤسسة التشريعية للمناقشة، أعدت بيان اليوم، ملفا في الموضوع.