بعد جلسات مارطونية استمرت حوالي شهر، وعرفت حضورا قويا للعدد من المراقبين الدوليين الذين اعتمدتهم المنظمات الحقوقية، أصدرت المحكمة الابتدائية بالرباط، أول أمس الإثنين، أحكاما وصفها متتبعون ب “الصادمة والقاسية”، في حق كل من الصحافية هاجر الريسوني وخطيبها رفعت الأمين، بالإضافة إلى طبيب وممرض للتخدير، والذين يتابعون من أجل “ممارسة الإجهاض بشكل اعتيادي” و”قبول الإجهاض من طرف الغير” و”المشاركة في ذلك” و”الفساد”. ومباشرة، بعد صدور الحكم، أعلنت هيئة دفاع كل من الصحافية هاجر الريسوني وخطيبها رفعت الأمين، ودفاع الدكتور محمد جمال بلقزيز، أمس الثلاثاء، عن استئناف الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية، لتبدأ أطوار جديدة في الملف. وفي تفصيل الأحكام الصادر في حق الأضناء، قضت المحكمة الابتدائية بالرباط بسنة حبسا نافذا في حق الصحافية هاجر الريسوني وغرامة مالية قدرها 500 درهم، وبنفس العقوبة في حق خطيبها رفعت الأمين. كما قضت المحكمة ذاتها بالحبس سنتين في حق الطبيب جمال بلقزيز مع توقيفه عن مزاولة المهنة لنفس المدة انطلاقا من مدة انتهاء العقوبة و500 درهم غرامة مالية، كما قضت المحكمة ذاتها ب8 أشهر حبسا موقوفة التنفيذ لكاتبته وسنة موقوفة التنفيذ في حق ممرض التخدير مع غرامة 500 درهم لكل منهما. وعقب جلسة أول أمس، ندد مجموعة من الحقوقيين، بالأحكام التي وصفوها ب “الجائرة” في حق الصحافية هاجر الريسوني وباقي المتابعين في الملف، منبهين إلى خطورة الأمر على المستوى الحقوقي، وكذا “التراجعات” التي تعرفها الحريات خلال المرحلة الأخيرة. وفي هذا السياق، وفي تصريح للصحافة، قال الصحفي سليمان الريسوني إنه “كان مأمولا أن تكون هيئة الحكم أعقل وأحكم وأرحم مما رأينا وأن تأخذ بعين الاعتبار مرافعات الجلسة الأخيرة التي فككت سندات الاعتقال وأسس المتابعة”. وتابع الريسوني أن رأي المحكمة جاء مخالفا تماما لتوجه الرأي العام الوطني والدولي الذي اعتبر اعتقال هاجر ومن معها انتقامي، مشيرا إلى أن الحكم يسيء إلى صورة المغرب. ونبه الريسوني إلى التراجعات الأخيرة التي يعرفها المغرب في المجال الحقوقي، خصوصا التضييق على الصحافيين والحقوقيين، قائلا في هذا الإطار “إن السلطات المغربية لم تعد تهم بصورة البلاد الحقوقية في المشهد الدولي”. وتوبعت هاجر الريسوني وخطيبها رفعت الأمين ودكتور أمراض النساء محمد جمال بلقزيز واثنين من مساعديه بتهم الإجهاض والفساد، منذ بداية شتنبر المنصرم، وعرفت جلسات المحاكمة جدلا واسعا بين هيئة دفاع المتابعين من جهة والنيابة العامة من جهة أخرى. يشار إلى أن مجموعة من المنظمات الحقوقية سبق وأن أطلقت نداء للسلطات المغربية من أجل الإفراج عن الصحافية هاجر الريسوني وباقي المتابعين في الملف وعدم المساس بالحياة الخاصة للمواطنين. كما كان المتابعون في الملف قد تشبثوا ببراءتهم في الجلسة الرابعة والأخيرة التي انعقدت الاثنين الماضي، فيما كان القاضي قد رفض جميع الدفوعات التي تقدم بها محامو المتابعين. وكانت المحكمة، قد حجزت الملف للتأمل، في الجلسة السابقة، بعد إنهاء المناقشة، وإعطاء الكلمة الأخيرة للمتهمين، الذين نفوا جميعا ما نسب إليهم. وفي هذا الصدد، قالت الصحافية هاجر إنها تعرضت للتشهير والظلم، موجهة عتابها للنيابة العامة، بالقول: “كما خرجت النيابة العامة ببلاغ ضدي وتدينني، تمنيت لو أنها خرجت ببلاغ تدين التشهير بي في وسائل الإعلام وترفضه”. وأضافت أنه “كان على النيابة العامة أن تتضامن معي كامرأة، وتقول كفى من التشهير، وتحث وسائل الإعلام على انتظار حكم المحكمة بدل التشهير بي وعدم احترام قرينة البراءة”. وختمت كلمتها بالقول: “بغض النظر عن الحكم، وحتى لو صدر الحكم ببرائتي، كيف سأخرج للمجتمع وأقابل الناس”. وكانت الجلسة الأخيرة قبل النطق بالحكم قد عرفت مرافعات مهمة للمحامين الذين يترافعون عن المتابعين في الملف، ومن ضمن أهم المرافعات التي اختتمت بها الجلسة السابقة، مرافعة المحامية مريم مولاي رشيد والتي اعتمدت فيها تقريرا أنجزه مختبر متخصص في الإخصاب الأنبوبي وتجميد الحيوانات المنوية والأجنة. التقرير الذي قدمته محامية الدكتور بلقزيز المتابع في الملف، تضمن تحليلا لنتائج الخبرة الطبية التي أنجزتها الشرطة لهاجر الريسوني بالمستشفى الجامعي بالرباط، حيث خلص إلى أن العملية التي خضعت لها هاجر يوم اعتقالها، بعيادة الطبيب، لا يمكن أن تكون عملية إجهاض، كما خلص إلى أن هاجر لم تكن حاملا كذلك. هذا التقرير وصفه الكثير من المتتبعين للملف، دليل براءة بالنظر لكونه تضمن معطيات طبية وعلمية دقيقة.