حاجيات الأبناك من السيولة فاقت 131 مليار درهم خلال مارس 2025    الدوزي يمنع من دخول أمريكا بسبب زيارة سابقة له للعراق    مندوبية التخطيط: تراجع قيم الواردات مدفوع بانخفاض أسعار الطاقة والمواد الغذائية    توجيه الاتهام إلى ثلاثة رجال في قضية خطف معارض للنظام الجزائري في فرنسا    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بين أعمدة الأطلس وأروقة برلين .. شراكة اقتصادية تولد من رحم التحديات    بنسعيد: المغرب يخطو بثبات نحو الحداثة والتقدم    أمسية فنية استثنائية للفنان عبد الوهاب الدكالي بمسرح محمد الخامس    فتح تحقيق تقني جراء حادث سقوط طائرة بفاس    ‪المغرب يبادر إلى تصدير أول "شحنة بلدية" من غلة القنب الهندي الطبي    مناهضو التطبيع يدعون لمسيرة شعبية في اتجاه ميناء البيضاء رفضا لرسو "سفن الإبادة"    انتشار أمني يواكب "ديربي البيضاء"    رغم قرار المقاطعة... استنفار أمني كبير يحيط بمركب محمد الخامس قبيل مباراة الديربي بين الوداد والرجاء    تزامنا مع المعرض الدولي للكتاب.. قضايا الصحافة والخطأ القضائي والعدالة الرقمية في صلب اهتمامات العدد الجديد من مجلة "محاكمة"    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    "واتساب" تطلق 12 ميزة جديدة لتحسين الأداء وسهولة الاستخدام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    إقليم الحسيمة.. هزة أرضية بقوة 4.0 درجات تضرب تارجيست    حزب المغرب الحر يعزز وجوده في مدينة العرائش من خلال تأسيس فرع محلي جديد    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    تداولات بورصة الدار البيضاء تتخطى حاجز 4 مليارات درهم    تشريح ثلاثي يفجر مفاجأة في وفاة الممرضة فاطمة الزهراء بخنيفرة    عبد الصمد المنصوري يحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا    أهازيج الرمال توحد القلوب في محاميد الغزلان    بحضور سفير الهند.. الإخوة بلمير يطلقان فيديو كليب 'جاية'    الصناعة التقليدية بإقليم العرائش في قلب تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 سبل النهوض وتجاوز الإكراهات والمعيقات التحديات والفرص    مدرب المنتخب الإسباني: حظوظ ريال مدريد لا تزال قائمة لتحقيق ريمونتادا ضد أرسنال    مسؤول بوزارة الاتصال: المنصات الرقمية الدولية تحظى ب7 مليارات درهم من الإشهار المغربي    عودة الديربي إلى "دونور": ملعب محمد الخامس يحتضن الكلاسيكو البيضاوي بعد الإصلاحات    المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم داخل القاعة يفوز وديا على نظيره الصيني (8-0)    ميسي يقترب من تجديد عقده مع إنتر ميامي    الغابون تفتح مراكز الاقتراع الرئاسي    باعة إيرانيون جوالون يتلمسون الأرزاق في جنوب العراق    فراقشية الصحافة.. من يوقف هذا العبث؟    "كارولينا الجنوبية" تواصل تنفيذ أحكام الإعدام بالرصاص    عشرات الجيوش تلبي دعوة المغرب وأمريكا للمشاركة في "الأسد الإفريقي"    فرنسا توجه الاتهام لموظف في قنصلية جزائرية باختطاف أمير ديزاد.. قنبلة دبلوماسية في قلب باريس    العصبة المغربية لحقوق الإنسان تراسل وزير الداخلية بشأن حرمانها من وصل الإيداع    كيوسك القناة | جيتكس إفريقيا المغرب.. نسخة ثالثة كبرى لبناء مشهد رقمي إفريقي    العيون .. حرق وإتلاف كمية مهمة من المخدرات و الأقراص المهلوسة    الولايات المتحدة وفرنسا تمران للسرعة القصوى بتنسيق مع المغرب لإغلاق ملف الصحراء المغربية بشكل نهائي    الوداد يحتفل بمشاركته في مونديال الأندية بمهرجان فني    ترامب يستبدل صورة أوباما في البيت الأبيض بلوحة تظهره وهو ينجو من محاولة اغتيال    الوداد الرياضي يستقبل درع كأس العالم للأندية بحفل في الدار البيضاء    تونس: عريضة تطالب قيس سعيد بالتنحي وتحذر من خطر انهيار الدولة    حملة أمنية واسعة بطنجة لمواجهة الجريمة وتعزيز الشعور بالأمن        الدرهم يرتفع بنسبة 3% مقابل الدولار بين فبراير ومارس 2025    الذئب الرهيب يعود من عالم الانقراض: العلم يوقظ أشباح الماضي    الدول المنتجة للنفط في مأزق.. أسعار الخام تهوي لأدنى مستوى منذ الجائحة    الذهب يرتفع ويسجل مستوى قياسيا جديدا    السلطات الصحية بجنوب إسبانيا تتأهب لمواجهة "بوحمرون" القادم من شمال المغرب    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام قيس سعيد: القصة أكبر من مرشح لرئاسة تونس فاز في الدور الأول
نشر في بيان اليوم يوم 19 - 09 - 2019

الفوز الذي حققه أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد في الدور الأول لرئاسيات تونس الأحد الماضي بترشحه إلى الدور الثاني متصدرا النتائج، فاجأ المراقبين والمحللين، ولكنه قبل ذلك زلزل الساحة السياسية واقتلع منظومة الحكم الكلاسيكية من قصر قرطاج، وأكد فشل الأحزاب والائتلافات، وأطاح بكهنة السياسة ومحترفي التخطيط والاستشراف، وشرع الأبواب والنوافذ على مستقبل يستبشر به البعض ويخشى عواقبه البعض الآخر.
وسيكون على التونسيين أن يتعايشوا مع إفرازاته في حال فوز سعيّد بكرسي الرئاسة. وأول ما يمكن التوقف عنده في موضوع قيس سعيّد أن فكرة ترشيحه لرئاسة تونس ليست وليدة شهر أو حتى عام، وإنما هي فكرة تدور في عقل أصحابها منذ أكثر من أربع سنوات، أي منذ انتخابات 2014 التي فاز بها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، عندما أحس بعض الشباب الثوري الرومنسي الحالم بوضع مختلف للبلاد وبمشروع سياسي مغاير أن عليه أن يبحث عن البديل ليس لمن يجلس على كرسي الحكم فقط، وإنما للمنظومة السياسية ككل بما تشمله من موالاة ومعارضة وإعلام تقليدي وخطاب أيديولوجي عقيم فاقد لأدوات التجديد من داخله.
من أبرز من دفعوا إلى هذه الرؤية شاب معروف بعبقريته في مجال التقنيات الحديثة والإنترنت وفي مجال التأثير على الرأي العام، وكانت له تجربة مع أحد الأحزاب، لكنه أدرك أن ذلك التيار الذي كان ينتمي إليه لن يصل إلى أي نتيجة إيجابية، وبعد استعراض عدد من الوجوه التي يمكن المراهنة عليها لصناعة رئيس للبلاد يفوز بالحكم في 2019 جرى الاختيار على قيس سعيّد، أستاذ القانون الدستوري، الزاهد والمنضبط والهادئ وقليل الكلام والمتحدث بالفصحى إذا نطق، والحامل لجملة من الأفكار الثورية وفق مريديه، والمحترم من قبل طلبته وزملائه.
كان لا بد من اعتماد فيسبوك في صناعة الرئيس، فتم إحداث صفحات تحمل اسمه وصورته وبعض مقولاته، ومقولات أخرى تُنسب إليه تتعلق بالقضايا الساخنة مثل السيادة والثروات والقرار الوطني والعدل الاجتماعي والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والحقوق العامة والخاصة، وهي مقولات صادرة في الحقيقة عن ضمير أولئك الشبان الذي يتبنّون خيارا ثالثا لا هو خيار السلطة ولا خيار المعارضة، ولا هو خيار يساري ولا يميني، ولا ديني ولا مدني، ولا سلفي ولا حداثي، ولا رجعي ولا تقدمي. خيار متمرد على كل التعبيرات السائدة والمتداولة، يهدف إلى تكريس رؤية جديدة للحكم والدولة والمجتمع، ربما تكون أقرب إلى فكر معمر القذافي مع بداية مشروعه لإرساء ما كان يسميها بالديمقراطية المباشرة في ظل سيادة وطنية كاملة وتأميم للثروات وقطع مع ثقافة التمثيل البرلماني التقليدي.
ولتحقيق الهدف تم تنفيذ مخطط ذكي على موقع فيسبوك، من خلال المجموعات المغلقة التي كان يديرها الرأس المدبر للعملية التقنية، حتى إن إحدى تلك المجموعات وصل عدد المشتركين فيها إلى 275 ألف ناشط هم في الواقع من الطلبة والنخب الجامعية والمثقفين ومن الموظفين والعاطلين، وأغلبهم من المقاطعين للمنظومة السائدة، حتى أنهم لا يتابعون الإذاعات ولا القنوات التلفزيونية إلا من خلال ما ينقل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. تونسيون مختلفون جمع بينهم مشروع جعلهم يقتربون من بعضهم، ويرتبطون بعلاقات فكرية وإنسانية في ما بينهم، ويتواصلون رغم بعد المسافات ما بينهم، وأحيانا يلتقي بعضهم بالمقاهي، وكانت كلمة السر التي تجمع بينهم هي قيس سعيّد.
اللافت أن هؤلاء الناشطين وأغلبهم من الشباب كونوا شبكات على المستويات المحلية فالجهوية ثم الوطنية، كان من الصعب اختراقها أو حتى التنبه إليها، وجعلوا منها نواة لمشروع ليس سياسيا فقط، وإنما لإحداث تغيير جذري في نظام الحكم القائم مند أكثر من 60 عاما، من خلال إحداث كومونات تنطلق من الحي فالمنطقة والمعتمدية، ثم الولاية وصولا إلى السلطة المركزية، إذ أنهم لا يعترفون بالقانون الانتخابي الحالي ولا بالقائمات الانتخابية، وإنما بالفرد الفاعل كمنطلق لتنفيذ الخيار الشعبي بالوصول إلى تمثيلية حقيقية للمجتمع.
استطاع الناشطون أن يحققوا ما عجزت عليه قيادات الأحزاب وأموال رجال الأعمال ومقدرات الدولة المعتمدة من قبل بعض المرشحين وكل أشكال تجييش الانتخابي عبر الاجتماعات الحاشدة ووسائل الإعلام المختلفة والإعلانات الضوئية، ودفعوا بمرشحهم إلى الفوز في سابقة فريدة من نوعها، حيث لم تتجاوز تكاليف حملتهم 30 ألف دولار أميركي، وتمت إدارتها من شقة بسيطة في بناية سكنية، ورفضوا الحصول على أيّ تبرعات من رجال الأعمال واكتفوا بما جمعوه من مدخراتهم الخاصة البسيطة.
هؤلاء الناشطون قد تجد من بينهم الثوري الاشتراكي والعلماني والإسلامي، ولكن أغلبهم بلا ميولات عقائدية محددة. هم فقط يعتقدون أن الرجل الذي أجمعوا عليه ليس محسوبا على لوبيات أو مافيات أو عصابات ولا يمكن التشكيك في ذمّته ولا في نظافة يده، ولا في ارتهانه لأيّ طرف خارجي أو محور إقليمي أو قوة دولية نافذة، ويعتبرونه رمزا للطهارة الثورية والقيم الاجتماعية والإنسانية التي يؤمنون به، كما أنه لا ينتمي إلى حزب ولم يتورّط مع سلطة ما سواء قبل 2011 أو بعده.
إن الذين يقفون وراء قيس سعيّد والذي يصل عددهم إلى حوالي 600 ألف شخص، لن يكتفوا بما حققوه في انتخابات 15 سبتمبر، وإنما سيكون لهم دور أكبر في حال فوز مرشحهم في الدور الثاني، وأغلبهم لن يذهب إلى الانتخابات البرلمانية لأنهم لا يعترفون بنظام الحكم القائم أو بالقانون الانتخابي المعتمد، وسيعملون على تشكيل الكومونات في مناطقهم، وسيعرضون مشاريعهم على الرئيس ليتبنّاها ويعرضها على البرلمان كمبادرات دستورية، دون أمل كبير في أن كتل الأحزاب ستتبناها، خصوصا وأن سعيّد لن يكون له سند برلماني وهو المستقل، لذلك سيعتمدون على الضغط الشعبي من خلال تحركات ممنهجة في كامل أرجاء البلاد، بروح ثورية مختلفة عن كل ما عرفته البلاد سابقا.
لا يذهبنّ في عقل أحد أن الواقفين وراء قيس سعيّد يعبّرون عن حركة النهضة أو حزب التحرير أو التيارات اليسارية المتشددة أو غيرها، رغم تنوع مرجعياتهم الفكرية، إنما هم جيل من الشباب المتعلم والمثقف والغاضب والحالم الذي يرى أنه قادر على تغيير كل الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي كما نجح في قلب الموازين الانتخابية، وهو يعتبر نفسه فوق الأحزاب وأكبر من السلطة ذاتها، ومتجاوزا للنظام السائد وللمنظومة التقليدية، ويعتمد على أدواته في تحقيق أهدافه، ولا ينفي طوباويته ولا رومنسيته التي يرى أنها الطريق إلى الأفضل، وعلى التونسيين أن يستعدوا لمتابعة ما سيدفعون إليه إذا حققوا هدفهم في الدور الثاني من الرئاسيات، والذي قد يأتي بجديد ليس على مستوى تونس فقط وإنما في المنطقة ككل، ولكن أيّ جديد؟ هذا ما تكشفه الأيام.
الحبيب الأسود


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.