أعلنت وزارة الداخلية في تونس أول أمس الاثنين عن منحها الترخيص لثلاثة أحزاب جديدة تتمثل في «الحزب الجمهوري»، حزب» الشباب للثورة والحرية» وحزب «الكرامة من أجل العدالة والتنمية» ليصبح العدد الجملي للأحزاب السياسية المرخص لها في تونس إلى حد اليوم 37 حزبا، في مقابل رفضها منح التأشيرة لأربعة أحزاب سياسية أخرى لمخالفتها خاصة الفصلين 6 و11 من قانون الأحزاب التونسي. فيما يؤكد الفصل 11 من ذات القانون على ضرورة إيداع تصريح ينص على اسم الحزب وغرضه وشعاره ومقره وبيانات تخص كل من له صفة المؤسس ومن وقع تكليفه بأي صفة كانت بإدارة الحزب بالإضافة إلى 5 نسخ من النظام الأساسي. وشهدت الخارطة السياسية في تونس منذ 14 يناير تحولات محورية وازدحاما حزبيا غير مسبوق في تاريخ هذا البلد حيث بلغ عدد الأحزاب المرخص لها 37 حزبا سياسيا بالإضافة إلى أكثر من 70 مطلبا في الحصول على تأشيرة (تراخيص) لا تزال قيد الدراسة والتمحيص لدى وزارة الداخليّة. ورفضت وزارة الداخلية التونسية في وقت سابق منح رخصة العمل السياسي لعدد من الأحزاب لمخالفتها عددا من فصول قانون الأحزاب من بينها أحزاب إسلامية كحزب «التحرير» الذي أثار إعلان أعضاءه نيتهم في حال وصولهم للسلطة بإقامة خلافة إسلامية في تونس وإلغاء جميع الأحزاب التي لا تتبنى نفس إيديولوجيته، جدلا واسع النطاق. وأكد مصدر في وزارة الداخلية أن «المرجع الأساسي لمنح التأشيرة للأحزاب السياسية أو رفض الطلب يستند لقانون الأحزاب المؤرخ في 3 ماي 1988 خلافا لما يروج من تعليق العمل بهذا القانون، ورفضنا الترخيص لعدد من الأحزاب سببه خلل في شكل أو مضمون الملف الذي وقع إيداعه لدى الوزارة». وفي نفس السياق قال نبيل المناعي عضو المكتب السياسي لحزب التحرير الإسلامي إن «نعتبر أن قرار وزير الداخلية، سياسي بالأساس وليس قانونيا ونستغرب منح التأشيرة لأحزاب تضم تجمعيين سابقين أعضاء في حزب الرئيس المخلوع منهم من ساهم في قتل التونسيين مقابل رفض الترخيص لحزب التحرير الذي باشر العمل السياسي منذ أكثر من 30 سنة تحت التنكيل». وأضاف المناعي أنه من غير المعقول أن يستند وزير الداخلية إلى قانون الأحزاب المبلور في عهد النظام السابق في الوقت الذي وقع تعليق العمل بالدستور خاصة أنه لا شرعية بعد الثورة لأي من بقايا الرئيس المخلوع وأكد أن حزبه سوف يطعن في قرار وزير الداخلية. ينص الفصل 3 من قانون المتعلق بتنظيم الأحزاب في تونس على انه «لا يجوز لأي حزب سياسي أن يستند أساسا في مستوى مبادئه أو أهدافه ونشاطه أو برامجه على دين أو لغة أو عنصر أو جنس أو جهة». وفي سياق متصل أثار منح ترخيص بالعمل السياسي لعدد من المنتمين لحزب الرئيس المخلوع في وقت سابق جدلا وتعالت الأصوات الرافضة لترشحهم للانتخابات القادمة أو المشاركة في الحياة السياسية. هذا وتشهد الساحة السياسية في تونس منذ سقوط نظام بن علي في 14 يناير تغيرا جذريا، إذ تم إصدار حكم قضائي بحل حزب التجمع الدستوري الحاكم سابقا والمسيطر على الحياة السياسية لكثر من 50 سنة ومصادرة ممتلكاته. وتحولت تونس من بلد لا يتجاوز فيها عدد الأحزاب 10 أحزاب سياسية مرخص لها أغلبها يوصف بالكرتونية إلى ساحة تشهد ازدحاما حزبيا حيث يتوقع أن يتجاوز عدد الأحزاب المائة تنتمي لتيارات فكرية مختلفة في حال منحت وزارة الداخلية تأشيرة العمل السياسي لأغلب السياسيين المتقدمين بمطالب في الغرض. وأكد عبد الرزاق الهمامي رئيس الهيئة التأسيسية لحزب العمل الوطني الديمقراطي والحاصل مؤخرا على الترخيص القانونيّ أن هذا التفجر متوقع نحن بصدد الخروج من أكثر من نصف قرن من الاستبداد والجميع كان محروما من المشاركة في الحياة السياسية خاصة، وأعتقد أن استحقاقات المجلس التأسيسي ستسفر عن قوى سياسية رئيسية وستتبلور عائلات سياسية وستنسحب من الساحة كل الأحزاب الظرفية والوقتية». وعن حزب العمل الوطني الديمقراطي قال الهمامي أنه ذو مرجعية يسارية وطنية ديمقراطية، يعمل من أجل الدفاع عن الفئات الكادحة والمصالح الوطنية إضافة إلى تحقيق عدالة اجتماعية وتوزيع عادل للثروة وأشار إلى وجوب مراقبة التمويل العمومي للأحزاب لتجنب ما وصفه بالرشوة السياسية في المستقبل.من جهته قال حسين العوري عضو الهيئة التأسيسية لحزب «حركة الشعب» الذي مُنح تأشيرة العمل السياسي حديثا إن الطفرة التي تشهدها الساحة السياسية نتيجة كبت تواصل لعقود واليوم الجميع يريد إثبات ذاته والمشاركة في الحياة العامة وأعتقد أن هذه الظاهرة ستكون ظرفية وخاصة أن الفصائل ذات الاتجاه المتقارب ستجد مصلحتها ومصلحة الشعب في التكتل».وتابع العوري: «نحن في حركة الشعب نتبنى الإيديولوجية القومية ونرمي لتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة العربية عن طريق إرساء سوق اقتصادية مشتركة تجابه التكتلات العالمية وتحمي مصالح الأمة دون نسيان القضية الفلسطينية بطبيعة الحال».من جانبه، يرى الباحث في علم الاجتماع والناشط السياسي مهدي مبروك من خلال إفادته أن تزايد عدد الأحزاب خلال الفترة الأخيرة يعود للتعطش إلى التحزب نكاية في ما مضى من كبت سياسي صحّر المشهد الحزبي وشوهه بديكور حزبي للإيهام بالتعددية، على حدّ تعيره. وأكد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية قائلا: «غياب الحوار السياسي الحقيقي الذي يفرز اتجاهات وبدائل واضحة ومختلفة مما جعل المبادرات الفردية والشللية والصداقات السياسية عوامل محددة حاليا في نشأة الأحزاب بالإضافة إلى الصراعات الإيديولوجية والشخصية المستفحلة منذ الستينات داخل العائلات السياسية الكبرى كاليسارية والقومية والإسلامية ونشأة جيل جديد من الشباب لا يجد حاليا نفسه في المشهد الحزبي الذي ما زالت تحكمه نفس الزعامات التاريخية». ومن المنتظر أن تشهد تونس انتخابات المجلس التأسيسي في 24 يوليو المقبل تتمثل مهمته أساساً في صياغة دستور جديد محل دستور 1959.