يقول مدير برنامج الأممالمتحدة للبيئة بجامعة جنيف باسكال بيدوزي، إن إعادة تدوير أنقاض المباني لاسيما في البلدان التي دمرتها الحروب، هي أحد الحلول للحد من الأضرار التي يلحقها بالطبيعة استخراج الرمال والصخور من الشواطئ والجبال، لكن الأمر لا يقتصر على سوريا أو العراق أو ليبيا، فالدول التي تشهد كثافة سكانية في المدن الرئيسية والعواصم، بدأت تشيد أبراجها وفنادقها وعمارتها السكنية على حساب الشواطئ والأنهار والجبال والموارد المائية. من قبرص إلى نيوزيلندا مرورا بلبنانوالجزائر، يشعر الناشطون المدافعون عن البيئة بالقلق من انتشار المحاجر ومقالع الرمال في عالم يزداد جشعه للإسمنت الذي تضاعف استهلاكه ثلاث مرات في السنوات العشرين الماضية، قلق من مواجهة مافيات الرمال ومقالع الحجر، وهم رجال نافذون يدفعون الرشاوي ويهددون بالقتل من يقف في طريقهم. هدر هائل يستخرج أكثر من 40 مليار طن من الرمل والحصى سنويا من جبال وأنهار أو شواطئ الكوكب، وذلك أساسا للبناء، وتتسبب هذه الأنشطة بإزالة المزيد من الغابات وتلويث الهواء وتعطيل الأنشطة البشرية التقليدية. ومع توقع زيادة عدد سكان الأرض بمقدار ملياري نسمة بحلول العام 2050، من المرجح أن تزداد هذه الكميات، وفق برنامج الأممالمتحدة للبيئة. وبعيدا عن اللوائح والقوانين، يتفق المدافعون عن البيئة والخبراء والمقاولون على نقطة واحدة، وهي أن المستهلك يتحمل نصيبه من المسؤولية. يقول شينك ساربر رئيس اتحاد أصحاب المحاجر في قبرص، "الناس يقولون.. نريد طرقا وفيلات ومدارس، لكن من أين ستأتي المواد لبنائها؟"، مستنكرًا ما يسميه "نفاقاً". ويحث برنامج الأممالمتحدة للبيئة، على تفضيل المباني القائمة والحد من "المشاريع العقارية المخصصة فقط لإظهار الهيبة والثراء"، ولتجنب، مساكن الأشباح الخالية التي تملأ أيرلندا أو إسبانيا مثلا بعد سنوات من ازدهار المضاربة العقارية. وحضّ البرنامج على إعادة التفكير في استخدام الرمال ثاني أكبر مورد مستخرج في العالم، بعد الماء، من قبل الصناعة والحكومات والجمهور. وأشار البرنامج إلى الحاجة إلى الحفاظ على الرمال وإعادة التدوير والبحث عن بدائل. نهب الرمال من قبرص إلى نيوزيلندا مرورا بدول البحر المتوسط، يشعر الناشطون المدافعون عن البيئة بالقلق من انتشار المحاجر ونهب رمال الشواطئ. في الجزائر، يؤدي الاستغلال المفرط لرمال الشواطئ وإزاحة هذا الحاجز الطبيعي إلى إحداث اختلال في التوازن البيئي، من خلال تسرب مياه البحر المالحة إلى المياه الجوفية العذبة. ودق خبراء البيئة ناقوس الخطر حيال التهديدات التي يواجهها النظام الإيكولوجي البحري في ظل تنامي ظاهرة اقتلاع رمال الشواطئ والكثبان عبر الشريط الساحلي. يقول الخبراء، إن الرمال الشاطئية تمثل أحد الحواجز الطبيعية التي تمنع هجوم مياه البحار على اليابسة، لذلك فإن أي مساس أو تغيير للبنية الساحلية من خلال اجتثاث هذه الرمال سيتسبب في تدفق مياه البحر نحو المناطق الغابية أو الزراعية المحاذية، ما يتسبب في ارتفاع نسبة الملوحة والتأثيرات السلبية لذلك على البنية الحيوية من حيوانات ونباتات. وقد شهدت العشرات من الهكتارات الزراعية الخصبة القريبة من الشواطئ تراجعا في السنوات الأخيرة بفعل هذه العوامل، التي ساهمت أيضاً في تقلص مساحات زراعة الخضراوات والفواكه. هذه ظاهرة باتت تشكل تهديدا للطبيعة وللإنسان، فإلى جانب التأثيرات البيئية المختلفة تشكل شاحنات النهب التي تعمل ليلا تهديدا صريحا لحياة السكان. وتسجل الدوائر الأمنية الجزائرية شهريا المئات من القضايا المتعلقة بنهب الرمال عبر المحافظات الساحلية ال14، كما تحجز العشرات من الشاحنات وتوقف المئات من ناهبي الرمال. ولإشباع نهم الفنادق والمساكن السياحية ومشاريع الطرق للأسمنت، تعمل المحاجر في القسم الشمالي من جزيرة قبرص، على نهش صخور الجبل الذي يرعى فيه جمال ماعزه. يقول مربي الماعز البالغ من العمر 55 عامًا، "سأضطر إلى الرحيل، لا مستقبل لي هنا" بعد أن اختفى الغطاء النباتي وانهار جزء من الجبل. وعلى الرغم من أن جمال يدرك "الحاجة للصخور لبناء الطرق والمساكن"، إلا أنه يأمل في أن تساعده الشركة التي تشرف على الكسارات في العثور على مرعى أكثر هدوءًا. واصبح شمال قبرص، بؤرة للتجاذب بين المدافعين عن التطور العمراني والمنادين بالحفاظ على الإرث الطبيعي. يقول شينك ساربر، إن "الجزيرة تعيش بفضل السياحة.. نحن بحاجة إلى الفنادق والطرق والمطارات وليس لدينا خيار سوى استغلال المحاجر". ويؤكد أن المحاجر بعيدة عن المناطق السكنية وأن العمل فيها يجري على أساس احترام جميع المعايير البيئية. ويتم استخراج أكثر من 12 ألف طن يوميا في شمال قبرص، وفق اتحاد المحاجر بما يوازي حوالي 33 كيلوغراما للفرد، علما أن المتوسط العالمي هو 18 كلغم وفقا للأمم المتحدة. ويأسف رئيس رابطة البيولوجيين في شمال قبرص حسن ساربتن لوجود محجر كبير خارج المنطقة المحددة ولأنه "لا يتم الالتزام بأفضل المعايير" للحفاظ على البيئة، موجهاً انتقادات للسلطات القبرصية التركية. وكما هو الحال في شمال قبرص المحتل، يشعر علماء البيئة أيضًا بالقلق في الجزء الجنوب، يقول المختص بشؤون البيئة كليتوس باباستيليانو، إن "الاستخراج المتزايد للمواد الخام لأغراض البناء هو أحد التهديدات الرئيسية للمناطق الطبيعية المحمية". ويذهب كارالامبوس ثيوبمبتو النائب عن حزب الخضر إلى القول إن "بناء المراسي الترفيهية يتطلب كميات كبيرة من الصخور". وفي جنوب نيوزيلندا، يثير مشروع مقلع بالقرب من بلدة تيمبلتون معارضة السكان خشية من الآثار الصحية الناجمة عن غبار السيليكا. ويطالبون بسن قوانين تلزم المقاولين بالابتعاد عن المناطق المأهولة بالسكان. تهديدات بالقتل يتردد صدى الدعوات للتشدد في الرقابة في جميع أنحاء العالم، ففي لبنان، حيث اقتلعت المحاجر غير القانونية سفوحا جبلية بأكملها ومئات الآلاف من الأشجار، يلجأ المواطنون إلى القضاء ويواجهون في بعض الأحيان تهديدات بالقتل. وبعد سنوات من الجهود الشاقة وتهديدات وصلت حد التلويح بالقتل، نجح عبدالله حداد في مسعاه بصدور حكم قضائي يقضي بإغلاق الكسارات غير الشرعية في قريته عين دارة في لبنان، لكن انتصاره لم يدم سوى أيام قليلة. في أحد أيام شهر يوليو، كان حداد (61 عاما) يقف مقابل جبل أنهكته الكسارات حين تلقى الخبر السعيد، فقد أصدرت المحكمة قرارها أخيرا بإغلاق 16 كسارة من أصل 17 تنهش سفوح جبال عين دارة الواقعة بين جبل لبنان وسهل البقاع، وليس بعيدا من محمية أرز الشوف الشهيرة. لم يطل الأمر كثيرا، وما هي سوى خمسة أيام حتى عادت الشاحنات للعمل لنقل الحجارة ووصل عددها إلى مئة شاحنة يوميا، وفق حداد الذي ما كان منه سوى أن تقدم في ال27 من أغسطس بشكوى أمام النيابة العامة الاستئنافية للتبليغ عن "التفاف الكسارات على قرارات الختم بالشمع الأحمر". خلال 25 عاما، هدّمت الكسارات أكثر من مليوني متر مكعب من جبال عين دارة، وفق حداد الذي لا يتردد في أن يصف الأمر ب"الجريمة" بحق الجبل. ويوضح حداد، أن غالبية أصحاب الكسارات "يعملون دون ترخيص، ولديهم في أحسن الأحوال تراخيص منتهية الصلاحية». وتعمل أكثر من 1300 كسارة في مساحة تبلغ 50 كيلومترا مربعا في كافة أنحاء البلاد، وفق دراسة صادرة في العام 2017 عن الجيش اللبناني. يقول حداد، "تلقيت اتصالات هاتفية من مجهولين هددوني بكسر ساقاي أو حذروني بعدم الذهاب إلى عين دارة وهددوني بالقتل". وحين صدر القرار القضائي الأخير في 26 يوليو، انتشر العشرات من الجنود وعناصر الأمن منذ الفجر في عين دارة، حيث عادة ما يتحدث السكان عن مسلحين يحرسون الكسارات. وأغلقت القوى الأمنية الكسارات بالشمع الأحمر، وإحداها تعود لشخصية سياسية معروفة، ولكن سرعان ما "عاد معظمها إلى العمل متجاوزة الأختام"، كما يقول حداد بأسف. ويقر مسؤول في وزارة البيئة اللبنانية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن "عدداً قليلاً منها فقط يعمل بما يتناسب مع المرسوم" الذي ينظم عمل هذه الكسارات والذي صدر سنة 2002. وأشار إلى أن "تكلفة التدهور البيئي الناتج عن هذه الكسارات تصل إلى 610 ملايين دولار سنويا". يلقي الناشطون البيئيون اللوم على الفساد المستشري في البلاد وأداء الطبقة السياسية فضلا عن عدم اهتمام الرأي العام بالقضية أساساً. يقول هؤلاء إنها مشاريع تعود إلى شخصيات سياسية مهمة تعمل في مجال صناعة الأسمنت ما خلق نوعا من الحصانة لتلك الكسارات. في يونيو، أصيب خمسة أشخاص بجروح خلال اعتصام أمام مدخل إحدى تلك الكسارات، ويوضح مارون بدر، رئيس بلدية عين دارة، "خرجنا لنعترض (…) تجمع رجاله وهجموا علينا وأطلقوا النار باتجاهنا"، مضيفا، "إن سكوت الدولة تجاه ممارسات الميليشيات هذه غير مقبول".