أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    الأزمي يتهم زميله في المعارضة لشكر بمحاولة دخول الحكومة "على ظهر العدالة والتنمية"        تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    بيت الشعر في المغرب والمقهى الثقافي لسينما النهضة    الزمامرة والوداد للانفراد بالمركز الثاني و"الكوديم" أمام الفتح للابتعاد عن المراكز الأخيرة    اعتقال بزناز قام بدهس أربعة أشخاص    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المساء» تفضح مافيا الرّمال المغشوشة التي تهدد المباني بالانهيار
مستودعات سرية ومعامل لإنتاج خلطات عجيبة تستعمل في بناء تجزئات جديدة بالبيضاء ومحيطها
نشر في المساء يوم 02 - 05 - 2013

رمالٌ من نوع خاصّ تقلل من العمر الافتراضي للمنازل والمباني، وتكلف زبناءَها أموالا كثيرة لإصلاح ما أفسده الرّمل المغشوش.. التراب الأبيض،
أو ما يعرف لدى أصحاب المُستودَعات السّرية في «الهراويين» ب«بياضة»، يُعطي التربة المخلوطة بالرّمال لونَ هذه الأخيرة نفسَه، وهي التي يسمّونها «الشينوية» وأخرى «تيري بيري».. وكلها أسماء لرمال مغشوشة أصحبت تروج أخيرا، وتنذر بكارثة حقيقية في مدن مُتوارية عن الأنظار تشكل حزام الفقر المحيط بالدار البيضاء. غشّ وجشع واتجار في مصير حياة الآدميين، ورمال مغشوشة تهدّد آلاف البنايات العشوائية بالانهيار، ومافيات جديدة تجني ملايين الدّراهم كل يوم. «المساء» تكشف مُستودعاتٍ سرية ومعاملَ الرّمال المغشوشة، التي غالبا ما تستعمَل لبناء تجزئات سكنية لإعادة إسكان دواوير الصّفيح في نواحي المحمدية وبوسكورة والدروة وبرشيد ودار بوعزة والخيايطة وليساسفة..
يصل ثمن حمولة شاحنة كبيرة من رمال الصّويرية الخاصة بالبناء إلى 8 آلاف درهم، في حين يبلغ ثمن رمال القنيطرة والمهدية 7 آلاف درهم، أمّا رمال أزمور فتباع عادة بثمن أقلَّ، ولا تتجاوز 5 آلاف درهم للحمولة، بينما تباع رمال من مناطق أخرى بأقلَّ من 6 آلاف درهم.. ويعود هذا التباين في الأثمنة بالأساس إلى تفاوت الجودة والنقاء حسب معايير مُحدَّدة علميا، ومعروفة لدى المهنيين.
في هامش الدار البيضاء، وعلى بُعد كيلومترين من المجازر الجديدة وميناء المدينة، توجد مدينة الهراويين، المتوارية عن الأنظار، وفي حيّ صفيحي معروف باسم «الشّيشانْ» يوجد مستودَع قصديريّ تحيط به صخور وأنقاض وإطارات تالفة.. خرج رجل يبدو بسحنته وكأنه «آسيوي».. تَبيّنَ أنه يعمل على تصفية الرّمال من الأوساخ دون غسلها، بواسطة شاحنة، إذ يرفع الرّمل ويُنزله في شباك مخصَّص لفصل الرّمال عن الأوساخ العالقة في الرمل ليبدو كما لو أنه قد تمّ غسله.. الشّخص الذي رافقنا لإنجاز التحقيق يعرفُ الرّجلَ جيدا، ما جعله لا يجد حرجا في التّصريح بأنه يبيع الرّمال على أنها رمالٌ «نظيفة» وليست «مغسولة»، مشيرا إلى أنه يبيعها للزّبائن الذين يكونون غالبا، وبنسبة كبيرة، من سكان دور الصفيح.. وحول ما إذا كان يملك ترخيصا للعمل في الموقع قال إنّ المكان غيرُ مُرخَّص وأنه عشرات المُستودَعات تعتبَر مثلَ المنازل الصّفيحية في منطقة «الهراويين».
يصف «الحْرايفية» رمال «الشينوية» بالوحش المخيف الذي يُهدّد المباني الجديدة بالانهيار، بعد الترخيصات المشبوهة التي يحصل عليها مقاولو البناء، إضافة إلى أنّ الكثير من المهندسين المعماريين والخبراء لا يكتشفون الخلطة السّحرية للرمال المغشوشة.
إضافة إلى «الشينوية» بدأت رمال «تيري بيري» تفرض قوتها في سوق العشوائيات في كل من الهراويين والطريق المعروفة ب17، المؤدية إلى المحمدية، حيث أصبحتْ رمال «تيري بيري» الأكثرَ انتشار وشيوعا في أوراش البناء، سواء الفردية الخاصة أو الكبيرة، أو حتى تلك التي تشرف عليها مؤسَّسات تابعة للدولة.. وتتلخص خطورتها في تشابُهها الكبير مع الرّمال الحقيقية.
وحسب عمال في أحد المُستودَعات السّرية في «الهراويين» فإنه يتم خلط رمال «الشينوية» مع رمال منطقة أزمور، المعروفة بلونها المائل إلى السّواد، إضافة إلى تراب أصفرَ يتمّ جلبه من مكناس والنواحي، ثم يُمزَج الخليط برمال منطقة الصّويرية، الواقعة بين مدينتي آسفي والصويرة، المعروفة بجودتها، بنسبة تقارب رُبع الكمية لكي «تنطلي الخدعة» على المشتري. ويصل الوزن بعد الخلطة السّحرية حوالي 100 متر مكعب، حيث يتم بيع رمال «تيري بيري»، التي يتم توزيعها على الشاحنات الصغيرة، بمجموع 15000 درهم، في حين لا تتعدّى قيمة الخلطة السحرية بأكملها 5000 درهم..
قال العامل نفسُه، المكلف بتنظيف الرمال داخلَ المُستودَع السّري في حي الشيشان في الهراويين، إنه يتم استخدام الرّمال المغشوشة في مجموعة من أوراش البناء الصّغرى، كمنطقة إعادة إسكان المستفيدين من «كريان سنطرال» في الحي المحمدي، قرب مقبرة الغفران في الهراويين، ومشروع الرحمة في الحي الحسني، ومشاريع «سلام أهل الغلام»، المخصَّص لساكنة دواوير الرحامنة وطومة والسكويلة. كما يتم استعمالها في مشاريع إعادة إسكان دواوير الصّفيح في نواحي المحمدية وبوسكورة والدروة وبرشيد ودار بوعزة والخيايطة وليساسفة..
تتحكم في خارطة إعداد الرّمال المغشوشة عصاباتٌ منظمة، إذ تبدأ العملية من مقالع للرّمال متاخمة للقنيطرة، حيث يعمد سائقون إلى شحن الرمال بواسطة شاحنات ذات حمولة ما بين 6 أمتارُ و30 مترا مكعبا، يُعيّن السائق المكان، فتشرع الحاملات في تحميل الشّاحنة حتى «تفيض»، حسب مزاج السائق.. ولا تكون أغلب الحاملات تابعة للمقلع، وإنما هي في ملكية أشخاص يتقاضون ما بين 80 درهما و100 درهم لكل شاحنة ذات حمولة 20 مترا مكعبا، وما بين 40 إلى 50 درهما عن الشذاحنات الصغيرة. أما سائق الحاملة فيتقاضى 20 درهما لكل شاحنة كبيرة.. وعموما، هناك سيادة عدم احترام دفتر التحمّلات والعمل خارج الأوقات القانونية. وعادة، يتم الأداء في مدخل المقلع، 300 درهما للشاحنة ذات حمولة 20 مترا مكعبا، و250 للشاحنات أقلّ من 17 مترا مكعبا، بالنسبة إلى الرمل من نوع «الفينو» (الرقيق) أما باقي الأنواع فتتراوح بين 200 درهم و100 درهم..
كشف المهندس يوسف كاملي ل«المساء» مدى تأثير الرّمال المغشوشة، أو المغسولة مرة واحدة، على المباني، مشيرا إلى أنّ أغلب الرمال المخلوطة تُستخرَج من البحر وتوجد فيها نسبة أملاح، ويجب غسلها مرّتين إلى أن تصبح نسبة الأملاح ضئيلة جدا، بعد التخلص من الشوائب والأوساخ، منبّها إلى أنّ وجود نسب عالية من الأملاح في الرّمل يؤدي إلى «تآكُل» الخرسانة المُستخدَمة في بناء المنزل وتصدّع الأخير. وشدّد كاملي على ضرورة وجود مراقبة على «الكلاسي» في دور الصفيح وفي الأحياء المحيطة بحزام الدار البيضاء، مضيفا أنّ السلطات المحلية غالبا ما تكون على علم بالمستودعات السّرية التي تتّخِذ من الهواء الطلق مقرّات لها.
حسب معلومات حصلت عليها «المساء» وهي تغوص في عالم الرمال، بأنواعها، المغشوشة منها وحتى السليمة، التي يتم استقدامُها بطرق غير مشروعة، تقوم «مافيا» مشكلة من أصحاب المستودَعات السّرية وآخرين لا يملكون إلا الشاحنات وروح المغامرة بسرقة الرّمال الجيدة من الدار البيضاء والنواحي، بعد أن ضعُفت المراقبة التي كانت مُشدَّدة قبل سنوات، حيث كان رجال الأمن والدرك يراقبون ورقة خروج الرمال والأتربة من المقالع، لكن في الآونة الأخيرة صار هناك تساهل غير مسبوق مع أصحاب شاحنات نقل الرّمال، مما فتح المجال لمافيا تهريب وسرقة الرّمال لزيادة نشاطهم بشكل مُهول، حيث أصبح يتم تحميل رمال شواطئ عين السبع، طماريس، سيدي رحال، والشواطئ البعيدة نسبيا عن التجمّعات السكنية، ليلا ونهارا، وهو ما يشكل خطرا بيئيا يُهدّد المناطق الشاطئية، كما هو الحال بالنسبة إلى شواطئ الصويرة القديمة، التي تمت «تعريتها».
تابع كمالي قائلا إن الرمال المغشوشة، التي تتكون من نسبة مهمّة من الأتربة غير المُتماسكة، قد تؤدي إلى كوارثَ إنسانية بسبب ارتداد أرضيّ بسيط، أو بتعرّض المباني المشيَّدة بها لعوامل طبيعية كالعواصف والأمطار القوية..
وأوضح المتحدّث نفسه أن الكارثة تصير محققة إذا استعمِلت الرمال المغشوشة في «الضّالَة» أو الإسمنت المسلح، وهو الأساس القوي والدعائم المطلوبة لضمان سلامة المبنى، حيث إنّ تركيبتها الكيميائية في خليط الإسمنت والحصى والحديد تجعلها مُعرَّضة لفقدان التماسك المطلوب. وشرح المتحدّث الأمر قائلا إنّ طبيعة الرّمال السليمة تجعل حُبيباتها تتماسك مع الإسمنت والحصى والحديد لتنتج في النهاية خليطا مُنسجما، عكس الأتربة أو الرمال المغشوشة، التي لا تستطيع التماسك مع باقي المكونات، لحاجتها إلى الأوكسجين بسبب وجود فراغات مُفعمَة بالهواء.. وهو ما يدفعها إلى البحث عن الأوكسجين و»التنفس»، لتكون النتيجة في النهاية تشققات واضحة في الأبنية، وهو ما نلاحظه جليا في مجموعة من البنايات في التجزئات السّكنية بالخصوص.
وأشار المهندس المعماري إلى أنّ عددا من سكان التجزئات السكنية لاحظوا تشققات في العمارات، خاصة على مستوى الجدران، إضافة إلى بنايات عشوائية انهارت بالكامل في منطقة الهراويين بسبب الرّمال المغشوشة دون أن تخلف ضحايا، لحسن الحظ.
الطريق إلى مقالع المْناصرة
طريق ال17 ومدينة الهراويين العشوائية يعرفون جيدا الطريق إلى جماعة المناصرة، التي تعَدّ من أغنى الجماعات على الورق فقط نظرا إلى مقالعها الرملية، والتي لا تستفيد منها لا الجماعة ولا سكانها. ففي الجماعة هناك ما يناهز 40 مقلعا، من ضمنها ما يناهز 26 مقلعا خاصا، والباقي في ملك الجماعات السلالية (أولاد زيان، صبيح، أولاد العسال).. وفي الشليحات -أولاد برجال يتموقع 13 مقلعا، 4 منها هي مقالع العمق وتُستغَلّ في المعدل ما مساحته 3 هكتارات لكل واحد منها. وكل هذه المقالع لا تخضع لأي مراقبة، بل الأدهى من ذلك هو أنّ الرمال المغشوشة صارت تأتي «جاهزة» من المقلع ولا تحتاج إلى خلطة في مستودع سري أو شيء من هذا القبيل..
وقال مصدر «المساء» إن أصحاب المقالع لا يجدون حرجا في الترامي على الملك البحري العمومي.. وهو التصرف الذي يتخذ شكلا من أشكال النهب البارزة، في حين أنّ طريقة الاستغلال تنتهك البيئة انتهاكا مفضوحا.. وتُعدّ مقالعُ غابة أولاد برجال -أولاد زيان نموذجا واضحا، وهي تضمّ 6 مقالع غير خاضعة لأيّ مراقبة عقلانية.
كما هناك منطقة غابة فزارا -كلاس، وهي منطقة تشمل الأراضي الجماعية لفزارا وصبيح ومرابيح وظهر لفروج وأولاد عسال.. وتحتضن 8 مقالع منذ سنة 1999. وهناك مقالع أخرى في غابة الكلاس (4 مقالع) وفي غابة العميميين -لعفايفة وفي بوكمور وأولاد عزوز. وقد بدأ استغلال مقالع جماعة المْناصرة منذ سنة 1987 مباشرة بعد إقفال مقالع بوقنادل. واقتنى أصحاب المقالع أراضيَّ مجاورة للملك العمومي البحري قصد استغلالها فلاحيا، خصوصا أن ثمنها كان زهيدا آنذاك. ثم تبعهم آخرون، عندما بدأ فلاحو المنطقة يقبلون بكثرة على بيع أراضيهم..
من الصّعب جدا التعرف على أصحاب الامتياز الفعليين لمقالع جماعة المْناصرة. فلم نتمكن من الحصول على معلومات دقيقة بهذا الصّدد، ولم نستطع التعرّف إلا على بعض القائمين على المقالع في عين المكان، وهؤلاء إما وسطاء أو أجراء أو مُستغِلون عن طريق الكراء.
من بين أهمّ الشروط الخاصة بالمقالع أنه لا يجوز للشخص الواحد استغلالُ أكثر من مقلع على امتداد المنطقة الواقعة بين القنيطرة وسطات وبنسليمان، لكنّ هذا الشرط لا يُحترَم، وهناك من يستغل أكثر من مقلعَين ضمن هذه المنطقة بدون حسيب ولا رقيب.. علاوة على التحايل على القانون بتقييد الامتياز في اسم الابن أو الابنة أو الزّوجة أو الأخت.
ومن بين الشروط التي يتم الدّوس عليها بسهولة وباستمرار عدم احترام حدود الملك البحري العمومي، حيث هناك ترامٍ عليه بطريقة دائمة على مرأى العيان.. أما شروط احترام البيئة، المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل في هذا المجال، فهي آخرُ ما يمكن التفكير فيه، وبالأحرى اعتبارها أو احترامها أو الالتزام بها.
حسب مقتضيات القانون، فإنه لا يجوز -بأي وجه من الوجوه- تجاوُز 40 ألف متر مكعب سنويا لكل مقلع، لكنْ في الواقع غالبا ما يتمّ تجاوز هذا السقف في جماعة «المْناصْرة». وعند تمحيص الكميات المُستخرَجة من الرمال والمُصرَّح بها على صعيد هذه الجماعة، فهي لا تتجاوز في المعدل 7500 متر مكعب. وهنا تبرز الصّورة الفظيعة للنهب الممنهج. وهذا ما يفسّر المَبالغ المالية الزهيدة، والتي لا تكاد تبِين، التي تجنيها الجماعة والجماعات السلالية من المقالع الرّملية في المناصرة. وأكثر من هذا وذاك، ورغم زهد تلك المبالغ، فإنّ جملة من مُستغلّي المقالع لا يؤدّنها بطريقة مُنتظمة، إذ ما زالت متراكمة عليهم كديون في ذمّتهم.
وبالنسبة إلى وجوه الاستغلال، هناك مدخلان لاستغلال المقالع الرملية في الجماعة. يتعلق الأول بأراضي الملكية الخاصة والثاني بأراضي الجموع. وبخصوص أراضي الخواص، غالبا ما يتم كراء الأراضي لذوي الأموال للتمكن من الاستفادة من استخراج الرّمال. أما في ما يتعلق بأراضي الجموع فهي تخضع الآن لمسطرة العروض العمومية والسمسرة، كما هو منصوص عليه في القوانين الجاري بها العمل في هذا المجال. ومَهما يكن من أمر، فإنّ النهب المُمنهَج في مجال مقالع الرمال في جماعة المناصرة لا يشمل فقط تحويل ثروات ونهب مصادر ثروة محلية، وإنما يتّخذ صورة أخرى أكثرَ وأعمق خطورة.. فهناك جرائم شنيعة تُقترَف في حق البيئة في جماعة المناصرة، التي أصبحت الآن القبلة الأولى لصناع الخلطات العجيبة للرّمال المغشوشة، وفق مصدر «المساء».
كوارث تهدد مباني البيضاء
قال مهندس في مكتب للدّراسات إن عوامل عديدة يمكن أن تكون سببا في التشققات السّريعة في المباني، وخاصة العشوائية، أولها عدم احترام الكميات الواجبة في الخرسانة من إسمنت مُسلَّح، إضافة إلى حجم الحديد، وكذا نوعية الرّمال وجودتها.
وأضف هذا المهندس، الذي خبر سوق العقار في المغرب لسنوات إنِّ الإسمنت عادة ما يُستهلك في السوق بسرعة فائقة ولا تنتهي مدّة صلاحيته ويصعب الغشّ فيه لأنّ الشركات التي تنتجه معدودة، مشيرا إلى أنه من غير المُستبعَد أن يكون ذلك نتيجة غشّ في الرمال أو ما يسمى في لغة الاختصاصيين استعمال الرّمال غير النقية.
في غابة قرب القنيطرة يوجد مقلع عُرف بكونه من أهمّ مقالع الرمال ذات الجودة العالية. بعد أن تتم تصفية الرمال من الأتربة، خاصة من نوع «الحْمري»، يتم بيعها للزّبناء بالجملة، فيما تترَك التربة جانبا. غير أنّ أحد الحرفيين كشف ل»المساء» أنّ تلك الكميات من التربة تقتنى، بدورها، من عين المكان وبأثمان بخسة لتنقل إلى مستودعات خاصة، ليتم خلطها -من جديد- بالرّمال قبل أن تباع للمنعشين العقاريين ولزبناء يُريدون إنجازَ أشغال معينة من بناء أو إصلاحات..
وكشف مختصّ في نقل الرمال لأزيد من 10 سنوات ل»المساء» أنّ بقايا الرمال غير النقية يُعاد خلطها في المستودعات، بعيدا عن الأعين، بالتراب الأبيض، والذي يسمى «بياضة»، فتعطي لونا أقربَ إلى الرمال النقية المقتناة من المهدية. وكان من الممكن ألا تصل تلك الحمولات إلى المُستودَعات لو كانت المراقبة مُشدَّدة في الطرقات، ما دام أنّ الشاحنات الناقلة للأتربة لا تتوفر على تصريح يُسلَّم عادة للشاحنة قبل مغادرتها المقلع، عكس المحملة بالرّمال النقية، والتي تتوفر -إن كان ذلك بشكل قانوني- على تصريح يُحدّد اسم المقلع ومكانه وصاحبَ البضاعة المقتناة وكميتها بالمتر المربع.. وهنا تتداخل مسؤولية وزارة التجهيز والنقل والسّلطات العمومية وشرطة المرور والدرك الملكي أيضا، الذين أصبحوا يحرصون على التعرف فقط على مصدر تلك الرّمال، بعد توالي عمليات سرقة الأخيرة ونهبها من أماكن محظورة، كبعض الوديان والشواطئ.
حسب عارفين بتجارة الرمال، فإنّ الرمال غير النقية، أو ما قد يصطح عليها ب«المغشوشة» عادة ما تباع ب4 آلاف درهم، أيْ بثمنٍ أرخص من أثمنة بقية الأنواع، لكنها حسب المصدر ذاته قد تباع بالثمن نفسِه الذي تباع به الأنواع الأخرى من الرمال، وهو الفارق الذي يُغري بالبحث عن زبناء لبيعها لهم والاستفادة من مَبالغ قد تصل إلى 1000 أو 2000 درهم في الرّحلة الواحدة، بل وأكثر..
سواء في حي الألفة أو عين الشق أو حي البرنوصي أو في طريق مديونة.. يبيع أغلب باعة الرمال في مستودعاتهم تلك النوعية المغشوشة وغيرَ النقية من الرمال، وتبيّن نظرة واحدة بالعين المجردة أن الرمال أنواع، إذ يختلف لون الواحدة عن الأخرى، نظرا إلى وجود جرّافات مختصة تقوم بخلط الرمال بالأتربة في «الكلساتْ»..
قال أحد المنعشين العقارين إن جل التجزئات السكنية التي خُصِّصت لإيواء دور الصفيح بُنيت بتلك النوعية من الرمال المغشوشة، سواء في حيّ الرحمة أو الغفران، وليس ذلك فقط، فحتى المنازل التي تكلف منعشون ببنائها للأسر بعد حصولها على بقع أرضية كمقابل عن ترك أحياء الصّفيح بُنيت بالرمال المغشوشة ذاتِها، لكنّ درجة «نقائها» تتباين واستعمالاتها تتفاوت، وغاليا ما يتم تفادي استعمالها في الأساسات أو الأعمدة، وتُخصَّص في الغالب للحيطان والواجهات، وذلك ما يفسر سهولة تشققها ووجود ثقوب فيها، عكس المباني القديمة، مثلا، أو التي تستعمل رمالا نقية وتحترم المعايير المعمول بها في خلط مكونات الخرسانة.
يعرف البناؤون تلك النوعية من الرمال ويُميّزون بين الرديء المغشوش وبين الجيّد النقي، لكنهم يضطرون إلى إنجاز الأشغال باستعمالها، فغالبا ما تستعمَل هذه النوعية في الحيطان فقط، أما في الأساسات فيتم تجنب استعمالها فيها، وفق أحد البنائين، قال إنهم كثيرا ما ينصحون زبناءهم بالابتعاد عنها، لكن كثيرين ينصاعون لأوامر المُنعشين العقاريين الذين يتحملون اختيار نوعية وجودة المواد المُستعمَلة في البناء.
لا ينفي المتخصّص ذاته أنّ استعمال الرمال غير النقية قد يتسبب في تشققات للعقارات المُشيَّدة بها، على المدى القصير أو المتوسط. وقد تؤدي إلى انهيار أجزاء منها على المدى البعيد، مشيرا إلى أنّ الأتربة تؤدي إلى تآكل الحديد المُستعمَل في الأعمدة، مثلا، وتؤدى إلى صدئها وتسبب لها الهشاشة.. وهو ما يفرض مراقبة الأوراش مراقبة صارمة حتى لا تسبب في كوارث وتشكل تهديدا لحياة قاطني البيوت. والرمال غير النقية، حسب أحد المهندسين شبيهة برمال الوديان، فهي لا تصلح -في نظره- سوى لتكسية الواجهات، أما استخدامها في البناء فيشكل خطرا على قاطني المباني التي تُشيَّد بها، بسبب «انتفاخها»، على المدى البعيد، وظهور تصدّعات تتسبب في انهيار البناء.
عربات مجرورة لنهب الشّريط السّاحلي
«مافيا الرمل».. أقلّ ما يمكن أن يوصَفَ به مجموعة أصحاب شاحنات وافدين من مدن قريبة من الدار البيضاء، كسطات وبرشيد، لنقل الرمل وبيعه إما للمواطنين أو لأصحاب «الكلسات» بطرق ملتوية، حيث يشتري صاحب الشاحنة حمولة الرّمل لفائدة شركات كبيرة معروفة ببناء تجزئات السكن الاقتصادي، ثم يأتي بحمولته إلى منطقة ال17، التي تقع بين الدار البيضاء والمحمدية، ويقوم بإنزال نصف الحمولة في هذه المنطقة، ويذهب بالنصف الثاني إلى المشروع السكني الذي تشرف عليه الشركة المعروفة.. علما أنه يبيع النصف كأنه حمولة كاملة نظرا إلى أن الرمال نظيفة ويستعملها أصحاب «الكلسات» لخلطها مع التراب ومواد أخرى..
رحلة النصب والاحتيال، التي تبدأ مع مطلع الفجر، بانطلاق شاحنات فارغة يرتدي سائقوها «ثوب البراءة»، إلى مقالع رمال في القنيطرة، وتنتهي في طريق ال17 أو الهراويين، فكل سائق بالشبكة يقوم بعمل مزدوج، أحدهما ظاهري، وهو الذهاب إلى مقالع معروفة لنقل الرّمل بناء على مشروع بناء للشركات الكبيرة أو القطاع الخاص، والعمل الآخر خفي وسري، وهو صلب عمل السائقين، ويتمثل في نقل حمولة الرّمال إلى المواقع في الهراويين أو منطقة ال17 لتفريغ نصف الحمولة على الأرض، ثم التوجّه إلى موقع مشروع البناء، أيا كانت جهته، وتفريغ النصف الآخر للحمولة هناك، و»إيهام» القائمين على المشروع بأنّ الحمولة كاملة وليست نصفها..
الشكل الآخر للمافيات يبدو في الشّريط السّاحلي للدار البيضاء، والذي تحول في الآونة الأخيرة إلى «مقالعَ» جرّاء الحفر العشوائي الكبير بسبب الحمولات المُستخرَجة يوميا منه، والمُقدَّرة -حسب مصادر متطابقة- بعشرات الأمتار المكعَّبة من التربة من طرف سارقي الرمال، حيث يتم إفراغ الكميات المنهوبة بواسطة العربات المجرورة بالأحصنة في مستودعات سرية في أطراف المدينة، تابعة للمدار الحضري لمدينة الدار البيضاء.. إذ يقوم أصحاب هذه المستودَعات، حسب المصادر ذاتها، بخلط الرمال المسروقة برمال مقالع البحر، التي يشترونها بصفة قانونية ليُعاد شحن الرمال المختلطة عبر شاحنات تقوم بنقلها من المستودعات لبيعها داخل المدينة وخارجها.
وأشارت مجموعة من فعاليات المجتمع المدني والحقوقي في المدينة، في تصريحاتها للجريدة، إلى أنّ ظاهرة سرقة الرّمال استفحلت خلال المدة الأخيرة بشكل مُلفت بإيعاز من بعض تجار مواد البناء، الذين استغلوا ظروف بعض أصحاب العربات المجرورة لنهب رمال شواطئ قريبة من «طماريس 3» ليلا، بشكل غير قانونيّ وخارج المساطر القانونية، الأمر الذي أدى إلى الانتشار العشوائيّ للحفر على طول رمال الشاطئ، وساهم في التدهور البيئي الخطير الذي تعرّضت له المنطقة وما تزال، وأصبح يهدد بكارثة بيئية، حسب ما جاء في التصريحات نفسِها، التي أضاف أصحابها أنّ الوضع أصبح يتطلب تدخلا عاجلا من طرف الجهات المسؤولة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد للاختلالات المسجَّلة، ووقف النزيف الذي تتعرّض له الثروات الرملية من نهب واستغلال.. لم يعودا حكرا على منطقة مُحدَّدة، بل تجاوزا مساحات في مناطق أخرى على طول الشريط الساحلي للدار البيضاء، وضرورة اعتماد الصرامة والحزم والمحاسبة في حق كل من ثبت تورّطهم في الاستغلال غيرِ المشروع للرمال ليكونوا عبرة للآخرين.
نهب رمال شواطئ البيضاء
لم تنفع فصول القانون، التي تجرّم نهب رمال البحر، من خلال مُصادَرة ممتلكات ووسائل الجهات التي تقوم بعملية السّرقة، فضلا على غرامات مالية مرتفعة، تتمثل في 500 درهم عن كل متر مكعب من الرمال المنهوبة، في منع المافيات من الاستمرار في نهب الرّمال البحرية وإعادة خلطها بأخرى، إذ ما زال استغلال الثروات في نواحي الدار البيضاء متواصلا، رغم ما يسببّه في خسائرَ على حساب التوازن البيئي.
وقدّرت مصادر مطلعة حجم الخسائر التي يتكبّدها المغرب جراء نهب الرّمال بطرق غير قانونية بخمسة مليارات درهم سنويا، إضافة إلى إلحاق خسائر فادحة بالتوازن البيئي.
وكشفت مصادر حقوقية أنّ استغلال الرمال بشكل غير مشروع يحرِم خزينة الدولة من مَبالغ مالية مهمّة، قدّرتها بخمسة مليارات درهم سنويا، مشيرة إلى وجود لوبيات اعتادت النهب على امتداد مئات الكيلومترات من رمال شواطئ الدار البيضاء. ولم تُخفِ المصادر نفسها أنّ ما هو مُصرَّح به في استهلاك قطاع البناء مثلا من الرمال يناهز 9 ملايين متر مكعب، تستخرَج من المقالع المرخَّص لها، ومن الأودية والمنحدرات الرملية، لكنْ في الواقع يستهلك قطاع البناء حوالي 20 مليون متر مكعب من الرمال، مشيرة إلى أنّ اللوبيات واصلت الاستفادة مما يتم نهبه بشكل مدروس ومُنظم.
وأوضحت المصادر ذاتها أنّ خطورة الموقف أصبحت تفرض تدخلا حازما، علما أن حالة التلبس أصبحت حقيقة بالنسبة إلى عدد من المُستفيدين من عائدات الرّمال، في غياب معايير شفافة توضح مجال استغلال ثروات الرّمال، مشيرة إلى أنه رغم حصول الدولة على الضرائب من استغلال الرّمال، فإنّ ذلك لا يُعوض الخسارة البيئية والمالية للدولة.
واعترفت المصادر نفسها بأنّ السلطات بذلت، في الآونة الأخيرة، مجهودا لمواجهة هذه المافيات للحد من نهب هذه الثروات الطبيعية، إلا أنّ ذلك لا يمنع من استغلال ناهبي الرمال للعامل الجغرافي للإفلات من المراقبة، إذ يواصلون عملهم في شواطئ البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وفي المنحدرات والكثبان الرملية.
وسبق لمجلس الحكومة أن صادق على مشروع قانون يقضي بتجريم أفعال نهب وسرقة الرّمال من الشواطئ ومن الكثبان الرملية الساحلية وأماكنها الطبيعية. ويتوخى المشروع تعزيزَ الطابع الرّدعي للعقوبات، من خلال إقرار العقوبات السالبة للحرية، الواردة في الفصل ال517 من مجموعة القانون الجنائي على فعل سرقة الرّمال من الشواطئ والكثبان الرملية الساحلية، والتي يصل حدها الأقصى إلى خمس سنوات، وكذا تشديد العقوبات المالية (500 درهم عن كل متر مكعب من الرّمال المسروقة)، والتنصيص على إمكانية مصادَرة المحكمة الآلات والأدوات والأشياء المُستعمَلة في ارتكاب الجرائم أو التي تستعمَل في ارتكابها لفائدة الدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.