غش و جشع واتجار في مصير حياة الآدميين…. تلك خلاصة ما يمكن استنتاجه من فضيحة جديدة لم تتم إماطة اللثام عنها وقد تسبب في مآسي انسانية لا قدر الله، ولا أحد بمقدوره الحديث عنها في ظل تواطؤ بين العارفين بها وبين من تنطوي عليه الحيلة، لكن النتيجة واحدة وهي تهديد حياة المغاربة وغش كثير منهم في بناء أعشاش حياتهم. جني الأموال الطائلة يعمي بصيرة تجار وبائعي نوعية غير نقية من الرمال وإن على حساب حياة المغاربة. ارتفاع أثمان الرمال المخصصة للتعمير دفع الكثيرين لترويج نوعية غير نقية منها رغم كونها قد تهدد البنايات بالتصدعات والتشققات على المدى المتوسط وانهيارات على المدى البعيد. شقوق تغزو حائط بناية إقامة لم يمض على تشييدها غير أسابيع. بناية أخرى وسط العاصمة الإدارية على نفس الحال. بنايات عديدة في العاصمة الإقتصادية تعرف تصدعات وتشققات… الكثيرون يعتبرون الأمر عاديا، لكن العارفين يقولون غير ذلك، بل يحذرون من مآسي لا قدر الله. قاطنو السكن الإجتماعي والمخصص لإيواء دور الصفيح بمختلف التجزئات السكنية يفاجئون بتصدعات وشقوق في حيطان شققهم، وذات الأمر حتى بالنسبة للسكن المخصص لطبقات متوسطة في أحيان أخرى، بل في مشاريع لبناء مؤسسات عمومية حتى المدارس منها. لكن ما السبب يا ترى ؟ وهل ذلك أمر عاد؟ أم نتيجة عمليات غش؟ حسب أحد مهندسي مكتب الدراسات، فإن عوامل عديدة يمكن أن تكون سببا في التشققات السريعة في المباني. أولها عدم احترام الكميات الواجبة في الخرسانة من اسمنت مسلح وحجم الحديد وكذا الرمال لكن أيضا نوعيتها وجودتها. ويضيف المهندس ذاته، وهو الذي خبر سوق العقار بالمغرب لسنوات إن ِ «الإسمنت عادة ما يستهلك في السوق بسرعة فائقة ولا تنتهي مدة صلاحيته ويصعب الغش فيه لأن الشركات التي تنتجه معدودة»، ويضيف أنه من غير المستبعد أن يكون ذلك نتيجة غش في الرمال أو ما يسمى في لغة الإختصاصيين استعمال الرمال غير النقية، لكن كيف ذلك؟ من المقلع إلى «الكلاسات» جل بنايات الميترويول الإقتصادي بنيت برمال مصدرها مقالع بمنطقة الصويرية نواحي المهدية أو أزموروالقنيطرة، لكن رمال هذه الأخيرة يكثر الإقبال عليها بجودتها ونقائها. في تلك المقالع تتم تصفية وتنقية الرمال لتصبح خالية من الأتربة أو ما يسمى «الرمال النقية» قبل أن تنقل إلى وجهتها سواء إلى مواقع الأشغال أو مكان الإحتفاظ بها وتجميعا قبل البيع. في غابة قرب القنيطرة يتواجد مقلع عرف بكونه من أهم مقالع الرمال ذات الجودة العالية. بعد أن تتم تصفية الرمال من الأتربة خاصة من نوع الحمري يتم بيعها للزبناء بالجملة، فيما تترك التربة جانبا. لكن كشف لنا أحد الحرفيين أن تلك الكميات من التربة تقتنى بدورها من عين المكان وبأثمان بخسة لتنقل إلى مستودعات خاصة ليتم خلطها من جديد بالرمال قبل أن تباع للمنعشين العقاريين ولزبناء يريدون انجاز أية أشغال من بناء أو اصلاحات. الحرفي ذاته كشف أن بقايا الرمال غير النقية يعاد خطلها في المستودعات بعيدا عن الأعين بالتراب الأبيض والذي يسمى «بياضة» فتعطي لونا أقرب إلى الرمال النقية المقتناة من المهدية. وكان من الممكن أن لا تصل تلك الحمولات إلى المستودعات لو كانت المراقبة مشددة في الطرقات، مادام أن الشاحنات الناقلة للأتربة لا تتوفر على تصريح يسلم عادة للشاحنة قبل مغادرتها المقلع عكس المحملة بالرمال النقية والتي تتوفر إن كان ذلك بشكل قانوني، على تصريح يحدد اسم المقلع ومكانه وصاحب البضاعة المقتناة وكميتها بالمتر مربع، وهنا تتداخل مسؤولية وزارة التجهيز والنقل والسلطات العمومية وشرطة المرور عبر مختلف نقط المرور والرك الملكي أيضا. تلك جهات غالبا ما تحرص على التعرف فقط على مصدر تلك الرمال بعد توتر عمليات سرقة ونهب الرمال من زماكن محظورة كبعض الوديان والشواطئ. قبل سنوات وقبل تنامي سوق العقار في المغرب وفي المدن الكبرى بالخصوص، كانت الشاحنات المحملة بتلك النوعية من الرمال لا تتحرك سوى تحت جنح الظلام، لكن الان أصبحت تنقلها ليل نهار، بل وبدون التوفر على رخصة من السلطات المعنية. تلك الشاحنات تنقل الرمال الغير النقية دون أن يتوفر سائقوها على وثيقة تبين مصدرها ليسهل التعرف على نوعيتها ومدى احترام صاحبها للإجراءات القانونية. التراب الأبيض أو ما يسمى «بياضة» يعطي للتربة المخلطة بالرمال نفس لون هذه الأخيرة وهي التي يسمونها « بالشنوية» وأخرى «تيري بيري» نتيجة نفس العملية أي الخلط بنوع آخر من الأتربة. رمال الصويرية نواحي آسفي بدورها لونها أقرب إلى الأصفر وبعد خلطها بتربة الحمري تشبه تماما لون رمال المهدية القريبة من اللون الأصفر. بمقالع نواحي أزمور أيضا هناك ثلاث أنواع منها الرمال العادية ورمال شبه مخلطة بالتربة، وأيضا الأتربة ويقام بنفس العملية أي الخلط بالأتربة للغش في الرمال والتحايل على المستهلك، لكن لماذا تسلل الغش لتجارة الرمال؟ جشع بائعي الرمال يصل ثمن 30 متر أي حمولة شاحنة كبيرة من رمال الصويرية الخاصة بالبناء إلى 8 آلاف درهم، فيما رمال القنيطرة والمهدية تباعان بثمن يتراوح ما بين 6آلاف و7 آلاف درهم، فيما رمال «أزمور» فتباع بثمن أقل عادة أي 5آلاف درهم، بينما تباع رمال من مناطق آخرى حسب الوزن من 10إلى 30 متر. ذلك التباين في الأثمنة مرده تفاوت الجودة والنقاء حسب معايير محدد علميا. حسب عارفين بتجارة الرمال، فإن الرمال المخلطة غير النقية أو ما قد يصطح عليها ب«المغشوشة» عادة ما تباع ب 4آلاف درهم أي أقل من أرخص الأنواع، لكنها حسب المصدر ذاته قد تباع بنفس الثمن الذي تباع باقي الأنواع من الرمال، وهو الفارق الذي يغري بالبحث عن زبناء لبيعها لهم والإستفادة من نبالغ قد تصل لألف وألفي درهم في الرحلة الواحدة بل وأكثر. سواء في حي الألفة أو عين الشق أو حي البرنوصي وفي طريق مديونة أغلب باعة الرمال في مستودعاتهم يبيعون تلك النوعية المغشوشة وغير النقية من الرمال. الأحداث المغربية، قامت بزيارة ميدانية لبعض المستودعات والتقطت صورا عنها، لكن دون معرفة أصحابها، وتبين أن هناك فعلا أنواعا من الرمال انطلاقا من الملاحظة بالعين المجردة، يختلف لون الواحدة عن الأخرى، كما وقفت على وجود جرافات تقوم بخلط الرمال بالأتربة في «الكلاسي». يفشي أحد المنعشين العقارين سرا كبيرا، وهو أن جل التجزئات السكنية التي خصصت لإيواء دور الصفيح بنيت بتلك النوعية من الرمال المغشوشة سواء بحي الرحمة أو الغفران، ليس ذلك فقط فحتى المنازل التي تكلف منعشون ببنائها للأسر بعد حصولها على بقع أرضية كمقابل عن ترك أحياء الصفيح بنيت بذات الرمال المغشوشة، لكن درجة نقائها تتباين واستعمالاتها تتفاوت، وغاليا ما يتم تفادي استعمالها في الأساسات أو الأعمدة، وتخصص في الغالب في الحيطان والواجهات، ذلك ما يفسر سهولة احداث ثقب فيها أو هدمها عكس المباني القديمة مثلا أو التي تستعمل رمالا نقية وتحترم المعايير المعمول بها في خلط مكونات «الخرسانة». البناؤون «لمعلمين د البناء» يعرفون تلك النوعية من الرمال ويميزون بين الردئ المغشوش وبين الجيد النقي، لكنهم يضطرون لانجاز الأشغال باستعمالها، يقول المعلم عبد الله في هذا الإطار« غالبا ما تسعمل هذه النوعية في الحيطان فقط أما في الأساسات فيتم تجنب استعمالها فيها»، ويضيف أنهم كثيرا ما ينصحون زبناءهم بالإبتعاد عنها»، لكن كثيرين، يضيف ينصاعون لأوامر المنعشين العقاريين الذين يتحملون اختيار نوعية وجودة المواد المستعملة في البناء. البحث عن جني أموال الفارق بين الرمال النقية والمخلطة يدفع البعض من تجارها للتحايل على زبنائهم خاصة الذين لا علم لهم بنوعية تلك الرمال وعدم معرفتهم وقدرتهم على التمييز بين النقي منها والمغشوش، لكن منهم من يقتنيها وهو على علم بذلك. لكن الأكيد كما يؤكد كثير ممن التقت بهم الأحداث المغربية أن الرمال الغير النقية أصبحت تسعمل في مختلف الأوراش لأنها رخصية الثمن وتكلفتها أقل من غيرها وإن كانت قد تسبب في مخاطر محدقة بحياة البشر. الخطر المحدق في المختبر الوطني للتجارب والدراسات يعكف المهندسون المتخصصون في الخرسانة على متابعة المشاريع العمومية، يقول أحدهم فضل عدم الكشف عن هويته إن « المشاريع التي تنجزها المؤسسات التابعة للدولة لا يمكنها استعمال سوى الرمال النقية مادامت تخضع لمراقبة صارمة»، مضيفا أن «الغش الذي يرصد في هذا المجال يتجلى في الغش في الخرسانة وعدم مطابقتها للمعايير المعمول بها». ويشيف أن الرمال ليست سوى أحد مكونات الخرسانة أو «البيطون» إلى جانب الكرافيت والسيما والرمال ، وقال إن الرمال إدا لم تتوفر فيها المعايير العلمية المعمول بها، فإنها قد تتسبب في مضاعفات لكن ليس لوحدها، موضحا أن الإكثار من المياه مثلا قد يؤثر على قدرة البيطون على المقاومة، وبالتالي ظهور التشققات في البنايات». ويقول المتخصص ذاته أن هناك معايير محددة يجب احترامها في خرسانة البناء، وهو ما تتكلف مكاتب الدرسات بمراقبته بناءا على معايير علمية، لكنه يقول أنه لا يجب التهوين منها. لا ينفي المتخصص ذاته أن استعمال الرمال غير النقية قد يتسبب في تشققات للعقارات المشيدة بها على المدى القصير أو المتوسط، وقد تؤدي إلى انهيار أجزاء منها على المدى البعيد خاصة أن الأتربة تؤدي إلى تأكل الحديد المستعمل في الأعمدة مثلا وتؤدى إلى صدئها وتسبب لها في الهشاشة. ذلك ما يفرض مراقبة الأوراش مراقبة صارمة حتى لا تسبب في كوارث وتشكل تهديدا لحياة قاطني البيوت. كثيرة هي الإقامات السكنية على سبيل المثال التي عرفت شقوقا وتصدقات بمجرد الإنتهاء من بنائها، ذلك ما يثبت أن استعمال الرمال غير النقية أثناء التشييد. العديد ممكن اقتنوا شقا سكنية أو حتى بنايات مخصصة لأغراض أخرى يضطرون لمعاودة كثير من الأشغال لاخفاء تلك التشققات. الرمال الغير النقية شبيهة، حسب أحد المهندسين برمال الوديات، كما يقول أحد المهندسين، فهي لا تصلح في نظره سوى لتكسية الواجهات، أما استخدامها في البناء فيشكل خطرا على قاطنييها، بسبب انتفاخها على المدى البعيد، وظهور تصدعات تكون نتيجتها انهيار البناء». ارتفاع أسعار الرمال المستعملة في التعمير بعد تنامي سوق العقار والتي وصلت 200 درهم للمتر مربع مؤخرا شجع على تنامي التهريب ونهبها من أماكن غير مرخص بها، بل شجع أيضا بيع الرمال غير النقية أو المغشوشة والغير المتوفرة على المعايير المعمول بها، ناهيك عن تشجيع الخروقات المرتبطة بالاستغلال المفرط والعشوائي للمقالع والإضرار بالبيئة. المقاولين والمنعشين العقاري أصبحوا يتخوفون من استمرار تلك الزيادات التي ينضاف إليها أيضا زيادة 26 درهم كضريبة إضافية على كل متر مكعب. ذلك قد يوثر على أثمنة العقار المعد للطبقات الدنيا والمتوسطة، بل أيضا قد يشجع على اللجوء للتحايل واستعمال الرمال غير النقية أو تشجيع الرمال المعروضة في السوق السوداء مع ما يكتنف ذلك من مخاطر، وهي المخاطر ذاتها التي لا يجب التقليل منها بخصوص البنايات وما قد يشكله ذلك من تهديد للأرواح البشرية..