جهة الغرب الشراردة بني احسن نموذجا كثر الحديث في الآونة الأخيرة, عن هذا الموضوع الشائك والذي يشكل إحدى مظاهر الإقصاء والتهميش التي تعاني منها المرأة القروية عموما, والسلالية بالخصوص, حيث تفشت ثقافة نكوصية تمييزية, تكاد تنعت المرأة بالمواطنة من الدرجة الثانية, وهذا ما يكرسه الموروث الشعبي، بل ينقله بأمانة كما تناقلته الأجيال، من خلال المرددات الآتية: (المرأة حاشاك، ياكلو الرجال ولي شاط اعطيواه للعيالات، لمرا غي مرا، اسمع لكلامها وما تديرش برايها..)؛ كما أن المرأة نفسها تكرس مبدأ الذكورية ببلادنا، فهن اللواتي يزغردن حينما تلد الحامل مولودا ذكرا, ويطبقن الشفاه كلما رزقت بطفلة. هذا غيض من فيض قارة الشقاء، وسوف لن نسبر أغوارالسوسيولوجيا القروية حتى لانتيه في سراديبها, وسنركز على وضعية المرأة السلالية بجهة الغرب الشراردة بني أحسن سيما وأن هناك قواسم مشتركة مع باقي أقاليم المملكة ذات الطبيعة العقارية المتشابهة. الأراضي السلالية.. تعريف وأشكال الأراضي السلالية هي ما يعرف بالأراضي الجماعية أو أراضي “الجموع”. تمتلكها بصفة جماعية مجموعات من السكان المنتمين لأصل واحد وسلالة واحدة “لعظم أو الفخذة”. ويرجع أصل هذه الأراضي إلى عصور قديمة, حيث أن ظاهرة الهجرة من مكان إلى آخر بحثا عن الماء والمجالات الرعوية, كانت تتم بشكل جماعي نظرا لظروف الأمن وطبيعة الاقتصاد المغلق. ولم تقتصر هذه الظاهرة على المغرب فقط, بل توجد في عدة بلدان عربية أخرى كتونس والجزائر والعراق وسوريا التي عرفت هذا النمط قبل الميلاد, حيث وردت إشارات في قانون حمورابي الآشوري تدل على تطبيق نظام عقاري جماعي بالمنطقة. كما أن أوروبا عرفت هي الأخرى هذا النظام. أما الجذور التاريخية للملكية الجماعية بالمغرب فتعود, حسب بعض الباحثين، إلى ما قبل ظهور الإسلام. ومنذ ذلك العهد وحتى نهاية القرن 19 والمغرب يعرف ثلاثة أشكال من الأراضي الجماعية: أ- أراضي النايبة: وهي الأراضي التي يؤدي مستغلوها خراجا أو ضرائب (بيت المال) وتتواجد هذه الأراضي في المناطق الساحلية والسهول, وقد اندثر هذا الصنف. ب- أراضي الكيش: وهي أراضي موات سلمها المخزن إلى بعض المجموعات قصد استغلالها مقابل خدماتهم في صفوف الجيش السلطاني. ج- الأراضي الجماعية الأصلية: وهي تلك التي تتصرف فيها الجماعة وسلالاتها تصرف المالك في ملكه بدون أي خراج أو ضريبة. وقد ظلت هذه الأراضي تستغل حسب الأعراف لدى كل قبيلة حتى نهاية القرن 20, حيث أصبح من الضروري وضع قانون يهدف إلى تحديد هذا النوع من العقارات وضبط العلاقات بين مستغليها, فجاء الظهير الشريف المؤرخ في 26 رجب 1337ه موافق ل 27 أبريل 1919م، الذي يعتبر ميثاقا للأراضي الجماعية. توزيع الأراضي السلالية.. الحقوق والأعراف المرأة والأرض توأم سيامي, تجمع بينهما أكثر من دلالة, فهما رمز الخصب والعطاء, يقتسمان صفة الأمومة وما تحمله من عطف وحنان, إلا أن الأعراف جعلت من الأرض جحودة متنكرة لهذه العلاقة الحميمية, حيث تحرم المرأة من نصيبها في عملية التوزيع في زمن بدأت المرأة تخطو خطوات جبارة وحثيثة نحو المساهمة في تسيير الشأن المحلي والإقليمي والجهوي والوطني, وأبلت البلاء الحسن, وأبانت عن علو كعبها حيث زاحمت الصناديد من الرجال. أما المرأة القروية فلا زالت تئن تحت وطأة التخلف وجور الأعراف والقوانين, فهي التي تسابق الديك في النهوض, وآخر من ينام, ويصل معدل ساعات العمل لديها بين (13و16ساعة) مقارنة مع معدل ساعات العمل لدى الرجال, وتصل فترات الراحة لديها ما يعادل (6 أو 8 ساعات) في اليوم, وتبقى المرأة السلالية المحظوظة هي الولود, ومفروض عليها أن تلد ذكرا – على الأقل- لتحصل على نصيب زوجها بعد وفاته, ولعل في هذا الأمر نوعا من التحايل على المرأة القروية, لأن الوريث هو الابن الأصغر حتى ولو كان قاصرا, ويظهر التحايل جليا حينما يتزوج هذا الابن «ويعزل» أي يسكن بمعية زوجته بعيدا عن الوالدة (المرأة الأرملة). أما العاقر وأم البنات فلا حظ لهما في ذلك باستثناء ترخيص تمنحه الجماعة باستغلال الأرض مدة سنة فلاحيه, وهو ما يعرف «بالعزو» أو العزاء, وتسلب بعدها لاعتبارها أرض هالك, توزعها الجماعة على المتزوجين الجدد من نفس الفخذة, وتختلف الأعراف من جماعة سلالية لأخرى, حيث أن هناك بعض الجماعات التي تحتضن حالات قليلة بتمتيعهن «بالمحطة» يعني الاحتفاظ بالسكن داخل رقعة ضيقة. ولعل هذا واضح بشكل جلي على صفحات الضابط المتعلق بتوزيع الأراضي الجماعية في الفصل الأول: «إن رؤساء العائلات يعني الرجال المتزوجين الجدد منذ ستة أشهر على الأقل أو الأرامل أفراد الجماعة اللواتي لهن ولد واحد ذكر على الأقل، لهن الحق في الحصول على حظوظ متساوية المساحة, اللهم إذا كان نوع التراب يؤدي بالجماعة أن تقررأن تكون الحظوظ الواقعة في التراب الجيد أصغر مساحة من الأخرى.» وغالبا ما تخضع عملية التوزيع لاعتبارات سياسوية, يسهر عليها الشيوخ وأعوان السلطة الذين يمارسون ضغوطات على نواب الجماعة السلالية, حيث يمارس الحيف على الرجال فبالأحرى النساء, فيحتفظ هؤلاء بأجود الأراضي, ويترامون على كثير من أراضي الهالكين, وذلك بمباركة اللوبي السلالي الذي يغيب القرابة ويحكم بمنطق الانتخابات, «فلان كان معنا وذاك نافسنا, بتواطؤ مع السلطات المحلية الوصية. وينتج عن هذا مشاكل اجتماعية لاتحصى, من قبيل الإسراع بتزويج القاصرين الذكور حتى يضمنوا لآبائهم الأراضي الشاسعة المترامى عليها في حالة ما تمت إعادة توزيع الأراضي, فيتزوج قاصر بقاصرة وينجبون أطفالا يشاركون آباءهم في اللعب. ما هي الأسباب التي تحول دون إنصاف المرأة السلالية؟ يجيب اللوبي الذكوري بمرددة شعبية :”خيرنا ما يديه غيرنا”، بمعنى أن الجماعة إذا أعطت المرأة نصيبها فقد تتزوج رجلا غريبا عن السلالة, حيث تكريس مفهوم مضمخ بالميز وهو “البراني” الخارج عن السلالة والمنتمي لإحدى القبائلالمجاورة أو البعيدة, مع العلم أن هناك بعض الجماعات التي تسن ضمن أعرافها استفادة البراني بالأقدمية الخدماتية داخل الفخذة أو”لعظم” كما هو الشأن بالنسبة لفقيه الدوار الذي يحصل على نصيبه من أرض “الخموس” وهي الأراضي الفائضة لدى الجماعة (اندثر هذا النمط لكثرة الطلب وقلة العرض)، حيث تستغل مصاريف المحصول لتغطية الشأن الديني بالقبيلة. وقد أفسدت الانتخابات حلاوة هذه الأعراف المتعلقة بالمساجد القروية, إذ أصبحت البوادي طوائف سياسية, تنحو منحى سياسويا في بناء المساجد, نموذج (دوار أولاد أحمودو بقبائل التوازيط الجنوبية, بجماعة عامر السفلية, ضواحي سيدي يحيى الغرب)، حيث انقسام القبيلة إلى شطرين واحدة تصلي بمسجد على ضفة نهرتيفلت اليمنى وأخرى بمسجد آخر على الضفة اليسرى, حيث تتم مراقبة المرتادين إليهما, في غياب تام لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية, مع العلم أن هذه المساجد لم تبن بمواصفات معمارية تضمن سلامة المصلين. السلطات الحكومية الوصية كانت وزارة الداخلية على عهد إدريس البصري تعتبر أراضي الجماعات السلالية ورقة سياسية لتوجيه والتحكم في الخارطة السياسية للعالم القروي, سواء على مستوى الانتخابات المحلية أو الإقليمية أوالجهوية أو البرلمانية, وذلك من خلال تحكم رجال السلطة في انتخابات أولية تهم نواب الجماعات السلالية, الذين يتم تعيينهم وفق الولاء لخطة المخزن, ضاربين بعرض الحائط المبدأ الديمقراطي المتأصل الذي يعطي الحق للقبيلة في اختيار النائب السلالي الذي سيدافع عن مصالحها ويحمي أراضيها، من أي اعتداء أو سلب أو ترامٍ من طرف اللوبيات التي فوتت لها أراضي ضدا على رغبة ذوي الحقوق، حيث اعتمد القواد على توقيعات النواب المعينين, مع العلم أن الكل أصبح ينادي بتجديد هذه المنظومة المتآكلة (نموذج الصراع الدائر بدوار أولاد بورحمة بجماعة عامر)، ناهيك عن أراضي صوديا وصوجيطا التي لا يعلم سكان الجوار كيف أصبحت تدار شؤونها بعدما كانوا عمالا نشيطين يتفيأون فيها ظلال البرتقال ذات زمن قريب؟.. وتبقى صلاحية تدبير شؤون السلالة للنائب الذي يسيرفخذة تضم أزيد من 200 خيمة (أسرة), ويعمل على خلق لوبي ضاغط من السلاليين- الأعيان- الذين يملكون الفائض من الأراضي, حيث أنهم مهددون ضمنيا من طرفه في أية لحظة, عبر مطالبتهم بنزع الفائض كلما تمرد أحدهم, فيضمن الولاء بهذه الفخاخ, ويحمل اللوبي اسم “الجماعة” الآمرة الناهية, والمرجع الأساسي لدى السلطات الوصية الذي تطرح عليه الأمور المستعصية, وتبقى الجماعة ذكورا وإناثا تحت رحمة هذا المدبر الجاثم على رقابها, تئن تحت وطأة جور العرف وغياب قوانين واضحة للإنصاف. نموذج لإدارة ترابية سلالية مصغرة.. قبائل التوازيط الجنوبية نموذجا الأب: شيخ القبيلة ابنه: عون سلطة بالدوار ابن أخيه: نائب جماعة سلالية بنفس المشيخة هذه المعادلة هي منتوج للسلطات المحلية على المستوى المحلي بجهة الغرب الشراردة بني أحسن, تزكي ما ذكرناه سالفا, وقد تتقاطع مع نماذج أخرى ببلادنا, وهي كفيلة باغتصاب أراضي من أهلها وتفويتها لأي كان لماذا تتجنب السلطات المحلية إعداد محاضر إبان التوزيع تقوم السلطات الوصية بالسهر على توزيع الأراضي السلالية, إلى جانب النواب, وتسطر حدود المستفيدين وفقا لأعراف تحدد المساحة, والجوار, ويبقى التقرير شفهيا لغرض في نفس يعقوب, إذ يخلو أرشيف القيادات من محاضر الإسناد, الشيء الذي يسهل على اللوبيات المذكورة سابقا التراجع عن عمليات التوزيع انتقاما لغير الموالين سياسيا لها, كما أن القائد يعتمد عليها بشكل رسمي, مما يسبب أضرارا بليغة لبعض ذوي الحقوق, ولعل محاكم الجهة ملآى بملفات أراضي الجماعات السلالية, حيث يتخبط الفلاح البسيط في مشاكل لا داعي لعرضها على أنظار المحاكم, بل تحتاج فقط, إلى تدبير جيد من طرف القواد. حالات التنافي: مستشارون بالجماعات القروية ونواب لجماعات سلالية تنتشر هذه الظاهرة بمختلف جماعات جهة الغرب الشراردة بني أحسن, حيث يجمع كثير من أعضاء المجالس بين صفة نائب جماعة سلالية ونائب جماعة قروية, وهنا نلاحظ قوة اللوبي السلالي جلية في المسار السياسي. الحلول لحل هذه المعضلة, يجب على الدولة, أن تتبنى سياسة شمولية للرقي بأوضاع المرأة القروية أو الحضرية, وذلك عبر سن قوانين تضمن لهما كرامتهما, والقضاء على الأعراف الجائرة التي وضعنا قطيعة معها في العهد الجديد, وكيف لنا أن نجحف في حق من وضع الله سبحانه وتعالى الجنة تحت أقدامهن؟ لقد استبشرت النساء السلاليات خيرا نهاية سنة 2010 بإصدار وزارة الداخلية لدورية تعطي للمرأة حق الانتفاع, كخطوة أولى, لكنها غير كافية, إذ ينتظرن إنصافا بحجم الاستفادة من حقهن في الأرض إسوة بالرجل, إخمادا لمجموعة من المشاكل التي تحول دون تنمية العالم القروي, وقد عاشت الجهة موجة من الاحتجاجات, قادتها نساء سلاليات: الحدادة وسيدي الطيبي بإقليم القنيطرة, اللواتي يعانين من سوء تطبيق الدورية الأخيرة. كما يجب على وزارة الداخلية خلق مدونة أو ميثاق يضمن حقوق المرأة والرجل على السواء, ويعطيها حق تدبير شؤون الجماعة كنائبة سلالية، عوض احتكار الرجل لهذه الصفة, فكيف لا وهي الوزيرة حاليا والنائبة البرلمانية ورئيسة المجلس وعمدة المدينة، تسهر على تدبير شؤون الدولة بأعلى كفاءة ممكنة. * سلالي/ باحث في التراث الشعبي/ مهتم بالجماعات السلالية