الشاعر فاروق أسميرة انتحر قبل أن يناقش رسالته الجامعية إن من ينتحر ليس بالضرورة إنسانا يكره الحياة، بل إنه يحبها بشدة، غير أنه لم يجدها كما كان يتمناها. العديد ممن اختاروا أن يضعوا حدا لحياتهم تركوا رسائل ذات معنى بليغ، ومنهم من لم يترك أي رسالة، لكن انتحاره كان في حد ذاته خطابا . بليغا إلى من يهمه الأمر العديد من الأدباء والمبدعين المغاربة والعرب وجدوا أنفسهم ذات لحظة يأس . وإحباط؛ مرغمين على توديع الحياة رغم حبهم الشديد لها ضمن هذه الفسحة الرمضانية، سيرة لمجموعة من هؤلاء المعذبين على الأرض، إلى جانب نماذج من إنتاجاتهم الإبداعية، تكريما لأرواحهم الطاهرة انتحر سنة 1988 قبل أن يناقش رسالته الجامعية، وكان قد أصيب بأزمة نفسية عميقة إثر انتحار صديقه الشاعر عبد الله بوخالفة في نفس السنة. ولد الشاعر فاروق أسميرة في قرية الحامّة بوزيان بالجزائر. أنهى تعليمه الأوّلي في قريته، ثم التحق بمعهد الآداب واللغة العربية بجامعة قسنطينة وتخرج فيها سنة 1988، ثم واصل دراساته العليا لنيل الماجستير في جامعة الجزائر، لكنه انتحر قبل أن يناقش رسالته. عمل مدرسًا في المدارس الثانوية، كما كان يحاضر في قسم اللغات الأجنبية بجامعة قسنطينة. كان عضوًا في اتحاد الكُتّاب الجزائريين، وعضوًا في جمعية (الجاحظية) الثقافية بالجزائر العاصمة، ونشط من خلال فاعلياتها الثقافية، وقد انتمى إلى اليسار الجزائري ونشط من خلاله سياسيًا مع أبناء جيله. له قصيدتان منشورتان ضمن كتاب «ديوان الحداثة» وهما: «تجاعيد» و «تمائم غزلية»، وقصائد منشورة في صحف ومجلات عصره منها: «حيزبة والفارس الجوال» جريدة النصر، و«البرتقال» و«خبب الغزالة» – مجلة القصيدة. كما له عدد من المقالات النقدية والنظرية كان ينشرها في صحف ومجلات عصره، منها: دراسة بعنوان: «من الشعر إلى القصيدة» مجلة القصيدة، كما نشرت له دراسات في جرائد ومجلات أخرى منها: (النصر – الخبر – المساءلة – جسور). **** من قصائده الشعرية: تمائم غزلية أكلِّمها مثلما انبثق الوردُ من شوكهِ مثلما جاءتِ الأغنياتُ مثلما انهمرَ الشكُّ في نظرات الصغارِ وتهدَّمتِ الانطلاقاتُ خارج الأمكنهْ قد يشيخ الزمان المكفَّن في ليلهِ ساعةَ النورِ قد تتصدَّع أفئدةُ الكلماتِ ونحتاج للأنبياءْ قد نموت جميعًا على حافة الشوقِ لكننا سنظل بقايا دخانٍ نجيء مع الوردِ أو من شقوق الضحى نُعتِّق الأرضَ نستمطرُ الصَّبواتِ كيف تفتكُّ أصداءَها وتقلِّبُ أسرارَها وتعلِّق فوق مرايا الرؤى كلماتِ الجسدْ لا تزال دفاترها منهلَّةً بهجة الطرق المدلهمَّةِ أن تستبيح البناياتِ للبوحِ أن تستريح المغاورُ من حلمها أن تخضَّ العواطف أسوارَها أن يرشَّ البريق المسائيُّ أعماقَها لن أقاسمها الفرح العسْجديَّ المدَبَّجَ بالسُّهدِ بالطّوفان البعيدْ لن أجاورها في التلذّذِ بالظمأ العنفوانْ إنها الطعمُ واللونُ والرائحهْ. ***** خبب الغزالة متوحشٌ بالأطلسينِ مع الصخورْ ذاك الفتى الرمليُّ من زحف العصورْ الريحُ مزمار الظمأْ الجسمُ رائحةٌ ونور الأرضِ عاشقةٌ تهتزُّ من خَبب الغزالةِ واليمامْ هل يستوي هَوَسُ الجنون. *** حيزبة والفارس الجوال تغيبُ في الغمامِ دائمًا تغيب في الغمامْ لتتركَ البحارَ والمدنْ وتنجلي هناك في السماءْ هناك في “الليل الفسيحْ” يا أيها “المسيحْ” وكنت في ظلالك البيضاء راكضًا في هدأةِ الصلاةْ عيناك والثلوج والمشاعل الحزينه عيناك والحريق والشروقْ عيناك والشوق المطيرْ «هوميرُ» أنت في جبال «بومنتوش» تنسج الأفق غناء كوكبًا من ينابيع الجنونْ «هومير» والنايُ و«عود» القلب في يديكْ والهائم العذريُّ أنت في الأنينْ وماذا قلت للنخيل في «سطر الملوك» أيها «الطائر الولهانْ» ماذا قلت للبياض للقفار في «زواغي» الحجرة رقْمها «أربعة سبعة» صفراء بل سوداءْ بل تأتي عصافير الشتاءْ أصواتُها نجومْ والنار أجنحةٌ وماذا قلت حين جاء الريح؟ أيها الخليل جاء الريح بالهديرِ والرمادْ والحجرة السوداءْ و«الإزار» و«القميص» أبيضان والنخلة البيضاء باسمه وماذا قلت حين قُدْتَ العربات للجبالْ واحترقتِ الأحجبه فلترتمي إلى لباس «الأُفعوانْ» إلى ظلامك المريحْ يا أيها «المسيحْ» لن يختفي الغناء من جفوننا لن يختفي من الفضاء دهشةُ الطيورْ لن يختفي الجنونْ لن يختفي الجنونْ.