بلعيد الاكاف أو كما يسمى “فنيا” بلعيد العكاف، مؤلف وعالم موسيقى خريج المعهد العالي “تشايكوفسكي” بالاتحاد السوفياتي سابقا، ازداد بحي يعقوب المنصور بالرباط عام 1952 وسط عائلة متشبعة بموسيقى أحواش، حيث كان والده الذي ينحدر من سوس “رايس”، خاض مسارا طويلا في الموسيقى العصرية والغربية خلال مرحلة شبابه، قبل أن يقتحم غمار التأليف الموسيقى، ويخوض تجربة جديد في الموسيقى الأمازيغية العصرية رفقة مجموعة “أوسمان”، التي كانت أول مجموعة للموسيقى الأمازيغية العصرية في تاريخ المغرب. مساره غني بالمشاركات الدولية والمهام التي تقلدها على الصعيد الوطني، حيث بصم على مسار إبداعي متميز بالإضافة إلى مسار طويل في دروب الحياة طبعته حكايات كثيرة نسجها عبر سفرياته ببلدان مختلفة وعلاقاته مع مجموعة من الشخصيات السياسية والفنية والثقافية. في هذه السلسلة، تعيد “بيان اليوم” فتح “كتاب حياة” الفنان الأمازيغي والموسيقار العكاف، الذي أسس وساهم في تأسيس مجموعة من الفرق، التي اهتمت بالموسيقى بصفة عامة وبعضها الذي كان مختصا في الموسيقى الأمازيغية، كما شغل عددا من المهام في القطاع الثقافي وله مجموعة من المؤلفات باللغة العربية والأمازيغية والفرنسية. في هذه الحلقة يكشف العكاف عن ظروف تأسيس مجموعة “أوسمان” الأسطورة التي ستنقل الأغنية الأمازيغية إلى العالمية، بطريقة عصرية، لتكون بذلك تجربة متميزة، في مساره وعبره مجموعة من الفنانين الأمازيغي الذين سيؤسسون فرقا مشابهة فيما بعد.. فيما يلي الحلقة الثالثة: حينما عرض علينا الدكتور الخطيب مقر حزب الحركة الشعبية الدستورية للقيام بالتداريب الموسيقية سنة 1973 أنهيت مساري مع مجموعة ” The Candles ” التي كما ذكرنا كانت تهتم بالأغاني العصرية ومتأثرة بالموجة الغربية، والحقيقة أنها كانت تجربة جميلة، استفدنا منها الكثير والتقينا العديد من الشخصيات، وأذكر هنا أنه في مرحلة من حياة المجموعة، وبعدما لم نجد مكانا نتدرب فيه، عرض علينا الدكتور الخطيب الذي كان يرأس حزب الحركة الشعبية الدستورية التدريب بمقر الحزب بحي أكدال بالرباط مقابل أن نحيي الحفلات الافتتاحية خلال المؤتمرات التي كان ينظمها الحزب، وبالفعل قضينا سنتين تقريبا نتدرب بالمقر، قبل أن تنتهي التجربة. بعد نهاية مسار ” The Candles ” سنعمل في العام الذي يليه، أي 1974 على تأسيس مجموعة “أوسمان”، وجاءت فكرة التأسيس، بعدما فكر أعضاء الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، وهي بالمناسبة أول وأقدم جمعية أمازيغية في المغرب تأسست سنة 1967 بالرباط وحملت هم إعادة الاعتبار للهوية واللغة والثقافة الأمازيغية عبر العمل الثقافي، (فكر أعضاء الجمعية) في تبليغ الرسالة التي يحملونها عبر الأغنية، وذلك خدمة للقضية الأمازيغية وانتفاضة ضد تهميش اللغة والثقافة الأمازيغيتين، خصوصا وأن بعض الشباب من جيل تلك المرحلة المنحدرين من المناطق الأمازيغية، كانوا لا يفتخرون بهويتهم، ومنهم من يتنكر لها أو يحاول أن لا يظهرها، وهكذا تأسست “أوسمان” التي تعني “البرق” باللغة الأمازيغية، وكان يترأس المجموعة الأستاذ الراحل إبراهيم أخياط، الذي كان كاتبا عاما للجمعية المذكورة، إذ كان له الفضل حقيقة في تأسيس هذه المجموعة الأسطورة. ومع الأيام، اكتشفنا أن “أوسمان” ظهرت قبل وقتها بثلاثين سنة، وكان شعارها “الموسيقى شجرة تتغذى من التراث الشعبي الأصيل وتستنشق هواءها من التيارات الموسيقية الحديثة”، وكانت المجموعة تضم كل من الراحل عموري امبارك، بلعيد العكاف، سعيد بيجعاد، الراحل سعيد بوتروفين، اليزيد كورفي، طارق المعروفي، وجاء التأسيس بالعاصمة الرباط، حيث التقينا بالأستاذ الراحل أخياط واجتمع أعضاء المجموعة الذين كان بعضهم، هنا في الرباط، وأنا منهم، وعنصرين آخرين اللذين جاءا من أكادير والدار البيضاء. في البداية كنا نقوم بالتداريب الموسيقية بمنزل سعيد بيجعاد، وبعد ذلك خصص لنا الأستاذ ابراهيم أخياط، منزله لنقوم بتداريب مكثفة، ثم فيما بعد سيوفر لنا مكانا بشركة “فامام” لصناعة الأثاث الخشبي التي كان مسؤولا عنها، والجميل في مجموعة “أوسمان”، هو أننا كنا نغني بالمكونات الثلاث للغة الأمازيغية، أي تشلحيت، تمازيغت، وتريفيت، وهكذا كنا نرضي جميع الأذواق باللغة الأمازيغية وبنمط عصري سابق لأوانه في الحقيقة، إذ أنها أول مجموعة في تاريخ المغرب، وربما في تاريخ بلدان شمال إفريقيا التي تضم الأمازيغ، وأقصد هنا بالأساس الجزائر، تونس وليبيا، وكانت المجموعة السباقة إلى إنتاج الأغنية الأمازيغية العصرية بآلات عصرية. بعد تداريب مكثفة، شرعنا في البداية في تنشيط سهرات فنية خاصة بالرباط، ثم بعدها بدأنا نقوم بجولات في مناسبة خاصة، بكل من الدارالبيضاء، أكادير، الصويرة ومراكش، ثم بعدها على المستوى الوطني، حيث ذاع صيت المجموعة وحققت تفاعلا كبيرا مع الجمهور بعدد من المدن المغربية، لنصعد سنة 1975 ولأول مرة فوق خشبة مسرح محمد الخامس، حيث قدمنا أول عرض موسيقي، ولا أنسى أبدا، حينها، تفاعل الجمهور الذي ملأ جميع مقاعد المسرح، فمشاهد العرض ما تزال حية في ذاكرتي، وحققنا بكل صراحة نجاحا منقطع النظير، لنكون بذلك أول مجموعة أمازيغية تصعد على خشبة المسرح. توالت المشاركات على الصعيد الوطني، ووصلت أغاني المجموعة إلى قلوب الآلاف إن لم أقل ملايين المغاربة، فزاد التفاعل بشكل أكبر مع المجموعة، وأصبحنا نجول ربوع المغرب لإحياء السهرات والحفلات والمناسبات الخاصة، ثم بعد ذلك دخلنا غمار التسجيل، لنقوم سنة 1976 بإنتاج الأسطوانة الأولى من صنف 45 لفة، وتتضمن أغنيتين وهما “تاكنداوت” و”غساد ما يوفا وول”، ثم في نفس السنة سننتج الأسطوانة الثانية من نفس الصنف، وتتضمن “تيلّاس” و”ياغاغ إيريفي”. هذين الإنتاجين سيزيدان من شهرة المجموعة، خصوصا بعد مئات العروض الناجحة على مستوى جهات وأقاليم المغرب، مما سيجعل منها أيقونة للأمازيغية، خصوصا، وأننا استطعنا تحقيق هدف الجمعية وهدف تأسيس المجموعة، وهو مصالحة الشباب والأمازيغ بصفة عامة مع ثقافتهم وهويتهم، وبالفعل تغيرت نظرة الشباب لثقافتهم وهويتهم، وأصبحوا يتحدثون بلغتهم الأم ويدافعون عن قضاياها. شهرة المجموعة ستستمر، لتدخل غمار العالمية، كما سيهتم بالمجموعة شخصيات كبار، ومسؤولون بالدولة، وفي الحلقة القادمة، سأحكي كيف طلب الملك الراحل الحسن الثاني “أوسمان”، ومعها طريفة وقعت لمنتج الأسطوانتين السالف ذكرهما بسبب ذلك. إعداد: محمد توفيق أمزيان