لا أحد يستطيع إنكار دور مجموعة ''أوسمان''، التي ظهرت في بداية السبعينيات من القرن الماضي، في تطوير الأغنية الأمازيغية وذلك من خلال إدخالها الآلات الحديثة، والقيثارة والكمان، والأكورديون، والمقامات الموسيقية الحديثة، التي أوصلت المجموعة إلى مسرح "الأولمبيا "الشهير بباريس، حيث تألق أعضاؤها، وشقوا طريقهم في عالم الفن، خصوصا عموري امبارك، الذي كان من أبرز وجوه المجموعة، فمن هو هذا الفنان الأمازيغي الأصيل والمجدد؟ وكيف بدأ مساره الفني؟ ولد الفنان المغربي عموري مبارك سنة 1951 في بلدة ايركيتن، بتارودانت، التي قضى بها طفولة قاسية، بين جدران إحدى المؤسسات الخيرية. بعد معاناة تحمل خلالها مشاق الحياة ومتاعبها، بدأ عموري مساره الفني رفقة مجموعة "سوس فايف"، التي كانت تؤدي إضافة إلى الأغاني الأمازيغية، أغاني بالفرنسية والإنجليزية. بعد ذلك التحق عموري بالعمل الجمعوي من خلال انخراطه في الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، التي كانت وراء تأسيس مجموعة "ياه"، التي ستحمل ابتداء من سنة 1975 اسم مجموعة "أوسمان"، التي يمكن اعتبارها أول مجموعة أمازيغية تدخل عالم المجموعات بالمغرب، إلى جانب مجموعات ناس الغيوان، وجيل جيلالة ولمشاهب. كانت مجموعة "أوسمان"، التي ضمت كلا من عموري مبارك، وسعيد بيجعاض، وبلعيد العكاف، واليزيد قرفي، وسعيد بوتروفين، وطارق المعروفي، وإبراهيم أخياط، والصافي مومن علي، كمؤطرين، كانوا ينتمون إلى قبائل سوسية مختلفة، بمثابة البداية الحقيقية لمسار الفنان عموري مبارك، الذي لعب دورا بارزا في إرساء قواعد الأغنية الأمازيغية العصرية، من خلال العديد من الأعمال، التي شارك بها في العديد من الحفلات سواء داخل المغرب أو خارجه. يقول الباحث الأمازيغي أحمد الخنبوبي في كتابه "المجموعات الغنائية العصرية السوسية" "كانت إرادة أعضاء الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، منذ تأسيسها عام 1967 ملحة في لعب دور أساسي من أجل تطوير الموسيقى الأمازيغية، وإخراجها من طابعها التقليدي والكلاسيكي، المتمثل في نمطي "الروايس" و"أحواش" بمختلف تجلياته إلى النمط العصري. وكان لقاء إبراهيم أخياط، رئيس الجمعية بالفنان عموري مبارك، في بداية السبعينيات صدفة، في أحد الأعراس بمدينة تيزنيت، حيث اكتشف أخياط أن التصور، الذي وضعه أعضاء الجمعية الثقافية، لتطوير الأغنية الأمازيغية وعصرنتها، متجسد في الشكل الغنائي، الذي يمارسه عموري مبارك". هكذا تشكلت النواة الأولى لمجموعة "أوسمان"، التي تميزت عن باقي المجموعات الموسيقية الأمازيغية الأخرى، بتأثرها الكبير بالموسيقى الغربية، من خلال الاعتماد على آلات القيثارة، والكمان، والأكورديون، وغيرها، والمقامات الموسيقية الحديثة، وهذا لا ينفي هوية الطابع الموسيقي الأمازيغي للمجموعة، فالتأثر والتأثير في الميدان الموسيقي من السمات التي لا يمكن أن تعيش أو أن تجدد دونهما الموسيقى . استفادت "أوسمان"، من استقرار عناصرها بمدينة الرباط، ومن تأطير الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي لها، إذ أكسبها ذلك شهرة إعلامية، وفرصا متعددة للتواصل مع الجمهور، خصوصا بعد إحيائها حفلا بمسرح "الأولمبيا" الشهير بباريس، ما أكسبها مكانة في الساحة الدولية. لم يكتب لمجموعة "أوسمان" الاستمرارية، ورغم تفرق أعضائها سنة 1977، إلا أنهم استمروا كأفراد، في العطاء الموسيقي الأمازيغي وفي البحث الأكاديمي الموسيقي. أكمل الفنان عموري مبارك مسيرته الفنية بالغناء الفردي، وبالطريقة نفسها التي بدأ بها مع المجموعة، إذ كان حريصا على التعامل مع نخبة من كبار المبدعين المهتمين بالثقافة الأمازيغية، أمثال الشاعر إبراهيم أخياط، وعلي صدقي أزايكو، ومحمد مستاوي، وغيرهم. طغت على نصوص عموري مبارك الغنائية تيمتان أساسيتان، هما تيمة الحرية وتيمة الهجرة والترحال المستمر، ولعل أجمل النصوص التي تحضر فيها تيمة الهجرة نص "تموكريست"/ المعضلة، الذي ندرج منه المقطع التالي: فرقت بيننا سبل الحياة كل حسب الوجهة التي رماه فيها القدر، فتاه ابتلينا بالترحال ولزوم الجبال نبحث في الشتاء كهروب الوعول لا نحرث حقلا ولا درسنا بيدرا فأنا في تجوال مستمر والطرقات أنهكتني تبقى تجربة عموري مبارك امتدادا لتجربة "أوسمان"، التي كانت من التجارب الأمازيغية القليلة، التي تمردت على التقاسيم الخماسية على مستوى الألحان، فهو يعتمد غالبا توزيعا موسيقيا حداثيا، يعتمد مقامات الأغنية العالمية بشكل ملحوظ، لكن دون إهمال كلي للأصول الخماسية، التي نجدها حاضرة في بعض أغانيه، سيما أن صوت الفنان عموري يمكنه من أداء الأغاني التقليدية الخالدة لكبار الروايس، من أمثال الراحل الحاج بلعيد، الذي أعاد عموري مبارك غناء مجموعة من أغانيه الأمازيغية القديمة، ليخلدها بصوته، ويضمن انتقالها إلى الأجيال المقبلة.