كوميديا عن صراع الطبقات وتناقضات البرجوازية الفرنسية بدعم من وزارة الاتصال وشراكة مع المركز السينمائي المغربي، انطلقت أول أمس الأربعاء بسينما لانكس بالدار البيضاء، فعاليات أسابيع الفيلم الأوروبي التي تنظمها مفوضية اللجنة الأوروبية في المغرب، بعد يومين من استئناف نفس العروض بالعاصمة الرباط، وكما نص عليه البرنامج كان الافتتاح بعرض شريط المزهرية أو «Potiche» وهو كوميديا فرنسية ساخرة حققت نجاحا كبيرا، وحازت جوائز مهمة في اكبر المهرجانات السينمائية، وتدور أحداثها في ظل أجواء إضرابات ومطالبات عمالية في مصنع للمظلات تملكه عائلة ثرية، كما يعرض التحولات التي تطرأ على المجتمع الفرنسي من خلال قصة هذا المصنع الذي باتت تديره زوجة صاحب المصنع الذي اختطفه عماله، الشريط ظل وفيا لسينما فرنسية متأنقة وضم كبار الممثلين الفرنسيين من أمثال كاثرين دونوف وجيرار دو بارديوه. سوزان بوجول ( كاثرين دونوف) زوجة صاحب مصنع المظلات، روبير بوجول ( فابريس لوشيني ) الذي يرفض الانخراط في حوار مع عمال المصنع، إلى درجة دخول هؤلاء في إضرابات ويؤدي به تعنته إلى اعتقاله في مكتبه من طرف المكتب النقابي للمصنع، وعقب إطلاق سراحه يتعرض لأزمة قلبية فتعوضه زوجته سوزان التي تبدي استعدادا للحوار. «إذا كانوا يريدون زيادات عليهم بالعمل أكثر» هذه هي العبارة التي تبرز موقف روبير بوجول من مطالب العمال، في أحداث فيلم تدور بشمال فرنسا خلال سنوات السبعينات من القرن الماضي، وما رافقه من اتساع لدور المرأة التي خرجت من وضعها كجزء من أثاث البيت « مزهرية « إلى عنصر فاعل وخلاق في المجتمع. وبوتيش ليس مجرد كوميديا ممتعة فحسب، انه فيلم يجعل من صراع الطبقات وتناقضات البرجوازية ومشاكلها موضوعه الرئيسي، ومغامرة خيالية تبرز مجتمعا فرنسيا ذا طبيعة «أموسية»، تقوده النساء باتجاه المستقبل. وقد لعبت النجمة الفرنسية كاترين دو نوف باقتدار كبير دور المرأة وهي تتحول من مخلوق مستلب الإرادة ومستغل إلى مخلوق قوي مفعم بالحماس وبالأفكار الخلاقة بل إلى مسيطر على مجمل خيوط اللعبة، والى منافس سياسي قوي. الأيقونة الفرنسية كاثرين دونوف ، تؤكد خلال هذا الشريط أن السنوات لم تزدها سوى تجربة وتألقا، إلى جانبها النجم جيرار دوبارديو الذي يجسد دور المناضل الشيوعي الذي يتمكن انطلاقا من مبادئه أن يصبح عمدة للمدينة، لكن مخلفات علاقة قديمة عابرة، بينه وبين سوزان بوجول تعود لتنتصب في خضم الأحداث، وتشرع في التأثير على صيرورتها. وجدير بالذكر أن هذا الفيلم الذي أخرجه فرانسوا أوزون يعد من بين آخر الانتاجات السينمائية الفرنسية الجادة حيث يؤكد أن السينما الفرنسية مازالت وفية لتوجهاتها وطريقتها ولكن مع بعض البهارات التي منحتها مذاقا طيبا، كمشاركة النجم الايطالي فابريس لوشيني الذي كان لامعا في دور صاحب المصنع البرجوازي المتهتك بنزواته الضئيلة، وأنانيته المتطرفة، وقلبه الهش وهو ما جعل الفيلم في بعض جوانبه يحيل على السينما الايطالية في تجاربها التي تتعلق بالكوميديا الاجتماعية. بإحرازه العديد من الجوائز ومشاهدته من طرف مليوني مشاهد منذ العرض الأول يمكن اعتبار شريط بوتيش من التجارب السينمائية الفرنسية التي تروم إعادة صناعة السينما في فرنسا إلى الواجهة، سواء من حيث القيمة الفنية عبر توليفة ضمت النص الجيد، والممثلين أصحاب التجربة الكبيرة، إضافة إلى سخرية أشبه بمثيلتها في الأعمال الكوميدية الانجليزية، ونظرة نقدية لفرنسا في عهد جيسكار ديستان مع بعض الغمزات الانتقادية المبطنة لفرنسا في عهد ساركوزي وهذه الأشياء مجتمعة أعطتنا فيلما لا يخلو من مغزى سياسي، ويمكن اعتباره من أنجح الأفلام الفرنسية هذه السنة. حقيقة أن النقاد السينمائيين الفرنسيين، اعتبروا أن تحويل « Potiche « من عمل مسرحي إلى السينما بعد ثلاثين سنة من تقديمه على شكل عرض لمسرح البولفار، عن نص للمسرحي الفرنسي بيير باريي وجان بيير كريدي الذي يعود إلى سنة 1980، وصعوبة إعادة تركيب عناصر الواقع الفرنسي خلال سبعينيات القرن الماضي، نظرا لبعدها الشديد عن الواقع الفرنسي الحالي، لكن وبذكاء شديد استطاع المخرج فرانسوا أوزون رفع هذا التحدي وتجاوز كل العقبات ليعطينا بالنهاية شريطا ممتعا وجديرا بالمشاهدة، بدعم من نجوم لهم مكانتهم ك:كاثرين دو نوف وجيرار دو بارديو و الايطالي فابريس لوشيني والممثلين الشابين جيريمي رينيي، جوديث كورديش وكارين فيارد في دور السكرتيرة. جدير بالذكر أن أسابيع الفيلم الأوروبي التي يندرج الفيلم الفرنسي ضمن عروضها هذه السنة اختارت الفيلم القصير «أبني» (غفوة) للمخرجة محاسن حشادي الفائز بجائزة أفضل فيلم قصير مغربي ل`»سينما المدارس»، ضمن الدورة العاشرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، لإعطاء انطلاقة العروض الأوروبية، في دلالة على الشراكة الثقافية التي تجمع المغرب بالضفة الشمالية من حوض المتوسط. و ككل الدورات السابقة، المتميزة بالتنوع، والجودة، اختارت أسابيع الفيلم الأوروبي هذه السنة، للاحتفال بذكراها العشرين، تقديم الأجود، لأنها تحرص على أن تقدم في كل سنة الغنى المتنوع للسينما الأوروبية. بأفلام تألقت في مهرجانات كان (فرنسا)، والبندقية (إيطاليا)، وبرلين (ألمانيا). وتتواصل هذه العروض السينمائية على مدى ثمانية أيام، بثمانية أفلام، لم تعرض في المغرب، يميزها الطابع الإبداعي والثقافي بعيدا عن السينما التي تستهدف الشباك، ما سيتيح الفرصة لجمهور عشاق الفن السابع الاطلاع على ما جد في الإبداع السينمائي الأوروبي ، حتى 28 فبراير الجاري، بمسرح محمد الخامس بالرباط، في حين، ستستمر العروض بالدار البيضاء، إلى غاية الثاني من مارس المقبل، بسينما لانكس.