قال الباحث في شؤون الهجرة، عبد الفتاح الزين إن موضوع الهجرة على المستوى العالمي مؤسس على المركزية الشمالية، حيث أغلب الدراسات منبنية على المنطلق الغربي، موضحا الفكرة، بأن المنطق الحالي للتعامل الدولي شبيه بممارسة السوق؛ الربح والخسارة. وأكد عبد الفتاح الزين، خلال ندوة “البحث في إشكاليات الهجرة .. آفاق وتحديات”، بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، أن المغرب لا يحتاج إلى أية دروس من الغرب، نظرا لتجربته التاريخية في الظاهرة التي ليست جديدة عنه. والحاصل اليوم، بحسب الزين، الذي تدخل في الندوة المنظمة من طرف مركز الأبحاث في الهجرة، هو الطارئ المتعلق والخاص بأن المغرب أضحى بلد استقبال واستقرار بعدما جعلت أوروبا من البحر الأبيض المتوسط حدودا لها. وأبرز الخبير في مجال الهجرة، السياسية الدولية في الظاهرة، “التي تغيرت رأسا على عقب، فبعدما كانت الدول الأوروبية تبحث عن القوة العضلية للمهاجرين، أضحت اليوم تبحث عن القوة الذهنية والفكرية والعقلية لأبناء الجنوب، وهو ما أعطانا هجرة الأدمغة اليوم”. وشدد المتحدث ذاته، على أن المغرب لا يجب أن يفكر في المهاجرين المتواجدين فقط في أوروبا، مشيرا إلى أن هجرة المغاربة توجد أيضا نحو إفريقيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى دول أمريكا اللاتنيية وآسيا. خطأ في المفاهيم من جانبه، اعتبر الخبير في القانون الدولي وقضايا الهجرة ونزاع الصحراء، صبري الحو، أن الهجرة تعني حركية الأفراد على المستوى الدولي، بمعنى أن جميع الدول تعرف حركة الهجرة، سواء كانت نقطة انطلاق، عبور أو استقرار، وهو ما جعل الموضوع على رأس أجندات جميع الدول بدون استثناء. وأضاف صبري الحو، أنه لا تكاد تمر نشرة أخبار دون أن يذكر فيها موضوع الهجرة، بمعنى أن الموضوع له أهميته وراهنيته، ولا أدل على ذلك، وفقه، هو تنظيم مؤتمرين حول الهجرة بمراكش، خلال الأسابيع الأخيرة. وميز الحو، بين مفهوم الهجرة غير الشرعية، والهجرة غير النظامية، مسجلا ملاحظة بهذا الخصوص، تهم توظيف مصطلحات غير دقيقة في وسائل الإعلام، موضحا بأن الهجرة واحدة، ويكمن المشكل فقط في تسوية الوضعية الإدارية ليس إلا. وكشف المتدخل عينه، في الندوة التي سيرتها بديعة الراضي، بأن التشديد على مراقبة الحدود في الآونة الأخيرة، أدى إلى ظهور مجموعة من السلوكات الخطيرة، من قبيل؛ المغامرة فوق أمواج البحار من أجل الوصول إلى الضفة الأخرى. وانتقد الخبير في شؤون الهجرة تملص مجموعة من الدول، من الالتزامات التي جاء بها ميثاق مراكش، حيث رفضت التوقيع على بنوده ومن تم عدم العمل بها في موضوع الهجرة، وهذا الرفض، جاء نتيجة التهرب من مسؤولية الالتزامات. وعرفت الندوة، مشاركة أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض، عبد الفتاح بلعمشي، الذي ألح على ضرورة التعامل مع موضوع الهجرة بشكل إيجابي وليس سلبي، انطلاقا من القيام بمجهودات على المستوى العلمي، الإداري، القانوني والاقتصادي، وكل ذلك، من أجل خلق التنمية بالمناطق التي تعاني من الظاهرة. وأشار عبد الفتاح بلعمشي هو الآخر، إلى ترويج مفاهيم مغلوطة حول ظاهرة الهجرة، بحيث أصبحت توظف بكثرة بالرغم من أنها ليست دقيقة، فالهجرة السرية خطأ حلى حد قوله، والصحيح هو الهجرة غير النظامية. ودعا بلعمشي المسؤولين المغاربة إلى اقتناص هذه الفرصة المهمة، قصد أن يكون المغرب أكثر من شريك في الموضوع مع الدول الإفريقية والأوروبية على حد سواء، استنادا إلى التشجيع على البحث العلمي، وإشراك المختبرات الأكاديمية في الموضوع. وختم الخبير في القانون الدولي مداخلته، بالإشارة إلى أن موضوع الهجرة، كباقي الظواهر الأخرى التي فرضت نفسها في العشرية الأخير، مثال؛ التغيرات المناخية والبيئية، ثم ظاهرة الفقر.. وهي كلها إشكالات يجب أن تعالج من منطلق بنيوي. المهاجر الإنسان وعلى المستوى الرسمي شاركت ليلى أوشناي، باسم الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، في الندوة، مطلعة الرأي العام المغربي على سياسة الهجرة التي ينهجها المغرب، وذلك في إطار السياسة الدولية أو ما أسمته “بالعالمية”. وذكرت رئيسة قسم التأهيل والإدماج الاقتصادي بالوزارة المذكورة، ليلى أوشاني، بأن الهجرة أصبحت أيضا جنوب-جنوب، ولم لم تعد تقتصر على جنوب- شمال، كيفما كان الوقت في السابق، مبينة بأن جميع الدول أصبحت تعاني من الظاهرة. وتحدثث أوشاني عن الكرونولوجية التاريخية، التي مر بها موضوع الهجرة بالمغرب، وبالتحديد منذ سنة 2013، تاريخ إعطاء جلالة الملك محمد السادس، الضوء الأخضر للعمل على التعاطي مع الظاهرة بنهج سياسة خاصة، وعيا منه بالدور المغربي الكبير في الموضوع. وقالت المتحدثة، إن المغرب أدخل مجموعة من الاستراتيجيات والبرامج التي استهدفت المهاجرين، وعلى الخصوص المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تمت تسوية وضعية أزيد من 50 ألف مهاجر. وأكدت ليلى أوشاني بأن هؤلاء المهاجرين، أصبحوا يستفيدون من كل الخدمات العمومية، كباقي المواطنين المغاربة، بحيث يلجون إلى الخدمات الصحية، والمدرسية، وولوج سوق الشغل بعد التكوين.. مسجلة أن كل هذه الخطوات تمت من خلال توقيع اتفاقيات مع جمعيات المجتمع المدني. وكانت قد شهدت الندوة، مداخلة مدير مركز الأبحاث في الهجرة، عبد الخالق الشلحي، الذي أشار إلى أن موضوع الهجرة يجب أن يأنسن، داعيا إلى ضرورة متابعة التحول الحاصل على المستوى الإقليمي والدولي، بهدف ملء الفراغ الحاصل في هذا الشأن. وشدد عبد الخالق الشلحي على أن المركز الذي تم إنشاؤه حديثا جاء للعب هذا الدور، من خلال القيام بتحاليل، وتكوينات، ودراسات، فضلا عن القيام بحملات تواصلية وتحسيسية مع المواطنين المغاربة والأجانب، بهدف توعيتهم بأهمية الظاهرة. وأشار الشلحي في الأخير، إلى أن الذي يجب العمل عليه في ظاهرة الهجرة، هو جعلها آمنة، وليس القضاء عليها، وهو ما سيرافع لأجله المختبر الذي سيتتبع عن كثب التطورات الحاصلة بهذا الشأن، سواء على المستوى الدولي، الإقليمي أو الوطني .