جيل جديد من الإصلاحات.. لمغرب الديمقراطية الإرادة التوافقية ستشكل الخيط الرفيع الذي ينسج الضمير الجمعي للمؤتمر اليوم، تتجه أنظار الرأي العام الوطني وأنصار وقوى التقدم والحداثة والديمقراطية نحو بلدة بوزنيقة حيث يلتئم المؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم والاشتراكية تحت شعار: "جيل جديد من الإصلاحات.. لمغرب الديمقراطية" في جو من الحماس النضالي المقترن بالجدية السياسية المعهودة في مناضلات ومناضلي هذا الحزب الوطني العتيد. وإذا كان الملاحظون والمتتبعون للحياة السياسية الوطنية يترقبون ما سيسفر عنه هذا المؤتمر من نتائج وخلاصات، فإن عموم المناضلين الديمقراطيين والتقدميين المغاربة، ولاسيما مناضلات ومناضلو حزب التقدم والاشتراكية في عموم البلاد، المؤتمرون منهم وغير المؤتمرين، يتوخون من هذا المؤتمر أن يشكل بالفعل امتدادا لمدرسة سياسية وتربوية كانت دائما خاضعة للتقويم والتنامي والتطور...متطلعين بشوق خلاق وبوعي عال وبطموح سام إلى حزب كبير يسع لكل أنصار الحياة والحق والعدالة في هذا البلد، حزب يواصل حضوره وتألقه وتميزه في المشهد السياسي الوطني بوعي ومسؤولية، حزب يحظى بثقة الجماهير والنخب على حد سواء، حزب واضح في أطروحاته وبرامجه، صارم في مواقفه وتحاليله، وحدوي في تطلعاته وآفاقه، توافقي في تدبير خلافاته، حالم وحليم في صنع مستقبل البلاد ومعانقة قضايا الشعب... من ثمة فالمؤتمر الوطني الثامن تسود أجواءه هواجس مشتركة يتقاسمها الجميع من أجل الخروج في نهاية المطاف بمؤتمر ناجح على جميع الأصعدة. الجميع يسكنه هم إنجاح المؤتمر كمحطة سياسية ونضالية لتقويم المسار واستشراف الآفاق، ذلك ما برز بشكل جلي من خلال المؤتمرات المحلية والإقليمية والمنتديات السوسيو مهنية التي سبقت المؤتمر، حيث انخرط المناضلون والمناضلات في نقاش واسع وجدي حول كل مشاريع الوثائق التي أعدتها اللجنة المركزية للحزب، وكان النقاش عموميا مفتوحا على المواطنين الذين ساهموا بدورهم في الإعداد الأدبي والمادي للمؤتمر. ولعل دينامية هذا النقاش ستعفي المؤتمر من كل الهوامش الخلافية المعتادة طالما أن الرفيقات والرفاق قدموا للمشاركة في مؤتمر حزبهم وهم متأبطون لأوراق عمل تختزل وتعكس ملاحظاتهم وإضافاتهم التي ستغني من دون شك المشاريع المعدة سلفا...مسلحين بإرادة قوية في تكريس قيمة التوافق الفكري والسياسي على أدبيات الحزب الجديدة والمتجددة التي ساهموا جميعا في إبداعها وصياغتها. ++ ولعل هذه الإرادة التوافقية هي التي ستشكل ذلك الخيط الرفيع الذي ينسج الضمير الجمعي للمؤتمر، والذي سيضمن نجاح هذا العرس الوطني الرائع. مؤتمرو ومؤتمرات التقدم والاشتراكية واعون بالسياق التاريخي والسياسي الدقيق الذي يجتمعون فيه اليوم، وهو سياق وطني يتميز أساسا بالتحديات التي تشهدها قضيتنا الوطنية الأولى. فإذا كان المغرب يحقق انتصارات ديبلوماسية مضطردة بفضل مقترح الحكم الذاتي الذي اعتُبر عن حق مقاربة وطنية ديمقراطية لحل النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، فإن ما ينتظره اليوم أشد وأقوى من السابق بحكم جحود وجمود عقلية حكام الجزائر ومناورات صنيعتهم البوليساريو من أجل أن يظل الوضع على ما هو عليه..لمعاكسة المغرب على أحقيته في ترابه، ولعرقلة مسعاه العام والديمقراطي في تخويل مواطنينا الصحراويين أمر تدبير شؤونهم التنموية والحياتية بأنفسهم في ظل السيادة المغربية على الأرض والمجال. مطروح إذن على الحزب الاجتهاد في تعميق التفكير الإبداعي الخلاق الذي أنتج مبادرة الحكم الذاتي... ويأتي المؤتمر أيضا في سياق التداعيات التي لا زالت معالمها متواصلة في الحقل السياسي الوطني، بارتباط مع ما أفرزته الانتخابات التشريعية والجماعية الماضية من خريطة مبلقنة تكاد تكون "عبثية" ولا علاقة لها بالمنطق السياسي، ذلك ما أسماه إسماعيل العلوي بالوضع السريالي، وذلك ما يتعين على المؤتمرين أن يحللوه ويناقشوه بنفس نقدي واستشرافي للمستقبل..من ثمة تُطرح من جديد إشكالية القوانين الانتخابية، والتقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع وغير ذلك من المسالك والدواليب التي تتحكم في الاستحقاقات الانتخابية...أضف إلى ذلك الهجمة الشرسة التي تشنها بعض الأوساط والدوائر على الأحزاب السياسية وعلى العمل السياسي بشكل عام. وإذا كانت الوثيقة السياسية المطروحة على أنظار المؤتمر تتسم بالغنى والتكامل والوضوح، فإن الأسئلة الجديدة التي يطرحها المشهد السياسي اليوم والأجوبة التي ينبغي أن تصاغ لمواجهة المستقبل، لا يمكن أن تتأتى لفصيل سياسي واحد مهما بلغ حجمه، لذلك "ولأجل بلورة هذا المسعى، تقف الوثيقة على مسألة التحالفات باعتبارها مقاربة سياسية شكلت على الدوام نهجا استراتيجيا بالنسبة للحزب". ومما لا شك فيه، أن المؤتمر سيعرف، على مدى ثلاثة أيام، جلسات ومناقشات غنية بإشراقات فكرية، ستتسم بالحوار البناء والإنصات وتبادل الإنصات، سيتم فيها التداول حول أهم القضايا المطروحة في مشروع الوثيقة السياسية، ومشروع وثيقة البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومشروع التعديلات المقترحة على القانون الأساسي، وقضايا أخرى ذات طابع ثقافي وفكري... وهكذا سينكب المؤتمرون على تقييم ما يسميه الحزب بمرحلة الحل الوسط التاريخي التي أعطت التناوب التوافقي وما تلاه من إعمال للمنهجية الديمقراطية بما عرفته هذه المرحلة من انتصارات وإخفاقات...كما سيدقق المؤتمر في مفهوم الانتقال الديمقراطي وما عرفه من توافق وما سيسفر عنه من انتظارات تتعلق أساسا بإمكانية الانتقال إلى الممارسة الديمقراطية السوية، وسينظر المؤتمر أيضا في مسألة التحالفات كنهج استراتيجي في إطار مقاربة ديناميكية؛ وكذلك الشأن بالنسبة لمسألة الهوية الاشتراكية للحزب في نطاق جدلية التشبث بالثوابت والتجديد في الممارسة؛ وسينكب المؤتمر أيضا على تحيين برنامجه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بعد تحليل دقيق للظرفية الوطنية والعالمية في ارتباط مع تحديات العولمة وما تتطلبه المرحلة من يقظة وحذر جراء تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، مذكرا بمقترحات الحزب في المجال الاقتصادي والسوسيوثقافي... وعلى مستوى القانون الأساسي للحزب سيتركز النقاش أساسا حول التعديلات المقترحة لا سيما ما يتعلق بالهيكلة والاختصاصات المنوطة بالهيئات الحزبية والعلاقات الداخلية للحزب... وفي نهاية المطاف ستتجه الأنظار إلى اليوم الأخير حيث ستتم عمليات التصويت والمصادقة على مشاريع الوثائق وانتخاب الهياكل القيادية للحزب، من لجنة مركزية وديوان سياسي وأمين عام وهيئتي التأديب والمراقبة المالية... وإذا كان المراقبون يسجلون، يوما عن يوم، قبيل المؤتمر، مدى التقدم الحاصل على مستوى الاتفاق والتوافق السياسي الذي دأب عليه حزب التقدم والاشتراكية فيما يتعلق بأدبياته وتحاليله ومواقفه، فإن الجميع يكاد يستبعد أي خلاف أو تشنج في المصادقة على مشاريع وثائق المؤتمر، على عكس ما قد يثار من نقاش، صحي على كل حال، حول من سيتولى مسؤولية قيادة الحزب بعد تخلي الأمين العام إسماعيل العلوي الذي أبدى في أكثر من مناسبة عدم رغبته في تجديد ترشيحه لولاية أخرى كأمين عام، وبالتالي أعلن عدم ترشحه للمسؤولية. ويعتقد المتتبعون أن هذا الأمر سيكون منسابا بهدوء في شرايين المؤتمر طيلة أيام انعقاده، لأن الرفاق لم يألفوا التسابق حول القيادة أو"الزعامة" بحكم التقاليد العريقة للأحزاب الشيوعية والاشتراكية التي غالبا ما تقودها شخصيات كاريزمية تنتزع الإجماع التقديري خارج المؤتمر. هذا الوضع التقديري والاعتباري ل"الزعيم" لا ينبغي، في نظر المتتبعين، أن يشكل حاجزا أمام إمكانية تقديم أكثر من مرشح، وفسح مجال التنافس الديمقراطي والشريف بين المناضلين الذين يتوسمون في أنفسهم القدرة على قيادة الحزب. هنا يحبذ البعض، ومنهم إسماعيل العلوي، أن يتوحد الحزب حول مرشح واحد يمنحه الإجماع والثقة لتسهيل مأموريته، وهذا يقتضي أولا الاتفاق حول هذا المسعى بتوافق كبير بين من يعتزم الترشيح، وإلا ففي نظر إسماعيل العلوي، سيتم الاحتكام للتصويت، مادام الأمين العام لن يقوم سوى بتدبير الشؤون السياسية للحزب على قاعدة مقررات المؤتمر وأدبيات الحزب التي يقرها المؤتمر. وفي جميع الحالات فالمؤتمر سيد نفسه.