قال دبلوماسيون ومحللون إن السعودية يساورها القلق من أن تفقد حلفاءها في مواجهة إيران خصمها الإقليمي أكثر من قلقها من احتمال امتداد الاضطرابات التي تشهدها تونس ومصر إلى المملكة. ويقولون إن السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم تستطيع أن تنفق الكثير من الأموال لتخفيف أي توتر اجتماعي ناتج عن البطالة التي تصل نسبتها في المملكة إلى عشرة في المئة وللحيلولة دون وقوع أي اضطرابات. لكن بعضهم يعتقد أن الحكام السعوديين سيصيبهم الانزعاج إذا تخلت الولاياتالمتحدة عن الرئيس المصري حسني مبارك الذي ظل حليفا لواشنطن منذ تولى السلطة قبل 30 عاما شأنه في ذلك شأن الملوك السعوديين المتعاقبين. وقال سايمون هندرسون المراقب للشؤون السعودية في واشنطن «السعوديون.. يشعرون بأن الولاياتالمتحدة أخطأت عندما بدا أنها تخلت عن مبارك على نحو أسهل مما ينبغي». ولا يزال مبارك في منصبه في الوقت الحالي. ولم يحقق المحتجون الذين أصابوا مصر بالشلل مطلبهم الرئيسي حتى الآن وهو رحيل مبارك عن السلطة فورا وذلك رغم نجاحهم في الحصول على تنازلات لم يكن يمكن تصورها قبل أسبوعين منها تعهد مبارك بعدم ترشيح نفسه مجددا للرئاسة في انتخابات من المقرر إجراؤها في سبتمبر أيلول وإقالته للوزارة. لكن السعوديين ربما يشعرون أن مبارك بعد أن أصبح ضعيفا وبسبيله لترك الحكم لم يعد حصنا منيعا في مواجهة إيران الشيعية. وتساورهم مخاوف تفوق مخاوف الولاياتالمتحدة من احتمال أن تسعى إيران لحيازة أسلحة نووية وهو أمر تنفيه طهران. وجاء في برقية مسربة نشرها موقع ويكيليكس على الانترنت في نوفمبر تشرين الثاني على لسان عادل الجبير السفير السعودي لدى واشنطن نقلا عن العاهل السعودي الملك عبد الله عبد العزيز في نصيحة للجنرال الأمريكي ديفيد بتريوس في أبريل نيسان عام 2008 «اقطعوا رأس الأفعى» في إشارة إلى إيران. وتعتبر السعودية نفسها معقلا للمذهب السني ولذا يساورها أيضا قلق عميق من تزايد النفوذ الشيعي في المنطقة بعد أن أدى الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة للعراق عام 2003 إلى تشكيل حكومة يقودها الشيعة في بغداد. ويرى السعوديون أن التوازن ربما يزيد اختلالا إذا أدى خروج مبارك الوشيك من السلطة إلى فترة طويلة من عدم اليقين في مصر التي تتمتع بمنزلة كبيرة في العالم العربي وخصم إيران القوي. وقال المحلل السياسي السعودي طراد العامري «سيحدث فراغ. كانت مصر عنصرا بالغ الأهمية في استقرار الشرق الأوسط. ستضطر السعودية إلى تحمل العبء إذا حدث فراغ أو عدم استقرار في الجانب السياسي». وأضاف متسائلا «ما هو اتجاه النظام الجديد والحكومة الجديدة (في مصر) وبأي سرعة ستستطيع أن تمارس عملها». ويقول محللون إن مصر التي تهزها احتجاجات مناهضة لمبارك منذ 13 يوما ستركز على أزمتها الداخلية على أي الأحوال ولن يتسع لها المجال لتعزيز جهود السعودية في مواجهة النفوذ الإيراني. وقال دبلوماسيون إن الرياض تحشى أيضا أن يؤدي أي فراغ دبلوماسي ناتج عن انشغال مصر إلى إفساح المجال لدول مثل تركيا وقطر اللتين تسعيان إلى دور إقليمي أكبر وتربطهما علاقات طيبة بإيران. وقال دبلوماسي يعمل في الخليج «ربما يتضاءل النفوذ السعودي بينما تضطلع دول أخرى مثل قطر وتركيا اللتين لا تريدان أن تفرض عزلة على إيران بدور أكبر». ويقول المحللون إن السعودية ستواجه صعوبة كبيرة في العثور على حلفاء عرب يحلون محل مصر في محور سني محافظ يتخذ جانب الحذر من إيران. وترتبط سوريا والعراق بالفعل بعلاقات قوية مع طهران. وربما يجعل ذلك الرياض أكثر حرصا على تحقيق الاستقرار في المملكة الأردنية السنية التي تشهد أيضا احتجاجات في الشوارع. وقال المحلل الأمريكي باراك بارفي «ربما تضخ السعودية المزيد من الأموال في الأردن». وتأتي الاضطرابات في مصر في وقت عصيب للعائلة الملكية السعودية. وكان العاهل السعودي الملك عبد الله البالغ من العمر نحو 87 عاما قد سافر إلى الخارج للعلاج في ديسمبر. وولي العهد الأمير سلطان الذي يصغره في السن قليلا مريض أيضا. والأخ الثالث وزير الداخلية الأمير نايف مرشح محتمل للعرش. ولا مفر من انتقال العرش في آخر المطاف إلى جيل جديد من الأمراء السعوديين. ورغم أن الملك شكل مجلسا ملكيا لتنظيم الخلافة فليست كيفية عمله واضحة. ويقول دبلوماسيون إن كل ذلك يجعل من الصعب على القيادة السعودية الطاعنة في السن التعامل مع اي تغيير في مصر. وكان الملك عبد الله قبل أسبوع أحد الزعماء العرب القلائل الذين أعلنوا مساندتهم لمبارك. كما سمح بلجوء الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي إلى المملكة. وكشفت مساندة العاهل السعودي التلقائية للرئيس المصري عن مدى اعتماد السياسة الخارجية السعودية على العلاقات الشخصية التي اجتازت العديد من الاختبارات. ويعرف كل من الأمير سلطان والأمير نايف ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل مبارك منذ وقت طويل. وأعادت دعوة الولاياتالمتحدة لمبارك إلى «التغيير الآن» إلى ذاكرة المؤيدين لنظام عربي راكد الدعوات الأمريكية للإصلاح في إيران التي سبقت الإطاحة بالشاه عام 1979. وقال هلال خشان أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت «من الواضح أن الولاياتالمتحدة تتخلى عن مبارك. لقد انتهت صلاحية نظامه». وأضاف أن ذلك بعث موجات من الصدمة إلى السعودية حليف واشنطن الاستراتيجي منذ عام 1945. وتابع «إذا مارست الولاياتالمتحدة ضغطا من أجل التغيير في مصر ستشعر أسرة آل سعود الملكية بضغط في اتجاهها قريبا جدا».