إثر إعلان الشاهد عن تعديله الجديد، برزت مؤشرات تصدع غير مسبوق في أجهزة الدولة وداخل الحركات السياسية، وصراع علني بين مؤسستَي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في جلسة قاطعها نواب حزب «نداء تونس»، صادق البرلمان التونسي (12/11) على التعديل الوزاري لحكومة يوسف الشاهد الذي شمل 13 وزيراً و5 كتاب دولة، بينما أبقى على ثلاث وزارات سيادية، هي الخارجية والدفاع والداخلية. وكرّس هذا التطور شبه «قطيعة سياسية» بين الشاهد والرئيس الباجي قائد السبسي الذي كان رفض التعديل، على رغم تأكيده أنّ ليس لديه أي خلاف أو خصومة مع رئيس الحكومة، وإشارته إلى أنه «في حال وافق مجلس النواب على التعديل فإنه سيوافق عليه»!. أما حزب «النداء» فاعتبر في بيان له، أن التعديل «انقلاب من حركة النهضة على الرئيس السبسي بهدف عزله من المشهد»، فضلاً عن كونه «خروجاً نهائياً من الحكومة عن اتفاق قرطاج، وهو ما يفقدها لكلّ شرعية قانونية أو سياسية أو أخلاقية»!. وطالب الحزب وزراءه المشاركين في الحكومة الاستقالة منها معتبراً أن «عدم استجابتهم لهذا القرار سيُعدّ خروجاً نهائياً من الحركة واستقالة من كل هياكلها». علماً أنّ «النداء» يشارك ب9 وزراء في الحكومة، من بينهم خميس الجهيناوي وزير الخارجية، ورضا شلغوم وزير المالية، وقد استمروا جميعاً في التشكيلة الجديدة. خروج من الأزمة أم تعميق لها؟ وقد أحدث التعديل جدلاً واسعاً في تونس، ونُظر إليه بوصفه خطوةً في اتجاه «تعميق الأزمة السياسية في البلاد، وسط تحذيرات من تحولها إلى أزمة دستورية في حال إصرار رئاسة الجمهورية على عدم موافقتها على التعديل». وفي هذا الصدد، اتفق غالبية أساتذة القانون الدستوري أن التعديل الوزاري من الصلاحيات الحصرية لرئيس الحكومة، إلا في وزارتي الدفاع والخارجية، إذ يفرض الدستور تشاوراً بين رأسي السلطة التنفيذية. والسؤال الملحّ داخل الطبقة السياسية التونسية اليوم هو: هل هذا التعديل خطوة نحو انفراج الأزمة التي تعيشها البلاد أم سيعمل على تعميقها؟ علماً أنه بعد إعلان الشاهد عن تعديله الجديد، برزت مؤشرات تصدع غير مسبوق في أجهزة الدولة وداخل الحركات السياسية، وصراع علني بين مؤسستَي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة!. وخلال جلسة برلمانية، حضرها فقط 163 نائباً من إجمالي 217، أكد الشاهد أنه قام بهذا التعديل في احترام تام لمقتضيات دستور 2014. نافياً أن يكون «تعمّد الإساءة إلى رئيس الجمهورية، أو يحاول عزله أو المسّ بمكانته في البلاد»، كما تروّج بعض وسائل الإعلام. وقال إنه «من أكثر الأشخاص اعترافاً بالدور التاريخي والوطني لرئيس الجمهورية»، مُثمناً التزام الرئيس السبسي مواصلة التعاون مع الحكومة ودعم مسار الانتقال الديموقراطي، على حد قوله. وتشكل الفريق الحكومي الجديد من ترويكا تجمع حزبي «النهضة» الإسلامي، و«مشروع تونس» الذي كان إلى وقت قريب من أشد المناهضين للإسلاميين، إلى كتلة «الائتلاف الوطني» المؤيدة للشاهد. وتضمنت قائمة الوزراء الجدد الدبلوماسي السابق كمال مرجان، الذي شغل منصب وزير الوظيفة العمومية عن حزب «المبادرة»، وكان آخر وزير خارجية في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي. في المقابل، أصبح «نداء تونس» في المعارضة رغم أن الوزراء المنتمين إليه لا يزالون ضمن الحكومة، ورغم أنه يحتفظ بالرئاسات الثلاث. وإلى كتلة حزب النداء النيابية (51 عضواً)، شملت قائمة الرافضين للتعديل كتلة «الجبهة الشعبية» (تحالف يساري ب15 نائباً)، التي اعتبرت الحكومة «عميلة للخارج وصندوق النقد الدولي، وأنها تسير بتونس في مسار خطير فيه تنكّر لأهداف الثورة من أجل تحسين أوضاع التونسيين»، إضافة إلى «الكتلة الديمقراطية» (توجه قومي) وتضم 12 نائباً، وكذلك «كتلة الولاء للوطن»، وتضم 11 عضواً، علاوة على صوت النائب فيصل التبيني، الممثل لحزب «صوت الفلاحين»، ليصل بذلك العدد الإجمالي للأصوات التي أعلنت رفضها منح الثقة لحكومة الشاهد نحو 90 صوتاً. وفي الجانب المقابل، حظي التعديل بدعم حركة «النهضة» ب68 عضواً، وكتلة «الائتلاف الوطني» التي تضم 40 نائباً. علاوة على 14 نائباً يمثلون «حركة مشروع تونس»، التي يتزعمها محسن مرزوق، ليصبح بذلك عدد الداعمين للتعديل الوزاري وحكومة الشاهد في حدود 122 صوتاً؛ إضافة إلى بعض الأصوات البرلمانية المستقلة، وهو ما جعل الحكومة تحظى بعدد إضافي من الأصوات، يفوق الأغلبية المطلقة المُقدّرة دستورياً ب109 أصوات. افتقاد الدعم السياسي واعتبر الشاهد أنّ الهدف من مبادرته السياسية هو «اختيار فريق يكون أكثر نجاعة وكفاءة وتضامناً». وإنّ أحد أهم أولوياته «إنجاح المسار السياسي؛ عبر انتخاب رئيس جديد لهيئة الانتخابات، وإرساء محكمة دستورية، مع الحفاظ على موعد إجراء انتخابات 2019»، إضافة إلى «مواصلة الحرب على الفساد، والعمل على إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية»، لكنه لفت إلى أنّ «الحرب على الفساد ستكون طويلة المدى وصعبة»، على حد تعبيره. يذكر في هذا الصدد، أن تونس تعيش في خضم أزمة اقتصادية، وسط ارتفاع معدلات البطالة (15,4 %)، ووصول التضخم إلى مستويات غير مسبوقة (7,4 %)، إضافة إلى ضغوط المقرضين الدوليين لتطبيق إصلاحات لا تحظى بدعم شعبي، الأمر الذي زاد من حدة الاحتجاجات الاجتماعية في الآونة الأخيرة. وشكا الشاهد، في كلمته أمام البرلمان، من افتقاد الحكومة طيلة العامين الماضيين للدعم السياسي في مجال الاصلاحات ومحاربة الفساد. وشدّد رئيس الحكومة على «أهمية الاستمرار في الاصلاحات المالية العمومية للحدّ من عجز الموازنة والنزول بها إلى مستوى 3,9 % في 2019»، عبر اعتماد قانون المالية الجديد. وأكد الشاهد أن «لوبيات الفساد لن تبقى مكتوفة الأيدي في الحرب المعلنة من قبل الحكومة»، متهماً هذه (اللوبيات) بإدارة معركة ضد الحكومة بهدف «إرباك عملها بشكل مباشر ومن خلف الستار»؟!. مطالبة الشاهد بتأسيس حزب طالب قياديون من «نداء تونس» رئيس الحكومة، الذي صدر قرار بطرده من الحزب قبل أسابيع، بتشكيل حزب سياسي جديد، وعدم استثمار اسم الحزب (النداء)، الذي كان سابقاً في قيادته، وكان سبباً وراء وصوله إلى رئاسة الوزراء. لكن الشاهد وأنصاره يرفضون حرق المراحل ويعلنون أنهم لا يفكرون في إعلان حزب سياسي قبل مصادقة البرلمان على الحكومة الجديدة وعلى قانون المالية لعام 2019. وحسب مراقبين، فإنهم لا يريدون إجهاض تحالفهم مع حركة النهضة، وحزبي «مشروع تونس» و«المبادرة الآن» في الوقت الحالي. وفي سياق هذه التطورات، شنّت أغلب وسائل الإعلام الموالية للرئيس السبسي حملة غير مسبوقة على رئيس الحكومة وحلفائه، وخصوصاً قيادة حركة النهضة، إضافة إلى زعيمي حزب «المبادرة» كمال مرجان، وحزب «مشروع تونس» المنشق عن «النداء»، محسن مرزوق. جدلٌ كبير إثر تعيين «الطرابلسي» وزيراً للسياحة عُيّن روني الطرابلسي وزيراً للسياحة والصناعات التقليدية في التعديل الحكومي الجديد. وهو أولَ وزير يهودي في حكومة تونسية منذ أكثر من 60 سنة، حيث تقلّد قبله يهوديان تونسيان حقائب وزارية سنتي 1955 و1956. وقد أثار هذا التعيين جدلاً كبيراً في تونس، حيث أعلنت عدد من الأحزاب والهيئات، (مثل ائتلاف «الجبهة الشعبية»، (اليسارية) وحزب «حركة الشعب» (القومي)، و«الهيئة الوطنية لدعم المقاومة ومناهضة التطبيع والصهيونية»، رفضها لهذا التعيين بسبب ما اعتبرته «مواقف الطرابلسي الداعمة للكيان الصهيوني وتطبيعه العلني معه». وقالت «الهيئة الوطنية» إنّ الطرابلسي أحد «أكبر المدافعين عن الكيان الصهيوني والمروّجين له بطرق مختلفة، من أهمّها إرسال وفود سياحية إلى إسرائيل والقدس عبر وكالة أسفار يملكها، كما أنه حامل للجنسية الإسرائيلية بالتوازي مع جنسيته التونسية». يُذكر أن الطرابلسي صاحب وكالات أسفار عالمية، وهو نجل رئيس الجمعية اليهودية التونسية بيريز الطرابلسي، التي تشرف على تنظيم زيارة اليهود السنوية لكنيس الغريبة في جزيرة جربة في تونس. في المقابل، اعتبرت أحزاب ومنظمات أخرى أن تعيينه «سيخدم صورة تونس في الخارج وسيُنعش السياحة»، حيث أكد أحد نواب حركة «النهضة» (الإسلامية) أنّ «تعيين الطرابلسي سيؤدي إلى إنعاش قطاع السياحة نظراً لعلاقاته وخبرته، وسيخدم صورة تونس في الخارج كبلد عربي يتعايش فيه المسلمون واليهود في تونس». من جهته، نفى الطرابلسي ما راج بخصوص حمله للجنسيّة الإسرائيلية، وأكد أنه تونسي كغيره من التونسيين المسلمين. تجدر الإشارة إلى أنه يُقيم في تونس حالياً نحو 1500 يهودي يحملون الجنسية التونسية، ويسكن معظمهم في جزيرة جربة وفي تونس العاصمة، وقبل الاستقلال عن فرنسا سنة 1956، كان يعيش في تونس نحو مئة ألف يهودي لكنهم غادروا البلاد بعد استقلالها.