للجسد مكان يساكن الزمن، و الزمن هو أنت أيها الإنسان، يجري نهر الحياة والماء لا يشبه الماء. لا مشاحة بأن الجسد يتعرض لعوامل النقص والتعرية وهزائم الشيخوخة الظالمة، بيد أن الإحساس بالوجود ونبض القلب والحوار والتواصل عبر العالم، لا يتم إلا بالبوح وتدفق مياه جوفية تصدح بالغناء وألق الشعر الذي يشدنا بأكثر من وشيجة لحياة منفلتة، وتبقى الكتابة حبلا سريا ممتدا لآفاق رحيبة. العمر لحظة والكتابة قبض على تلك اللحظة، نعيش حياة واحدة وبالقراءة والكتابة نعيش المضاعف الثري بالحس الإنساني. فمحطة الشيخوخة هي مقاومة الموت كمعطى فيزيولوجي والارتقاء بالبوح والتعبير عن خلجات الوجدان إلى صعيد اللانهائي المسمى عسفا بلغة الادارة المحايدة والقاصمة: “سن التقاعد” وبلغة المركوتنغ: “انتهاء الصلاحية”. بيد أن الحياة في هذا العمر الذهبي بالرغم من وعثاء وأسقام مرتبطة بالمرحلة وبالرغم من الجسد الذي يسير بحكم الضعف الطبيعي للوهن العضوي و الاشراق الروحي فان الكتابة تظل حديقة جميلة تروى بالأمل و تخصب بالأحلام و تعيش في ظلال الحب والتشبث بالحياة مهما قست. في هذا السياق خرجت للوجود هذه الانطولوجيا التي التف حول تأليفها سبعة وخمسون شاعرا وشاعرة من ثمان دول ( الجزائر، بلجيكا، ساحل العاج، فرنسا، هايتي، المغرب، سويسرا و تونس). مائة وستون قصيدة لشاعرات وشعراء كل من زاويته و رؤيته للحياة، بغلوها وصلافتها، أحيانا كتابات من أصقاع مختلفة وحساسيات متباينة تتوحد كصوت كورالي يتغنى بشذى اللحن ويترنم بأعذب الكلمات، نختلف لكي نأتلف ولا تزدهي المزهرية إلا بتنوع الأشكال والألوان، لتسير بنا تلك النفحات النديات بعطر الحياة نحو الأمل. وبالإضافة إلى هدفه الإنساني النبيل، فالكتاب يشيد أيضا بالدور الفعال الذي يقوم به الشعراء في تغيير المجتمع إلى الأحسن ويدعو إلى تأسيس وعي مجتمعي قائم على رعاية المسنين حتى يشعروا بأهميتهم في المجتمع. ومن أجل الاحتفال بهذا المولود الجديد ” فلنسع إلى حياة أفضل مع تقدم السن”، نظمت رابطة كاتبات المغرب- فرع القنيطرة – بتعاون مع المعهد الفرنسي لقاء ثقافيا، حيث قامت الشاعرة أمينة اسحاقي رئيسة الفرع والمشاركة في الانطولوجيا، بتقديم الكتاب، مشيرة إلى المجهودات الكبيرة والتفكير العميق الذي تطلبه هذا العمل ليخرج للوجود، مؤكدة على الدور الفعال الذي لعبه صاحب الفكرة وهو الشاعر عبد اللطيف بحيري. بعد ذلك كان للحضور النوعي الذي تتبع الحفل موعد مع الاستماع بل الانصات للغة القلب الناطقة بالحب والجمال والساعية لضفاف الحرية والتشبث بالحياة. فقد توالى على المنصة طلبة من جامعة ابن طفيل لقراءة قصائد من الديوان الجماعي. وقد تميز الحفل الثقافي الفني الذي نشطه محمد بدري بمعزوفات جميلة على الة العودو القيثارة و الساكسوفون.