صدرت ضمن سلسلة شعراء العالم المعاصرون الترجمة الإيطالية لأنطولوجيا ضمت ديوان مائيات وقصائد أخرى للشاعر محمد الأشعري. أنجز الترجمة الباحث المغربي الرداد شراطي. وقد خص الشاعر الإيطالي جاكمو ترنتشي Giacomo Trinci هذا الإصدار بمقدمة مكثفة، قاربت التجربة الشعرية في القصائد المترجمة انطلاقا من مفهوم الصيرورة في علاقته بمادية الكتابة. وفيما يلي ترجمة لنص المقدمة بتعاون مع مؤلفها.يكتب الشاعر محمد الأشعري، في هذه الأنطولوجيا المتميزة، نشيد احتدام الصيرورة، لا في بعدها الميتافيزيقي وإنما في تحققها المادي القائم على تفاعل وتجاذب عناصرها المتداخلة. عناصر يهبها الشاعر شكل الماء وصبر الإنصات وقلق كتابة لا تفرض شكلا على مادة التجربة، وإنما تقيم في منطقة النقص الأبدي للكائن في صيرورته.وذكرت صحيفة القدس العربي التي جاءت بالخبر ان اللقاء بأبيات محمد الأشعري، المائية المتجذرة في الزمن المادي وفي دينامية التحقق الدائم في الظلال والصور والمشاهد، يولد لدى الشاعر الإيطالي دهشة هي عينها الرغبة في الكشف. بهذه الرغبة، يستحضر الشاعر الإيطالي الخصيصة المادية لدى الشاعر اللاتيني لوكريتزيو كارو Lucrezio Caro، ولدي الشاعرالإيطالي الكبيرماريو لوتسي Mario Luzi . إنها الخصيصة ذاتها التي تحظي بقيمة عالية في الشعر العربي، سواء تجسدت في مفهوم التحول، الذي وسم المنجز الشعري لأدونيس، أوفي العمل الحر والمؤسس لانفتاح وتحديث الشعر المغربي لدى محمد بنيس، الذي أنجز بكتابته المادية الدقيقة، القادمة من هوية المعمار، ربطا جدليا بين اللاشكل واللااكتمال.إذا كانت الذكورة هي الصيغة التعبيرية المهيمنة والمفروضة على المادة الحية، فمن المؤكد أن نمط الكتابة المرتبط بصيرورة العالم وزواج الأشكال ودينامية الحياة يصبو نحو التأنيث. ذلك ما ينص عليه جيل دولوز في كتابه عن الأدب والحياة لما تساءل: أليس التأنيث المبرر الأقوي للكتابة؟ سؤال عاجل وضروري للبناء الشعري. وأعتقد أن الجواب عنه سار في العمل الشعري لمحمد الأشعري، الذي يعد واحدا من شعراء جيل السبعينيات الأساسيين. فالعديد من عناوين القصائد، في هذا العمل، هي عتبات عالم سمته الصيرورة وتحول الشيء انطلاقا من ذاته إلى شيء آخر. عالم يجسد الدافع المركزي للكتابة عند محمد الأشعري. غير أن الصيرورة لا تعني، في هذه الكتابة، الانغلاق في شكل نهائي وإنما هي بحث عن منطقة الوشوك، أي البحث عن الشيء في العبور، دون نزوع إلى التحقق النهائي، مما يبعد دوما عن صفة الاكتمال. ولعل هذا، أيضا، ما يعنيه جيل دولوز بقوله على الكتابة أن تسلك انزياحات أنثوية وحيوانية وجزيئية. كل انزياح هو صيرورة موت. ليس ثمة خط مستقيم، لا في الأشياء ولا في اللغة. فالتركيب اللغوي هو مجموع الانزياحات الضرورية التي تنشأ، بين الفينة والأخرى، كي تكشف حياة الأشياء .(صحف)