حب الأوطان من الإيمان؛ مقولة قد لا يؤمن بها بعض لاعبينا المغاربة المقيمين بالمهجر، لاعبون من الجيل الثالث ولدوا خارج المغرب وجعلهم القدر يحترفون كرة القدم في بطولات أوروبية قادرة على تطوير مستواهم، وتمكنوا بفضل الرعاية التي توليها لهم هاته الدول من لفت أنظار محبي كرة القدم الأوروبية، حتى غدت الأسماء المغربية رنانة وتتردد أصداؤها في الملاعب، إلى جانب الأسماء الأوروبية واللاتينية المعروفة خصوصا في البطولة الهولندية والفرنسية والبلجيكية، أسباب تدفع بهؤلاء اللاعبين إلى تفضيل الدفاع عن ألوان منتخبات الإقامة، تاركين المغرب وجامعته يستجديان منهم تغيير رأيهم وحمل الزي الوطني، وعبثا يحاولان... إنما يعيشه المنتخب الوطني للكبار في علاقته مع المحترفين يدعو بالفعل إلى كثير من الاستغراب، لقد بات المحترف ماركة مسجلة في صفوف المنتخب الوطني، ماركة لا يمكن التخلي عنها لأي سبب من الأسباب، وذلك على حساب اللاعبين المحليين الذين يظلون هواة في نظر الجامعة الوطنية لكرة القدم، بل إن الجامعة ببلادنا حملت على عاتقها مسؤولية إقناع المحترفين باللعب مع منتخب الأسود، وهو أمر قد نجحت فيه في الكثير من الحالات متمكنة من ضم مجموعة كبيرة من المحترفين ذوي الأصول المغربية. هكذا أصبح المحترف المغربي محط صراع بين جهتين، بين بلد الإقامة وبلده الأصلي، الأول يبحث دائما عن جواهر كرة القدم ويجد ضالته في أبناء المهاجرين المغاربة ويحاول ضمهم إلى صفوفه ولعل هولندا مثال حي على ذلك، والثاني لا يتذكر أن له لاعبين محترفين بالخارج إلا وقت الشدة والمحن، حينها تشد جامعتنا الهمم وتبدأ في عملية إقناعهم بارتداء بذلة الأسود، مغرية إياهم بمجموعة من التسهيلات ومقدمة لهم تنازلات لا تنالها أحلام لاعبي بطولتنا، فقط ليتخلوا عن فكرة اللعب للمنتخبات الأوروبية في محاولة لتصحيح أوضاع المنتخب. هذا هو واقع جامعة الكرة المغربية، تتلقى الضربات ولا تستخلص الدروس والعبر، وكانت آخر ضربة -عفوا ضربة مزدوجة- تخلي كل من الشاذلي وكارسيلا عن اللعب لصالح منتخب الأسود، حيث أعلن الأول اختياره اللعب للمنتخب البلجيكي معتذرا للمغاربة حسبما جاء في موقعه الرسمي على شبكة الإنترنيت، ببرودة أعصاب قالها البلجيكي «لقد اخترت اللعب لبلجيكا، وأعتذر للمغاربة»، كلمات أغضبت الشباب المغربي بسبب تلاعب هذا اللاعب بمشاعر الجميع، ودعته إلى اختراق صفحة اللاعب بالفايسبوك بينما حاول البعض تزييف الواقع بحذف تصريحه وإظهار مدى حبه لموطن آبائه، لكن وحسب الاتحاد البلجيكي لكرة القدم فإن ناصر الشاذلي صاحب الجنسيتين المغربية والبلجيكية، أصبح لاعبا لمنتخبه الأول بشكل رسمي وهو ما يعني أنه لن يشارك في مباراة المغرب ضد النيجر رغم مشاركته في آخر مباراة ودية للأسود ضد إيرلندا الشمالية. والمضحك في الأمر أن جامعتنا تتحسر على فقدان لاعب بقيمة الشاذلي، كأنه نجم من نجوم الليغا أو البريمغ ليغ أو الكالشيو، وهو مجرد مهاجم في أحد الأندية الهولندية المغمورة، كما أن تصريحه حينما وصف المنتخب البلجيكي بأنه «من أفضل المنتخبات العالمية» يدفعنا إلى الضحك بشكل جنوني، وغاب عن ذهن الشاذلي أن منتخب «الشياطين الحمر» -وهو لقب طنان لمنتخب بلجيكا- هو من أضعف المنتخبات الأوروبية إن لم يكن أضعفها على الإطلاق، وأن إنجازات المنتخب في الثمانينات قد ولت وأصبحت من الماضي، ولا داعي إلى الالتفات إلى أحلام اليقظة التي تراود اللاعب البلجيكي. عندما يتخلى الآخر عليك، فعليك أنت أن تتعلم أنك تقف أمام حرباء يستمتع بتغيير ألوانه في كل مرة، وعلينا نحن المغاربة أن لا نحزن لأننا فقدنا مثل هذا اللاعب المتقلب، هذا اللاعب التي صنعت منه جامعتنا المحترمة نمرا من ورق، وأثيرت حوله زوبعة إعلامية كانت كفيلة باستفزاز المغاربة وولادة مشاعر الحقد والكراهية ضد لاعب متذبذب لا يستطيع حتى الحسم في قرار شخصي، لا يستحق بالفعل أن يحمل قميص الأسود وأن يدافع عن ألوان المنتخب المغربي، لأنه ما زال قاصرا عن إثبات مشاعر حب الوطن، وأن أنانيته قادته إلى اللعب بعواطف الشعب المغربي بدل اللعب للمنتخب... قد لا يكون الشاذلي لاعبا بارعا في كرة القدم، لكنه بارع فقط في فن المراوغة والتلون في تصريحاته، أما أن يكون صاحب أداء مميز على أرضية المستطيل الأخضر فذلك مستبعد، لكن السؤال: لماذا استمرت الجامعة في ملاحقته وإغرائه بشتى الأشكال ؟ على الرغم من أنها تبينت موقفه المهتز من اللعب لصالح المغرب، إن كان حقا يمتلك روح المغاربة ما كان ليتردد قائلا للوسائل الإعلام البلجيكية، أنه سيصبح واحدا من الأسود، موقف يذكرنا بالروح المغربية ليوسف العربي الذي أعلن ولاءه الكامل لمنتخب المغرب في أول وهلة، والنماذج كثيرة في منتخبنا الحالي: حجي، الشماخ، الحمداوي، بوصوفة، وغيرهم كثر ... كلها أسماء رفعت صوتها ب «حب الأوطان من الإيمان» وكانت حازمة في قرارها اللعب لمنتخب الأسود بدل المنتخبات الأوروبية، علما أنهم تعرضوا أيضا لضغوطات للعب لصالح منتخبات أوروبا، بينما أطراف أخرى كانت أكثر منطقية من الشاذلي وأمثاله، كما فعل بولحروز وأفيلاي والرامي حين اعتذرا بشكل حضاري ومعلنين عن تمثليهم لمنتخب هولندا وفرنسا. لكن عندما تتلقى ضربة من الخلف، حينها لا يمكن أن تفعل شيئا أكثر من محاولة التخفيف من حدة هاته الضربة، لكنك أيضا ستقف متحسرا على غبائك وعدم حذرك الذين جعلاك عرضة لمثل هذا الموقف السخيف... لكن الأسخف أن تتولى الضربات... فلتحاول الجامعة أن تفهم الدرس، حتى لا تلدغ أكثر من مرة؟