نجوم تتوارى وأخرى تهتم بمشاريع شخصية·· لاشك أن أصعب لحظة يعيشها لاعب كرة القدم هي تلك التي يضطر فيها إلى إسدال الستار على مشواره الكروي ويشهر إعتزاله و توديع ملاعب الكرة بأحزانها وأفراحها، والأكيد أن هذا اللاعب هو من يستشعر مدى لوعة الفراق عن المستطيل الأخضر وهوس الملاعب رغم أن لكل بداية في الملاعب حتما نهاية، ليبدأ التفكير في مرحلة ما بعد الإعتزال بتوجه صحيح لابد أن يفيد هذا اللاعب أو النجم بلده بالتجارب والخبرات التي راكم ونطرح نحن في المغرب قياسا مع الأجيال الوازنة التي تعاقبت على كرتنا، متى نستفيد من نجومنا المعتزلين؟ نجوم و نجوم يحسب لكرة القدم المغربية كلعبة شعبية المكانة التي تحتل في إفريقيا باعتبارها رائدة في هذا المجال أو في أوروبا نظير الإحترام التي تحظى به ولم يكن هذا الإعتراف إلا للعروض التي قدمت في المحافل الدولية ثم الأسماء الوازنة التي أثثت الأندية الأوروبية منذ جيل المرحوم العربي بنمبارك، لذلك خطت كرة القدم المغربية لنفسها أسطر من ذهب السجلات العالمية و تعاقب على حمل المشعل أجيال متنوعة حافظت على نظارة كرة القدم المغربية ومثلثها أحسن تمثيل· الكرة المغربية استطاعت أن تنجب نجوما لعبوا في أكبر الدوريات الأوروبية نهلوا من ثقافتها واحترافياتها، وطبعا هذا لم يتأت لأي بلد عربي أو إفريقي، إذ كان المغرب سباقا لهذه الخطوة والإنفتاح، والأكيد أن هذا الامتياز أكسب نجومنا الكروية تجارب جمة وخبرات لا حصر لها· ما بعد الإعتزال!! نهاية المشوار الكروي يعني دخول اللاعب مرحلة جديدة في حياته الرياضية، إذ يبدأ التفكير في كيفية تدبير الحياة الجديدة، لكن ليس كل اللاعبين والنجوم يختارون التشبث بعالم المستديرة المجنونة، فهناك من النجوم من تختار أن تتوارى عن الأنظار وتقطع كل صلة بالرياضة إيمانا منها بالتفرغ لعائلتها الصغيرة أو لمشاريع شخصية، فكم من النجوم المغاربة الذين آثروا الابتعاد كليا عن الإطار الرياضي، على أن هناك فئة أخرى تأبى إلا أن تسخر تجاربها وخبراتها الكروية للغير، وغالبا ما يرتبط إسمها بالتدريب كمجال يرى فيه أغلب النجوم ذاتهم ونجاحهم المضمون ولو أن ليس كل لاعب أو نجم يستطيع أن يلقى نفس النجاح في التدريب، فهناك حالات كثيرة من هؤلاء النجوم تعذر عليهم الذهاب بعيدا في هذا المجال وكانت لهم خرجات محدودة مع أندية أو دربوا في إطار ضيق لا يتجاوز أندية صغيرة أو تلعب في إطار محلي، وهنا سيطرح لا محالة اختيار التوجه الصائب لمرحلة ما بعد الإعتزال، أي المجال الذي سيضمن فيه النجم المعتزل النجاح على غرار ما لاقاه كلاعب· ليس فقط التداريب مع الأسف أن أغلب النجوم المعتزلة التي أَثْرَتْ كرة القدم المغربية، إما أنها تتوارى عن الأنظار وتحدث قطيعة مع عالم الكرة، وإما أنها تتجه لامتهان التدريب والإستفادة من إسمها، وإن كنا نجزم أن ليس كل نجم يستطيع أن يكون مدربا ناجحا فهناك مجالات أخرى لها علاقة بكرة القدم، فكم هي النجوم العالمية التي خدمت بلدانها بعيدا عن ميدان التدريب كالتسيير والتدبير والماركوتينغ والتواصل، ولنا مثلا في الأسطورتين الفرنسي ميشيل بلاتيني والألماني فرانز بكنباور خير دليل، ذلك أن الرجلين خدما مصالح بلديهما على مستوى التدبير والتسيير إلى حد كبير ولو أنهما دخلا تجارب على مستوى التدريب، لكن إسمهما ارتبط أكثر كلاعبين وكمسيرين فالأول يشغل حاليا رئيسا للإتحاد الأوروبي لكرة القدم والثاني يدبر أمور فريق وازن من حجم بايرن ميونيخ، ناهيك عن بصماته في الكرة الألمانية بدليل أنه هو من أشرف على اللجنة التنظيمية لمونديال 2006 الذي نظم فوق الأراضي الجيرمانية· بحاجة لأدوات التواصل كشفت السنوات الأخرى أن هناك خطرا محذقا يتربص بكرة القدم المغربية، ذلك أن التجنيس بات الشبح الذي يطارد مواهبنا بالمهجر خاصة في الدول الأوروبية التي تعرف حضورا مكثفا للجالية المغربية بكل من فرنساوهولندا وبلجيكا، وقد أكدت التجارب أن هؤلاء اللاعبين الذين تشبعوا بالثقافة الأوروبية وتأثروا كثيرا بمحيطهم هم بحاجة ماسة لتوجيه صريح وأدوات تواصل كفيلة بالدفع بهم نحو اختيار القميص المغربي وعدم السقوط في فخ التجنيس، حيث غالبا ما يجهل هؤلاء اللاعبون الكثير عن وطنهم على المستوى الكروي بتوصيلهم أخبار خاطئة فضلا عن الضغط الذي يمارس عليهم من طرف مدربي أنديتهم وأسلوب الترهيب لثنيهم في التفكير في أصولهم والتواصل يبقى هو الكفيل لتقريب مغاربة المهجر، وليس أفضل من الأسماء الدولية المعتزلة لتضطلع بهذه المهام·· فاللاعب وقياسا بتجاربه يملك اللغة الكفيلة للإقناع ويعرف كيف يوجه الخطاب كما أن سمعته تسبقه ويكون لها الأثر الفعال في التوجيه، وبحكم أن المغرب أكثر الدول العربية عرضة لظاهرة التجنيس، فإن الضرورة حتما تقتضي الإستنجاد باللاعبين الدوليين وما أكثرهم وهم الذين إستشرفوا الإحتراف في أوروبا للقيام بهذه المهمة أفضل قيام· جيل من المهجر عرفت بداية التسعينيات ميلاد جيل من اللاعبين أثثوا المنتخب المغربي بامتياز وبدأت الكرة المغربية تفتح ذراعيها للاعبي المهجر بعد الجيل الذي سطع بمختلف البطولات الأوروبية حتى بات السواد الأعظم من المنتخب المغربي يتكون من اللاعبين المحترفين أغلبهم أبصر النور خارج المغرب، وكلنا يتذكر الثورة التي عرفها عرين الأسود إذ طفت على السطح أسماء من الجالية البلجيكية كمحمد الأصحف وناصر وموكريم ومن هولندا كالخطابي والحارس سينوح ومن ألمانيا كالعزوزي وواكيلي ومن فرنسا مصطفى حجي والسماحي التريكي وحسن كشلول وغيرهم من هذا الجيل الذي حمل ذكريات لا تنسى وكانت للكرة المغربية أفضال عليه لا تحصى خاصة أن عنصر الارتباط، كان وثيقا لهذا الجيل بالكرة الوطنية حيث قدم أروع اللوحات بذكريات حتما لا تنسى· المقاهي·· الإستثمار الأوحد دوليونا الوطنيون هم أيضا معنيون بتسخير تجاربهم لوطنهم بدل الإنزواء والهروب من المسؤولية، مجموعة من نجوم الكرة ممن تعلموا أبجديات الكرة بالمغرب ونهلوا من الأندية الوطنية لم يعد يسمع لهم أي صوت على الساحة الكروية، وفضلوا العيش في الظل أو الإهتمام بمشاريعهم وهنا يشدنا كثيرا ويحز في أنفسنا ما نراه من خطوات يقوم بها نجوم من إفريقية وأمريكا اللاتينية لخدمة كرة بلدانهم بعد إعتزالهم، إذ غالبا ما نراهم ينجزون مشاريع لتطوير منتوجهم الكروي في بلدانهم كمراكز التكوين والمدارس الكروية والمشاريع ذات أهداف رياضية واجتماعية، ناهيك عن مساهماتهم بأفكارهم وتجاربهم سواء داخل اتحاداتهم المحلية أو ضمن الأندية التي لعبوا لها· مع الأسف أن أغلب نجومنا تستهويهم مشاريع من طينة المقاهي كشعار يحمله أغلبهم بعد الإعتزال بدل المساهمة في سياقات تهم المستوى الرياضي والتكويني وتسخير تجاربهم في مثل هذه الميادين· العيساتي النموذج الحي صفعة أخرى تلقتها الكرة المغربية بعدما أبدى اليافع العيساتي ترددا في حسم حمل القميص الوطني، فبعد أن جاءتنا أخبار سارة من أمستردام تؤكد أن العيساتي لاعب أجاكس قد أعطى موافقته النهائية للانضمام إلى عرين الأسود، يعود اليوم إلى نقطة الصفر، ليتأكد أن المفاوضات الأخيرة التي كان وراءها موفد الجامعة السيد إدريس الكحل لم تكن فعالة ولم تعط أكلها لاقناع العيساتي بصفة نهائية والمضي في إنجاز الإجراءات الإدارية، وتلك مسؤوليات تبقى في الواقع بعيدة كل البعد عن المسؤولين الجامعيين، إذ قلنا من قبل أن خطاب لاعب كرة القدم ليس هو خطاب المسؤول الإداري، ذلك أن أدوات الإقناع تختلف وهي بالطبع تكون فعالة عند لاعب معتزل بالإرتكاز على لغته وكذا تجربته ونجوميته المؤثرة، فلا أعتقد أن لقاء نجم مغربي من طينة نور الدين نيبت مثلا باسماعيل العيساتي يعادل اللقاء الذي تولاه العضو الجامعي، والأكيد أن الوضع مختلف بين الإثنين· من يتحمل المسؤولية؟ مسألة تدبير مرحلة ما بعد الاعتزال تعود بالأساس للاعب فهو الأجدر باختيار ما يتناسب مع طموحاته وعزيمته وكذا اجتهاده، فهو من يدرك أن النجومية وبلوغ القمة ليس من السهل، إذ لابد من العمل المضني والاجتهاد دون كلل ولا ملل· نفس الطريق يفرض على النجم عند اختيار مساره بعد إسدال الستار على مشواره الكروي سواء تعلق الأمر بالتدريب أو ميادين أخرى كالتدبير الرياضي والتقني والتسييري، أو التواصلي الذي يبقى بحاجة إلى رجالات متخصصين في هذه الظرفية التي تعرف صعود جيل من اللاعبين من أبناء المهجر بمختلف البطولات الأوروبية· وهنا يأتي دور الجامعة في تشجيع اللاعبين والنجوم المعتزلين وحثهم وفتح الطريق أمامهم للتكوين ومنحهم مسؤوليات من قبيل التواصل مع اللاعبين من أبناء المهجر عوض أن يضطلع بهذه المهام أعضاء من الجامعة يفتقدون لأدوات الإقناع والتأثير· خطوة وضع إسم مصطفى حجي تبقى إيجابية وهو الذي تردد إسمه من أجل إقناع عادل رامي لحمل قميص المنتخب المغربي بدلا من المنتخب الفرنسي، فما أحوجنا اليوم لأسماء من طينة مصطفى حجي للتواصل مع لاعبينا بالخارج في زمن نعيش فيه خصاصا مهولا على مستوى المنتخب الوطني، في ظل تراجع لاعبي البطولة الوطنية وعدم قدرتهم على تحمل مسؤولية الدفاع على ألوان المنتخب المغربي بشكل مقنع، وفي ظل الإستحقاقات الهامة التي تنتظرنا في الأيام القادمة وعلى رأسها التصفيات المزدوجة لكأسي العالم وإفريقيا· اليوم أصبحنا بحاجة لقنوات تواصل جديدة للتغلب على شبح التجنيس الذي بات يطارد أبناء بلدتنا، فهلا بادرت الجامعة إلى تغيير سياسة تواصلها وخططها مع أبناء المهجر؟