شنت السلطة الفلسطينية أول أمس الاثنين هجوما لاذعا على قناة الجزيرة بعد بثها وثائق تتهمها بتقديم تنازلات لإسرائيل سعيا للوصول إلى اتفاق سلام, في ما رأت فيها حركة حماس دليلا على تورط السلطة في «تصفية القضية الفلسطينية». وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القاهرة أن وثائق الجزيرة تتضمن «خلطا مقصودا وهذا عيب». وفي رده على أسئلة الصحافيين قال عباس «المقصود من ذلك هو الخلط, فقد رأيت بنفسي ما عرضته القناة ويقال انه فلسطيني بينما هو إسرائيلي». وتابع «أقول بمنتهى الصراحة ليس لدينا سر وهذا ما تعرفه الدول العربية مجتمعة أو منفردة, فكل المفاوضات التي نجريها أو اللقاءات وكل قضية نطرحها أو تطرح علينا نقدمها بتفاصيلها إلى الدول العربية مشفوعة بكل الوثائق والأوراق ولذلك فعندما يحدث خلط مثلما أذيع فهذا أمر مقصود وهذا عيب». أما كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات الذي ورد اسمه في العديد من الوثائق التي عرضتها الجزيرة فأكد أن فيها «تحريف وأكاذيب» وأن «توقيت نشرها مشبوه». وأضاف «ليس لدينا ما نخفيه واكرر القول إن معلومات الجزيرة مليئة بالتحريف والتزوير». وكانت قناة الجزيرة بدأت مساء يوم الأحد ببث مئات «الوثائق السرية» المتعلقة بالمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية تناولت الدفعة الأولى منها ما وصفته المحطة القطرية ب»التنازلات» التي قدمها المفاوض الفلسطيني في ما يتعلق بالقدس واللاجئين. وحاول شبان غاضبون أول أمس, اقتحام مكتب الجزيرة في رام الله, إلا أن الشرطة الفلسطينية حضرت على وجه السرعة إلى المكان وتصدت لهم. أما أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه فقد اتهم أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني بإعطاء الضوء الأخضر لقناة الجزيرة لنشر هذه الوثائق. وقال عبد ربه في مؤتمر صحافي في مقر المنظمة في رام الله إن «هدف هذه الحملة هو التخلص من السلطة لان وريثها معروف ومعد سلفا», في إشارة إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس. وأضاف أن «حملة على هذا المستوى لا يمكن أن تكون مسؤولية (وضاح) خنفر (مدير القناة) بل هي مسؤولية من الدرجة الأولى, وبدأت بقرار سياسي من أعلى مستوى في الشقيقة قطر». وتابع «أتوجه بالشكر العميق إلى سمو أمير قطر بسبب إعطائه الضوء الأخضر لهذه الحملة (...) وعلى حرصه الشديد على الشفافية وإيصال الشفافية إلى الجمهور». وأضاف متهكما «نأمل من سموه أن يوسع هذا التوجه إلى أقصى مدى بحيث يشمل دور القاعدة الأميركية في قطر التي تتجسس على الشعوب العربية في المنطقة (...) وان تشمل الشفافية علاقات قطر مع إسرائيل وإيران ومساعدات قطر لقوى بعضها طائفي وبعضها يلعب دورا في تقسيم بلده». من جانبه, اتهم وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي الجزيرة ب»الاصطفاف إلى جانب إسرائيل في محاولة التخلص من القيادة الفلسطينية». وأكدت الجزيرة أن الوثائق التي كشفت عنها في نشرتها الإخبارية المسائية الرئيسية بطريقة لم تخل من التشويق تشكل «اكبر تسريب في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي». ومعظم الوثائق التي أوردتها الجزيرة ممهورة باسم «دائرة شؤون المفاوضات» في منظمة التحرير الفلسطينية. ولم تكشف القناة كيف حصلت عليها. لكن عبد ربه أكد بان القيادة الفلسطينية «تعلم كيف تم تسريب هذه الوثائق, ومن أين», مشيرا إلى مصادر في وحدة إدارة المفاوضات, دون أن يحددها. وتلقفت حماس ما نشرته الجزيرة من وثائق. وقال الناطق باسمها سامي أبو زهري في تصريح صحافي إن هذه «الوثائق السرية خطيرة للغاية وتدلل على تورط سلطة فتح (السلطة الفلسطينية برئاسة عباس) في محاولات تصفية القضية الفلسطينية خاصة في ملفي القدس واللاجئين». واعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن وثائق الجزيرة تشكك في «مشروعية وجود السلطة». لكن إعلاميون مستقلون اعتبروا أن الجزيرة «بالغت» في طريقة طرحها لهذه الوثائق. وقال الصحافي خليل شاهين لوكالة فرانس برس «من حق الجزيرة الحصول على وثائق ونشرها, لكن من الخطأ أن تتحول الجزيرة إلى أداة سياسية يتم توظيفها لتعزيز الانقسام الفلسطيني, ومساندة طرق ضد طرف آخر». وأضاف شاهين «هذه المعلومات ليست بالجديدة, لكن لا بد من الإشارة إلى أن المفاوضات أصلا متوقفة, ولم يتم التوقيع على تسوية سياسية لغاية الآن». ووافقه الرأي الكاتب هاني المصري الذي أكد ان الجزيرة « بالغت» وانه «كان هناك مغالاة» في طرح هذه الوثائق مشيرا إلى أن غالبية المعلومات التي عرضت كانت معروفة سابقا. وفي إسرائيل نفى عاموس جلعاد مدير الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الدفاع أن يكون عباس أُبلغ عام 2008 بخصوص شن اسرائيل هجوما على غزة, مكذبا بذلك ما أوردته قناة الجزيرة نقلا عن وثيقة «سرية». وقال جلعاد «هذا مثال على عدم الدقة, لم يتم ابلاغ السلطة الفلسطينية بخصوص الهجوم». أما نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق حاييم رامون فاعتبر أن الوثائق التي عرضتها الجزيرة تؤكد أن السلطة الفلسطينية «شريك فعلي» في المفاوضات للتوصل إلى اتفاق سلام. وهب المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط روبرت سيري إلى نجدة السلطة الفلسطينية في خضم الانتقادات. وقال سيري في بيان «أستطيع أن أشهد شخصيا على التزام القيادة الفلسطينية للحصول على الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني والحفاظ على مصالحه بناء على القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة». من جهتها, اعتبرت واشنطن أن ما نشرته الجزيرة سيجعل الأمور «أكثر صعوبة» في الشرق الأوسط. لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي تدارك «لا شيء من كل ذلك يغير تقييمنا للأمور العالقة وما ينبغي القيام به» للتوصل إلى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.