بدأت قناة "الجزيرة" يوم الأحد (23-1) في "حصاد اليوم" بنشر 1600 وثيقة سرية تتعلق بالمفاوضات بين سلطة "فتح" برام الله والكيان الصهيوني وما دار فيها، وكشفت الوثائق بالحقائق والأرقام "تنازلات غير مسبوقه" قدمها المفاوض الفلسطيني بقضايا مصيرية في الصراع مثل القدس والاستيطان واللاجئين والحدود، كما بينت حجم تواطؤ هذه السلطة من خلال التنسيق الأمني مع الاحتلال، والعدوان الصهيوني على غزة. وأكدت "الجزيرة" لجمهورها -بعد أن عرضت خطوطاً عريضة لأبرز ما سربته الوثائق- أن تعاملها مع هذه القضية كان بمنتهى الدقة والموضوعية، وأن أكاديميين وخبراء في السياسة والتاريخ والقانون وغيره - من ثلاث قارات- هم من قاموا بمراجعة هذه الوثائق والتحقق منها. مشيرة إلى أنها ستسمتر في عرض ما جاء بهذه الوثائق على شكل ملفات تُناقش في "حصاد اليوم" على مدار أربعة أيام متتالية. "ليست كويكيلكس" واستهلت القناة عرضها للوثائق باستضافة الدكتور سليمان أبو ستة، المنسق العام لمؤتمر حق العودة، والدكتور بشير نافع، المؤرخ والكاتب الفلسطيني المعروف، اللذان أكدا على أهمية هذه الوثائق وخطورتها؛ لما كشفته من "تنازلات مفرطة" قدمها المفاوض الفلسطيني، الذي لا يملك أي شرعية أو قانونية أو كفاءة للتفاوض. وشدد الخبيران الفلسطينيان على أن هذه الوثائق ليست كوثائق "ويكيلكس"؛ لأنها لا تعرض مراسلات هنا وهناك، بل تعرض "محاضر اجتماعات وجلسات مسجلة كلمة بكلمة وفاصلة بفاصلة، حتى النكات فيها"، موضحين أهميتها البالغة لكونها تكشف الحقائق للتاريخ وللشعب الفلسطيني، كما تُظهر بوضوح الصورة الحقيقية "للعملية السلمية" وما يدور في كواليسها، وموقف الاحتلال الصهيوني وجميع الأطراف من المفاوضات. من جانبه، أكد عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة القدس العربي بلندن – الذي استضافته الجزيرة في استديوهاتها بالدوحة للتعليق على الوثائق- أن مفاوضات السلطة بلا شرعية أو قانونية، لأن "منظمة التحرير" بصيغتها الحالية لا تثمل الشعب الفلسطيني، وتحتاج لإصلاحات كثيرة، كما أنها لا تضم حركة "حماس"، التي حصلت على أغلبية كبيرة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ولا تضم كذلك حركة الجهاد الإسلامي. ووجه عطوان سؤالاً مباشراً لصائب عريقات "كبير" المفاوضين الفلسطينين – الذي استضافته الجزيرة من القاهرة للتعليق والرد على ما كشفته الوثائق، وبدا مرتبكاً ومتلعثماً بدرجة كبيرة- عمن فوضه أو أعطاه الحق ليفاوض ويقدم تنازلات باسم الشعب الفلسطيني، مبيناً أن عريقات وغيره ليسوا مفوضين أو ناطقين باسم الشعب الفلسطيني. "تعرية للمفاوضات" وأظهرت الوثائق السرية – التي اعتُبرت أكبر تسريب من نوعه بتاريخ الصراع العربي مع الاحتلال الصهيوني- حجم التنازلات التي يقدمها المفاوض الفلسطيني للاحتلال "بلا ثمن"، فقد أبلغ أحمد قريع، رئيس طاقم المفاوضات أنذاك، كونداليزا رايس في 15 يونيو 2008، بأن السلطة "الفتحاوية" عرضت التنازل عن كل المستوطنات في القدس باستثناء جبل أبو غنيم، وهي المرة الأولى في التاريخ التي يقدم الفلسطينيون – المفاوضون- هذا العرض. وبينت الوثائق أيضاً عرضاً قدمه المفاوض الفلسطيني للتنازل عن حارة الشرف بحي المغاربة أو ما يسمى زوراً ب "الحي اليهودي"، وجزء من "الحي الأرمني" في البلدة القديمة بالقدس، واستعدادها للتنازل عن حي الشيخ جراح، في حين ذكرت أن نسبة تبادل الأراضي بين سلطة "فتح" والكيان في القدس بلغت ( 1– 50 ) لصالح الكيان الصهيوني. وفي ملف اللاجئين، ومن بين ملايين اللاجئين الذين ينتظرون بمخيمات الشتات عرض المفاوض الفلسطيني على الصهاينة الاكتفاء بعودة عشرة آلاف لاجئ سنوياً لمدة عشر سنوات، أي ما مجموعه مئة ألف لاجئ إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، في حين يقدر عدد اللاجئين الفلسطينين في العالم بأكثر من 7 ملايين لاجىء فلسطيني. كما كشفت الوثائق عن علم محمود عباس – رئيس السلطة المنتهية ولايته - المسبق بعدوان الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، كما حرّض – أي عباس- على تشديد الحصار المفروض على غزة. في حين أثبتت وثائق أخرى تورط سلطة "فتح" بالتنسيق مع الاحتلال لاغتيال أحد قادة "كتائب شهداء الأقصى"، وقادة في حركة "حماس". أما فيما يتعلق بيهودية الدولة، وبخلاف التصريحات العلنية لمختلف قيادات السلطة الرافضة لهذا الامر، يفاجئ مفاوضون فلسطينيون الجميع بمن فيهم وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة "تسيي ليفني" خلال جلسة عقدت في 13 نوفمبر 2007 بالقول "لم ننكر أبدا حق اسرائيل في تعريف نفسها، إذا كنتم تريدون أن تسموا أنفسكم دولة إسرائيل اليهودية يمكنكم تسميتها كما تريدون ولكننا لا نريد أن نذكر ذلك علنا". "أكبر أورشاليم" وفي اجتماع آخر بتاريخ 13 أكتوبر 2009 مع صائب عريقات، قال مبعوث الأممالمتحدة لعملية السلام "روبرت سيري" إنه التقى في القدس رئيس "حكومة" تسيير الأعمال الفلسطينية سلام فياض، و"أن الشيء الوحيد الذي نحن بحاجة إليه هو إيجاد حل مشرف لعائلات الشيخ جراح، بإعطائهم مبلغا من المال لاستئجار مساكن جديدة في نفس المنطقة". مضيفاً أنه تحدث بشأن ذلك مع الأردنيين. فرد عليه عريقات بأن سلام فياض "هو من يجب أن يدفع تلك الأموال للعائلات، لا أنتم ولا الأردنيون". فأجابه سيري "طبعا". وفي اجتماعه مع ليفني بتاريخ 30 يونيو 2008، قال عريقات: "ليس سرا أننا عرضنا في خريطتنا أن نمنحكم أكبر أورشاليم (القدس بالتعبير اليهودي) في التاريخ، ولكن علينا أن نتحدث عن مفهوم القدس". وحين سألته ليفني "هل لديكم مفهوم؟"، رد عريقات "نعم. لدينا تصور مفصل، ولكن سنناقشه فقط مع شريك. وهو قابل للتطبيق"، فقالت ليفني "لا. لا أستطيع". "مصلحة مشتركة" وبحسب محضر اجتماع بتاريخ 15 يونيو 2008 حضره مفاوضون أميركيون وصهاينة، قال رئيس طاقم المفاوضات في السلطة أحمد قريع "إن اقترحنا أن تضم إسرائيل كل المستوطنات في القدس ما عدا جبل أبوغنيم (هارحوما)". و"هذه أول مرة في التاريخ نقدم فيها مقترحا كهذا، وقد رفضنا أن نفعل ذلك في كامب ديفد". وقد مثَّل حديث قريع هذا خلاصة صريحة وواضحة لما عرضه -بالخرائط- الوفد الفلسطيني المفاوض برئاسته في الرابع من مايو 2008، وهو الاجتماع نفسه الذي قال فيه قريع للمحتلين الصهاينة: "إن هناك مصلحة مشتركة في الإبقاء على بعض المستوطنات". ويشير عريقات إلى أنه في مقابل العروض الفلسطينية، رفض الصهاينة المحتلون مناقشة القدس التي يصر الاحتلال على أنها خارج دائرة التفاوض. وكانت وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة تسيبي ليفني تصر في كل اجتماعاتها على أن القدس "هي العاصمة الموحدة وغير المقسمة لإسرائيل والشعب اليهودي منذ 3007 سنوات". وتؤكد ليفني ذلك بلقاء في ال15 من يونيو 2008 مع قريع ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، قائلة "أخبرنا الفلسطينيين أننا لن نعوضهم عن أي أرض هي جزء من إسرائيل"، قاصدة بذلك القدسالشرقية التي كانت تل أبيب قد أعلنت ضمها للسيادة الصهيونية. "بدون حل" وخلال اجتماع عقده مع محامين من وحدة دعم المفاوضات في الخامس من مايو 2009 يرفض عريقات أي علاقة للأردن بالمدينة المقدسة، ويقول "لا أريد أن تكون للأردن أي علاقة بالقدس". وفي اجتماع آخر له بتاريخ 15 يناير 2010 مع "ديفد هيل"، نائب ميتشل، شدد عريقات على أن "ما في تلك الورقة يمنحهم أكبر يوراشاليم في التاريخ اليهودي". وبعد أن طالبه هيل بأن يكون "أكثر تحديدا" يقول عريقات "أنت تعرف الورقة- الورقة التي أعطيتها لدانيال، كتبها (الرئيس محمود عباس) أبو مازن بنفسه". واقترحت رايس - وفقا لمحضر اجتماع بتاريخ 29 يوليو 2008 مع قريع وعريقات- أن "تكون القدس مدينة مفتوحة"، قائلة: "لا أريد للفلسطينيين أن ينتظروا إلى الأبد إجابة قد لا تأتي". وأضافت رايس فيما بعد "1967 هو خط الأساس، ولكن إذا انتظرنا إلى أن تقرروا بخصوص السيادة على الحرم أو جبل الهيكل.. فإن أولاد أولادكم لن يتوصلوا إلى اتفاق.. وعندما يتعلق الأمر بالأماكن المقدسة، لا أحد سيجادل بشأن سيادة الآخر، اتركوها بدون حل".