حسمت منظمة الصحة العالمية في الجدل القائم منذ سنوات حول الاستخدام الآمن للأجهزة الإلكترونية، مؤكدة أن الإفراط في استعمال هذه الأجهزة وخصوصا الإقبال على الألعاب الالكترونية يعد إدمانا ويندرج في لائحة الاضطرابات العقلية التي تحتاج إلى علاج. التأكيد الرسمي جاء ضمن الإصدار الجديد للتصنيف الدولي للأمراض الذي أعلنت عنه المنظمة يوم الاثنين الماضي. ويعد هذا التصنيف بمثابة المراجعة الحادية عشرة لهذا التصنيف العالمي والتي استغرق إعدادها أزيد من عشر سنوات. ويحتوي التصنيف الجديد على حوالي 55 ألف رمز فريد للإصابات والأمراض وأسباب الوفيات عبر العالم. ويتم الاستناد إلى التصنيف الدولي للأمراض من أجل تحديد الاتجاهات والإحصاءات العالمية فيما يتعلق بانتشار الأمراض ومؤشرات الصحة العالمية، وكذا توجيه السياسات الصحية والوقائية. وهو مفيد أيضا لأنه يوفر للمهنيين عبر العالم لغة مشتركة من أجل تبادل المعلومات والخبرات في المجال الصحي. ويأتي تصنيف إدمان اللعب الرقمي (Digital Play) ضمن الاضطرابات العقلية تجاوبا مع انتشار الظاهرة بشكل مخيف عبر العالم. وعلى الرغم من غياب دراسات واسعة في الموضوع إلا أن الأرقام تشير إلى أن إدمان الأجهزة الالكترونية وألعاب الفيديو قد لا يقل عن 40 بالمائة في صفوف البالغين و28 بالمائة في صفوف الأطفال. وتوصلت دراسة صينية سابقة إلى أن 100 مليون مواطن صيني لديهم أعراض الإدمان على الألعاب الإلكترونية، وأن بعض الألعاب الشهيرة المتاحة على الهواتف الذكية تعرف إقبال 80 مليون مستخدم يوميا. واستنتجت الدراسة أن الصينيين يقضون ساعات طويلة على الانترنت مما يضر بمستقبل البلاد. وهذا ما دفع السلطات الصينية إلى اعتبار المسألة مشكل صحة عمومية وحدت حدوها العديد من الدول الأخرى مثل كوريا الجنوبية وبريطانيا والبرازيل، حيث اتخذت هذه الدول إجراءات ضمن سياساتها الصحية للحد من المشكل، وتم إحداث تخصصات طبية جديدة وعيادات مختصة لعلاج هذا النوع من الإدمان. وتوصلت دراسة مماثلة أجرتها شركة ألمانية للإحصاءات أن البرازيليين يقضون أطول الأوقات على الهواتف المحمولة، بمعدل 5 ساعات كل يوم، تليها الصين بمعدل 3 ساعات يوميا. واحتلت الولاياتالمتحدة وإيطاليا وإسبانيا وكوريا الجنوبية وكندا وبريطانيا المركز الثالث إلى المركز الثامن على التوالي بمعدل أكثر من ساعتين كل يوم، وفرنسا وألمانيا بمعدل نحو 1.5 ساعة يوميا. وتشير دراسات أخرى واستطلاعات الرأي أن الكبار ينقلون عادة الإدمان على الهواتف إلى أطفالهم، وأن أكثر من نصف الوالدين يعتقدون أن اللعب بالهواتف يمكن أن يجعل أطفالهم أكثر هدوءا. وتشخص منظمة الصحة العالمية مرض الاضطراب العقلي المرتبط بإدمان الألعاب الإلكترونية بأنه "نمط سلوك مستمر أو مكرر لألعاب الفيديو أو الألعاب الرقمية، سواء كان عبر الإنترنت أو غير متصل بالشبكة العنكبوتية، يتسم لدى من يعاني منه بضعف السيطرة على النفس وعدم القدرة على التوقف عن ممارسة ذلك لساعات طويلة وبكثافة عالية". وقال شيخار ساكسينا، مدير إدارة الصحة النفسية وإساءة استعمال المواد في منظمة الصحة العالمية، إن بعض أسوأ الحالات التي شوهدت في الأبحاث العالمية كانت تتعلق بالأشخاص الذين يمارسون تلك الألعاب لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم ويمتنعون عن النوم أو تناول الوجبات أو العمل أو الدراسة وغيرها من الأنشطة اليومية". وشدد على أن أقلية صغيرة فقط من الأشخاص الذين يمارسون الألعاب الرقمية وألعاب الفيديو يمكن أن يمثلوا مشكلة، لكنه قال إن رصد علامات الإنذار المبكر قد يساعد في الوقاية من ذلك. وفي نفس السياق، يؤكد الخبراء أنه يجب التمييز بين الإقبال على الأجهزة الإلكترونية وألعاب الفيديو الذي يصل حد الإدمان، وبين الاستخدام العادي والآمن الذي يبقى محدودا في الزمن والأثر ولا يشكل خطرا على صاحبه سواء كان طفلا أو بالغا. ويتمثل الحد الفاصل بين الحالتين في ضرورة تخصيص وقت محدد لهذا الاستخدام بشكل لا يؤثر على النشاطات الأخرى للأشخاص من عمل ودراسة ولعب فعلي (True Play)، خصوصا في الهواء الطلق، بالنسبة للأطفال. وإذا كان التصنيف الجديد سيحث الدول على تعديل سياساتها الصحية باتجاه الحد والوقاية من الإدمان الرقمي، فإنه يفترض أيضا أن يجعل الحكومات، والأسر أيضا، تبحث بشكل أفضل عن بدائل إيجابية للألعاب الإلكترونية، للحد من إدمان الشباب والأطفال عليها. وهذا ما يعيد إلى الواجهة مشكل نقص البنيات التحتية المخصصة للرياضة والترفيه لفائدة هذه الفئة، في العديد من الدول ومنها بلادنا حيث تفضل العديد من الأسر ترك أبنائها عرضة لمخاطر الإدمان والجريمة الالكترونية على تركهم عرضة لأنواع أخرى من الإدمان والانحرافات والجرائم المستشرية في أزقة الأحياء وشوارع المدن.