لم يعيشوا حياتهم جزافا، بل كانت لهم رسالة أرادوا إيصالها للناس، إنهم أولياء الله الصالحين الذين خاضوا تجربة روحية وتأملا وجوديا لتحقيق الوعي بمقامات التقوى، وبما أننا في شهر العبادة والذكر، تأخذكم "بيان اليوم" طيلة أيام شهر رمضان المبارك، في صحبة أشهر أعلام التصوف في الإسلام، لنسافر معهم إلى عوالم العشق الإلهي، ونسبر أغوار عالم التصوف وخباياه، ولنتعرف أيضا على التنوع الكبير في أشكال الولاية والطرق إلى الله. الرحلة العشرون: ابن أسعد اليافعي "فقيه صاحب قلب، أفضل من ألف فقيه صاحب دنيا" كان محبا للفقراء يؤثرهم على نفسه، مع فقره مترفعا على ما بأيدي أهل الدنيا، كثير الإيثار والصدقة، يصرف أوقاته في وجوه البر. وكان وليا صالحا، صاحب كرامات مشهورة، شاعرا متصوفا، عارف بالفقه والأصول والعربية والفرائض والحساب وغير ذلك من فنون العلم والمعرفة، مع الورع والزهد والعبادة. وفي عصره كان الناس يثقون بأقوال الصوفية ويتبركون بأفعالهم، حيث كان من منتسبي الصوفية وعشاقهم، فحفزه حبهم على ذكر مناقبهم، فأفرد لهم كتبا وأشعارا كثيرة تتحدث عن أحوالهم وتثبت كراماتهم. هو عفيف الدين أبي السعادات، أبو محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح اليافعي اليمني الشافعي، رأى النور سنة 696 للهجرة في يافع باليمن ونشأ بها، وكان في صباه ملازما بيته تاركا لما يشتغل به أقرانه من الصبية من اللعب. فلما رأى والده آثار الفلاح البادية عليه بعث به إلى عدن لطلب العلم، وقرأ القرآن على الفقيه الصالح محمد بن أحمد البصّال المعروف بالذهبي. وعند ختمه القرآن أولم معلمه الفقيه البصال وليمة كبيرة أطعم فيها الناس. عندما بلغ سن الشباب رحل لتحصيل العلم، فدخل القدس ودمشق والقاهرة وأخذ عن أعلام الفقه والحديث واللغة فيها، وحج غير مرة ليستقر في الحجاز مترددا بين مكة والمدينة المنورة، وقد مال إلى التصوف فدرس علومه وانسلك في طرقه وحفظ كتبه وكتب الفقه والنحو حتى صار شيخ وقته في الفقه والحديث والتصوف، فضلا عن براعته في التاريخ والعربية والأدب، واشتغل بالتدريس والإفادة والتصنيف إلى أن توفي بمكةالمكرمة عن سبعين عاما سنة 768ه. له العديد من المؤلفات في علوم القرآن والحديث والفقه والتصوف والتاريخ أبرزها: "مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقلب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان" وكتاب "مختصر الدر النظيم في فضائل القرآن العظيم والآيات والذكر الحكيم"، وله ديوان شعر معظمه في التصوف والزهد والموعظة والحكمة. كما كان اليافعي من أهل علم الظاهر والباطن، فقيها زاهدا متصوفا في آرائه وسلوكه، يحب الخلوة والانقطاع عن الناس، والسياحة في الفيافي والجبال، معظما ابن عربي، متبعا طريقته في التصوف، وقد تجرد عشر سنين منقطعا للعبادة والتأمل في الحرمين الشريفين، وكان كثير البر والصدقة والإيثار، متواضعا مترفعا عما بيد الناس مع الفقر والعفاف، معرضا عن الدنيا ومفاتنها، مربيا للطلاب والمريدين، فصار إماما يسترشد بعلومه، ويقتدي بسلوكه في العمل والإخلاص، يقدره الناس حق قدره، ويكبرون علمه وخلقه، ويعتقدون بكراماته الظاهرة وكشوفه الجليلة فاشتهر ذكره وبعد صيته، وأثنى عليه أهل العلم من معاصريه ومترجميه. من شعره: يا غائبا وهو في قلبي يشاهده… ما غاب من لم يزل في القلب مشهودا إن فات عيني من رؤياك حظهما… فالقلب قد نال حظا منك محمودا ويقول أيضا: رمقت مقلتي ريم لها بين رامة… وبين المصلى مسمر ومقيل بسهم له نصل وفي النصل جمرة… وفي الجمر سم ليس قط يقيل لها بين سلع والبقيع حذا قبا… قباب، أحاطت بالقباب نخيل ومن حولها نور يلوح،ومندل… يفوح، على ذات الجمال دليل