قدم المخرج السينمائي أيوب العياسي، عرضا لفيلمه الروائي الطويل، "ماتفهمناش" الخميس الماضي، ضمن فعاليات الصالون الثقافي، الذي دأب على تنظيمه، فرع حزب التقدم والاشتراكية بأكدال الرياض، بمدرج علي يعته بالمقر المركزي للحزب بالرباط. حضر هذا العرض نخبة من قيادة حزب التقدم والاشتراكية، وفي مقدمتهم الأمين العام محمد نبيل بنعبد الله الذي سلم، بالمناسبة، ذرع الصالون الثقافي، لمخرج الفيلم أيوب العياسي، بالإضافة لحضور نخبة من الفنانين والصحافيين. وفي كلمة له بالمناسبة، خلال هذا اللقاء الذي قدم له سعيد أقداد الكاتب الأول للفرع المحلي للحزب بأكدال الرياض، أكد الأمين العام محمد نبيل بنعبد الله على أن المخرج أيوب العياسي يمكن تصنيفه ضمن خانة الفنان المثقف العضوي، مشيرا إلى أنه اقتحم عالم الإخراج من بابه الواسع، وعن علم ودراية، وأصبح بذلك واحدا من المخرجين الكبار الذين طبعوا الفيلم المغربي بأسلوبهم الخاص. وأشار محمد نبيل بنعبد الله، إلى أن بادرة عرض فيلم ضمن فعاليات الصالون الثقافي لفرع حزب التقدم والاشتراكية أكدال الرياض، هي بادرة إيجابية، تحيل على تجربة الأندية السينمائية، التي أنجبت قامات ثقافية وإبداعية بل وسياسية واقتصادية، أغنت المشهد المغربي في مختلف مجالاته. من جانبه، عبر أيوب العياسي عن اعتزازه بانتمائه لحزب التقدم والاشتراكية، مشيدا بالصالون الثقافي الذي دأب على تنظيمه فرع أكدال الرياض، وهي بادرة وصفها ب "الجميلة" و "الإيجابية"، مشيرا إلى أن حزب التقدم والاشتراكية كان سباقا، دائما، في التعاطي الإيجابي والمتميز مع الثقافة والفن، سواء كان في موقع تدبير السياسات العمومية، وخاصة عندما تحمل مسؤولية قطاع الثقافة وقطاع الاتصال في مرحلة سابقة، أو من موقعه كقوة سياسية اقتراحية تجعل من الثقافة والفن إحدى ركائز برنامجها المجتمعي. وفي أفق خروج الفيلم إلى القاعات السينمائية، الذي سيكون مطلع شهر أكتوبر القادم، ذكر المخرج أيوب العياسي أنه سيقوم بجولة تشمل مختلف المراكز الثقافية ودور الثقافة ومختلف الجامعات لعرض "ما تفهمناش" وتقريبه من الجهور الواسع. بالعودة إلى هذا الفيلم الذي يحيل عنوانه مباشرة على مسرحية "le malentendu" "سوء التفاهم" ل "ألبير كامو"، نحج أيوب العياسي في اقتباس هذا النص المسرحي وتحويله إلى فيلم روائي طويل اعتمادا على رؤية إخراجية تجسد أسلوب المخرج الذي يصنف في خانة سينما المؤلف.. من لم يطلع على مسرحية ألبير كامو الغارقة في العبث، لن يستوعب بالشكل المطلوب فيلم أيوب العياسي الذي زاوج فيه بين الواقعية والعبث في الآن معا، إلى درجة تعتقد معها، أن المخرج يستخف بموضوعه، ويتعامل معه بنوع من البرودة والهدوء المثير الذي طغى على الفيلم من البداية حتى النهاية. هذا الفيلم الذي يعتبر باكورة أعمال المخرج أيوب العياسي، يجسد بشكل واضح، أسلوب ورؤية أيوب الإخراجية، ويحاكي أكبر الأفلام المصنفة في خانة سينما المؤلف، سواء من خلال كتابة السيناريو الذي يحكي القصة / اللغز المتمثلة في الكشف عن جريمة قتل متواترة بشكل غريب داخل نزل مطل على سد لالة تكركوست ضواحي مراكش، أو من خلال استخدام تقنيات إخراجية قل استعمالها في السينما المغربية، والتي تنم عن حس جمالي يقوم على البساطة في اللغة السينمائية، كما يعتمد على انتقالات غير تقليدية من مشهد إلى آخر، مع إبراز نوع من التناقض بين ما يراه المتفرج من صور وما يظهره مضمونها، كتلك اللقطة التي تظهر فيها الباتول ترقص على نغمات الطرب الشرقي، في الوقت الذي كانت تختزن فيه حزنا عميقا، لأنها لا تعرف معنى للفرح أو الحب، مقابل رغبتها الجامحة في السفر نحو المستقبل للبحث عن سعادة مفقودة. ضمن هذه الرؤية الإخراجية، توفق المخرج أيوب العياسي في الاشتغال على إدارة الممثل من الداخل، إلى درجة أنه نجح، بشكل جيد، في التحكم في الممثل وجعله في نفس المستوى الفكري والثقافي الذي تتطلبه الشخصية، وبدا للمتفرج أن شخصيات الفيلم، رغم مغربتها، تنتمي إلى عوالم ثقافية واجتماعية مغايرة، ومن ثمة يتضح أن المخرج في اشتغاله على إدارة الممثل من الداخل، اعتمد على وحدة الفعل النفسي والجسدي، وعلى القوى المحركة الداخلية، ففي كثير من المشاهد، خاصة المشهد الذي قتلت فيه الأم ابنها وتمكنت هي والبنت الباتول من الضغط على أعصابهما في الوقت الذي كان يفترض في مشهد واقعي مماثل أن تحرر مشاعرها تحريرا تاما. إن أي مشاهد محايد لفيلم "ما تفهمناش" لا بد أن يخرج بانطباع أن أيوب العياسي ذو أسلوب متفرد في الإخراج السينمائي ويمتلك رؤية، ويمكن أن نقول إنه مخرج ملتزم فنيا واجتماعيا، يحمل قضية، وعاشق لقيم الحب والحياة والأمل والتحرر والانعتاق. فعلى الرغم من أن الفيلم يبدو منغلقا على نفسه، لكنه ينطوي على رسالة تركها مفتوحة على قراءات متعددة، يمكن أن تلتقي كلها في الحلم بمستقبل أرحب.