الحكواتي اسمه جبريل. يروي كعادته كلّ ليلة قصّة عنترة أو قصّة أبي زيد الهلالي، وفي بعض الأحيان يروي قصصًا عاشتها المدينة وأصبحت على كلّ لسان. منذ أربع سنوات، وهو يعمل في هذا المقهى بباب حطّة، والناس يأتون للاستماع إليه من كلّ أحياء القدس ومن بيت لحم القريبة. الآن، لم يعد يأتي للاستماع إليه سوى عدد قليل من الناس. والناس خائفون من مداهمة الجندرمة للمقهى بحثًا عن الرجال لإرسالهم إلى الحرب. وهو لا يلوم الناس لأنّه يدرك بفطرته السليمة كيف تتبدّل الأحوال. يتحسّب من أشياء لم تكن في البال، وعيناه تتابعان بقلق زبائنه القليلين والمقهى المرشّح للزوال. الغجريّة أحبّ امرأة من غجريّات المدينة. بيتها لا يبعد سوى بضعة أمتار من المقهى الذي يعمل فيه. الغجريّة كانت تأتيه بعد منتصف الليل، أي بعد أن ينصرف زبائن المقهى ويبدأ الحكواتي استعداده للنوم. يفرد فراشه في ركن المقهى والغجريّة تجلس إلى جواره وتطيّر النوم من عينيه. تراقبه بإعجاب وهو يأكل طعامًا أحضرته له من بيت أهلها. يطلب منها أن تشاركه الطعام. تضحك ولا تلبّي طلبه لأنّها لا رغبة لها في الطعام. نعم، لا رغبة لي في الطعام. بعد ذلك، يمضيان الوقت في كلام لا ينتهي، والوقت ينتهي والغجريّة تغادر المقهى بعد ساعتين، على أن تعود في الليلة التالية مثلما وعدت الحكواتي قبل أن ينام. خواتم وخلاخيل يأتي إلى بيت أهلها ومعه سبعة أشخاص. يطلب يدها من أبيها، والأب يشترط عليه أن يقدّم لها أقراطًا من ذهب وأساور وخواتم وخلاخيل. والحكواتي لا يملك مالاً وهو يعيش على القليل مثل غيره من عامّة الناس. اتّفق معها على أن يخطفها من بيت أبيها، فلم تقل له: لا. وضعت ثيابها في صرّة وحملت معها طعامًا، ومع الفجر تسلّلت من النافذة وهو ينتظرها على حمار، ركباه وسارا بعيدًا نحو بيت لحم. تزوّجها. نعم، تزوّجتها وكنّا في أتمّ انسجام. وبعد ستّة أيّام ألقي القبض عليه، واقتاده الأتراك إلى الجبهة لمحاربة الأعداء، وهي لم تعد تعرف متى تصحو من النوم ومتى تنام! حفيد جبريل قتل في الحرب بعد أيّام من مشاركته فيها، لم يكن يجيد القتال مثلما أجاد مهنة الكلام، أعيدت جثتّه إلى زوجته. استعانت بالجيران الذين كانوا من زبائنه في المقهى، دفنوه في مقبرة بيت لحم وهم يتحسّرون على حكاياه. رجيحة عاشت بعده وحيدة بضعة أسابيع، ثم قرّرت العودة إلى القدس. قالت لنفسها: بعد جبريل، أعود إلى أهلي، وأملي فيهم لن يخيب. عادت وهي حامل بطفل سيأتي إلى الدنيا بعد أشهر معدودات. جدّ الطفل رحّب بابنته الأرملة، وراح ينتظر بشغف ولادة الحفيد، وكأنّ ما فعلته رجيحة ذات فجر مجرّد حكاية من حكايات كثيرة طوتها الأيّام.