فيما لم تعلن الحكومة المغربية عن موقفها من «ثورة الياسمين» فعاليات حزبية ونقابية وصحافية واقتصادية مغربية تعبر عن احترامها لخيارات الشعب التونسي وتدعو لتوافق وطني للخروج من الأزمة في الوقت الذي تتابع فيه الحكومة المغربية الأحداث المتسارعة التي تشهدها تونس بعد رحيل رئيسها السابق زين العابدين بنعلي بحذر وترقب، عبرت العديد من الفعاليات الحزبية والنقابية والجامعية والصحافية والاقتصادية في المغرب، عن احترامها لخيارات الشعب التونسي، وثقتها في قدرته على ضبط الوضع وتفادي سقوط البلاد في الفوضى، داعية التونسيين إلى التكاثف من أجل صون مكتسباتهم التي حققوها على مدار عقود بعد الاستقلال، والحيلولة دون أي تطور سلبي يعرض تلك المكتسبات للخطر. فقد دعا حزب التقدم والاشتراكية عموم أفراد الشعب التونسي إلى العمل سويا من أجل عودة الهدوء وسيادة الأمن والاستقرار ربوع البلاد، كمقدمة لبلوغ توافق وطني حول سبل الخروج من الأزمة، وبما يضمن احترام إرادة الشعب التونسي. ففي تصريح لبيان اليوم، عبر نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، عن تمنياته للشعب التونسي ب»أوضاع مستقرة وعودة سريعة للهدوء والطمأنينة في إطار تحقيق المطالب الديمقراطية المشروعة المعبر عنها من قبل الشعب التونسي، وفي إطار مجتمع ينعم بالحرية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان بكافة تجلياتها». واعتبر بنعبدالله أن ما حصل في تونس «يدل على أن تحقيق التطلعات العميقة لشعوب الاتحاد المغاربي لن يتحقق إلا في إطار التكامل بين دول المغرب الكبير، والسعي إلى تشكيل تكتل مغاربي قوي تسوده الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية». من جانبه، أعلن الاتحاد المغربي للشغل عن سروره لخروج الشغيلة التونسية وعموم الشعب التونسي منتصرا من أزمة عسيرة، وولوجه عهدا جديدا يفتح الباب أمام مزيد من العمل النقابي العربي المشترك بين المغرب وتونس، والذي يعتبر من الثوابت الأساسية والمؤكدة في ضوء عولمة الاقتصاد. وقال ميلودي موخارق الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، في تصريح لبيان اليوم، إن «الاتصالات لم تتوقف بينه وبين عبد السّلام جراد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، منذ الشرارة الأولى لثورة الياسمين، وكان يمدنا بأدق تفاصيل المواجهة بين الشعب الثائر والحكومة، وستظل هذه الاتصالات قوية ومتينة في المستقبل معززة للحركة النقابية المغاربية والعربية والدولية من أجل إقرار العدالة والمساواة، والسلم والعدل والأمن والدّفاع عن حق الشعوب في الانعتاق وفي الاستفادة من خيرات اقتصادياتها. وأكد موخارق دعمه لمواقف الاتحاد العام التونسي للشغل، ولدعواته إلى «الالتزام بتطبيق الدستور واحترام فصوله المتعلقة بآليات الخروج من الأزمة، وتشكيل حكومة ائتلاف وطني تتركب من الحساسيات الفكرية والسياسية والاجتماعية ولا تشمل وجوها قديمة من الحكومة المنحلة، والتشكيل الفوري للجنة لتقصى الحقائق لمقاضاة كل من ثبت تورطه في اغتيال أبناء الشعب، بعد سنوات طوال من اغتيال أحلامه وحقه في التعبير». وفي هذا الإطار، أعلنت النقابة الوطنية للصحافة المغربية أنها تتابع بانشغال الأحداث الجارية في الجمهورية التونسية وتعرب عن أملها في أن تتجاوز تونس هذه الأحداث عبر تضامن ووحدة شعبها وتطلعاته، معتبرة مستقبل الصحافة في هذا البلد رهين بمسار التطورات المستقبلية. وقال يونس مجاهد رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في تصريح لبيان اليوم، إنه «من الصعب التكهن بما سيحصل بعد انقلاب أبيض داخلي أطاح برئيس بلاد شهدت فيها حرية الصحافة تسلط جهاز رقابة رهيب ودقيق». ففي حال الاحتكام إلى الدستور ومؤسسات الدولة وتحقيق تطلعات الشعب التونسي إلى حياة كريمة آمنة ومستقرة في ظل مناخ من الديمقراطية والاستقرار السياسي، وبما يمكن تحقيق حرية الصحافة المنشودة، يقول مجاهد، ثم يضيف ، وسيلج الصحافيون «عهدا جديدا سيتطلب جهودا مضنية لإعادة بناء الصرح الإعلامي في هذا البلد على أسس جديدة ومتينة». فالمؤسسات الصحفية، من جرائد وإذاعات وقنوات تلفزية، يوضح مجاهد، «مملوكة للدولة، والقطاع الخاص ظل لسنوات طوال مرتبطا ماديا بالإعلانات التي يتوصل بها من هاته الأخيرة، عبر وزارة الداخلية التي ضربت طوقا أمنيا على المادة الإعلامية وحاولت خنق الصحافة الإلكترونية». وبالتالي، يضيف المتحدث، ستتطلب إعادة البناء على أسس سليمة، في حال توافر إرادة سياسية حقيقية، «القيام بعمل مضن للتغيير شبيه ببناء ضخم يتطلب أوراشا متواصلة لعل أولها سد الفجوة القائمة بين الصحفيين أنفسهم». في هذا الإطار، كان من المفترض أن تنتقل النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في شخص رئيسها، أمس الأحد، إلى تونس لحضور مؤتمر لرأب الصدع القائم بين الصحافيين التونسيين، وتحقيق المصالحة بعد خلافات طويلة حول أحقية التمثيلية في المحافل الدولية. بيد أن الوضع الأمني وما نتج عنه من إغلاق للمطارات، يقول مجاهد، «حال دون ذلك، وبالتالي يجب انتظار عودة الهدوء إلى البلاد من أجل استكمال جهود ترتيب البيت الصحفي التونسي». ووفق آخر الأخبار،الواردة زوال أمس، من غير المستبعد أن يعلن الوزير الأول محمد الغنوشي، بداية الأسبوع الجاري، عن التشكيلة الحكومية الجديدة بعد تكليفه من قبل فؤاد المبزع، رئيس الجمهورية التونسية المؤقت. وفي حال مرور هذا الإجراء الذي ينص عليه الفصل 50 من الدستور التونسي في أجواء دستورية سليمة، يقول حسان بوقنطار أستاذ العلاقات الدولية، في توضيح لبيان اليوم، فسكون «بوابة العمل من أجل عودة الأمن والاستقرار إلى البلاد والقيام بالإصلاحات السياسية اللازمة، والتحضير للانتخابات القادمة، وإنقاذ الاقتصاد التونسي الذي يتعرض لهزات قوية تعصف بالعديد من القطاعات». وهي نفس الفكرة التي أكدها الأستاذ والمحلل الاقتصادي محمد الشيكر الذي قال «إن تسارع الأحداث التي أذهلت المحللين السياسيين والمتتبعين للشأن التونسي، وجعلت الفاعلين في الساحة السياسية التونسية ينخرطون في حراك سياسي من أجل طي صفحة الماضي، والتطلع إلى عهد جديد يقوم على الديمقراطية والتعددية والوفاق الوطني، كان لها تأثير أكيد على الاقتصاد التونسي وعلى أدائه». بيد أن محمد الشيكر استبعد، في تصريح لبيان اليوم، تأثير انتفاضة الشارع التونسي على التوجه العام للاقتصاد التونسي الذي تبنى منهجا إصلاحيا ليبراليا منذ العام 1986 بعد ثلاث عقود متتالية من التدخل المكثف للدولة، قبل أن ينفتح ابتداء من فاتح يناير 2008 على الاقتصاديات الأجنبية مع دخول اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ. ويرى محمد الشيكر أن «رحيل الرئيس بنعلي لم يواكبه رحيل الأشخاص الذين يحركون دفة الاقتصاد ويحددون توجهاته، على غرار الوزير الأول والرئيس المؤقت للجمهورية وآخرين قابعين في الظل، وبالتالي فالتوجه الذي عمر لعقود سيظل قائما، وقد تدخل عليه، في أحسن الأحوال، بعض الإصلاحات التي ستحذو حذو الحلول التي تبناها المغرب في تنويع اقتصاده.