يرصد كتاب "مائة عام من الإبداع التشكيلي بالمغرب" لمؤلفه محمد أديب السلاوي، الصادر حديثا عن منشورات مرسم، أهم المحطات التي ميزت الحركة التشكيلية المغربية لتبيان مدى استقرائها للواقع المغربي، واستنباطها للمؤثرات الاجتماعية والثقافية. وكذا القيمة المضافة التي جاء بها هذا الفن إلى الفضاء الثقافي المغربي. فمن خلال مراجعة متأنية للأساليب والمدارس والاتجاهات، التي ظهرت على سند الفنون التشكيلية المغربية- يوضح أديب السلاوي في مؤلفه- تعطي الانطباع بقوة، أن الفنون الرومانية والبربرية والإسلامية، لم تغب لحظة واحدة عنها. لقد امتزجت بالفطرية والتشخيصية والسوريالية والتجريدية والانطباعية.. كما وجدت مرتعها التخييلي التشكيلي في الأشكال البلاغية والأدبية التي جاءت بها اللوحة وفنون التشكيل الأخرى. ففي الباب الأول لهذا المؤلف، الموسوم ب"اللوحة التشكيلية المغربية: ملامح النشوء والارتقاء"، يشير الكاتب إلى أنه لا يمكن نفي الدور الإيجابي الذي لعبته المعاهد والمدارس والبعثات الأجنبية في العهد الكولونيالي، وكذا دور المؤسسات التي فتحتها دولة المغرب المستقل بعد ذلك، لإعداد أجيال جديدة من الفنانين المغاربة.مع العلم أن التطور الذي حققته هذه الحركة خلال المائة سنة الماضية، لا يتجلى فقط في الأسماء التي برزت على الساحتين الوطنية والدولية، ولكنه يتجلى أكثر في الاتجاهات والأساليب التي انبثقت عن هذا الفن. وفي الباب الثاني الذي حمل عنوان "ملامح الوجه الإبداعي للحركة التشكيلية المغربية"، يستنتج المؤلف أنه من خلال الاتجاهات والمدارس التي طبعت الحركة التشكيلية المغربية على امتداد مائة عام، اهتدى الفنان المغربي إلى نحت أساليب خاصة، تفادت العديد من تجاربها، تكرار المرجعيات الغربية، وخاضت في العديد من إبداعاتها تجارب بالغة التميز والجمال، وعبرت عن قدرتها الكبيرة على الإنصات إلى التحولات الثقافية والاجتماعية، وعلى استلهام علامات ثقافتها الأصلية، وهو ما يفتح الباب على خزان رمزي وفني خام ومتحرك، ينقل من خلال الذاكرة والتجربة، ثقافة بصرية حداثية، على مستوى كبير من الأهمية، ما زالت في حاجة ماسة إلى الانتباه لقيمها ومكوناتها. أما الباب الثالث المعنون ب "الفنون التشكيلية: الثقافة، الإعلام، أي علاقة"، فقد أبرز ما بلغه الوعي بالقيمة الإبداعية للوحة، ومن خلالها لكل الفنون التشكيلية الأخرى. وتم استنتاج أن الفنانين على امتداد المائة سنة الماضية- استطاعوا -رغم الظروف الصعبة التي واجهتهم في البداية والامتداد- إعادة الحرية للخيال السجين وإعادة الرغبة إلى الإبداع والخلق. كما بين المؤلف في هذا الباب، الدور الذي لعبته وسائل الإعلام في لفت الأنظار إلى جدوى المردود الجمالي للعمل التشكيلي والتحامه مع الظاهرة الثقافية الشاملة.++ في حين قدم الباب الرابع، صورة بانورامية تقريبية عن الحركة التشكيلية المغربية في القرن العشرين، انطلاقا من الأسماء التي لها بصمات واضحة على جسد هذه الحركة. بالإضافة إلى ملحق خاص بنماذج من الأعمال التشكيلية، لتجارب مغربية مختلفة.++ وفي التقديم الذي خص به الباحث عبدالرحمن طنكول هذا الكتاب، أشار إلى أن مؤلفه قد نجح في المزاوجة بانسجام كبير، بين مقاربتين: مقاربة تاريخية، تحفر في ما تنطوي عليه كل حقبة من أسئلة فاعلة في الجسد التشكيلي، وترصد عن كتب الأسماء التي واكبتها وعانقت انشغالاتها. ثم مقاربة محايثة، تلامس بعض خصائص الشكل والمضمون لدى الفنانين المغاربة، وذلك من خلال قراءة يمتزج فيها أسلوب العاشق المولوع بحس الناقد الحريص على اعتماد لغة باردة أحيانا ودافئة أخرى، كسبيل ناجع للوصول إلى عمق التجربة التشكيلية المغربية، بما تكتنفه من عتبات معتمة، لكن ممتعة.