سقطت حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية برئاسة سعد الحريري بعد استقالة احد عشر وزيرا بينهم عشرة يمثلون حزب الله وحلفاءه أول أمس, ما ينذر بتعميق الأزمة السياسية المرتبطة بالمحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. تزامن إعلان الاستقالة مع استقبال الرئيس الأميركي باراك اوباما في واشنطن رئيس الحكومة. وقد غادر الحريري بعد اللقاء واشنطن متوجها إلى باريس حيث يفترض أن يلتقي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي غدا الخميس, بحسب ما أفاد مكتبه الإعلامي. وأعلن عشرة وزراء ينتمون إلى قوى 8 آذار (حزب الله وحلفاؤه) في بيان صدر الخامسة بعد الظهر (00,15 ت غ) أنهم «يتقدمون باستقالتهم من الحكومة آملين من رئيس الجمهورية الإسراع في اتخاذ الإجراءات المطلوبة لقيام حكومة جديدة». وشكر البيان الذي تلاه وزير الطاقة جبران باسيل أمام الصحافيين والى جانبه زملائه التسعة من مقر الزعيم المسيحي ميشال عون في الرابية شمال شرق بيروت, الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد على «الجهود التي بذلاها لمساعدة لبنان على تخطي الأزمة الناتجة عن عمل المحكمة الدولية». واتهم الوزراء المستقيلون «الفريق الآخر» بعدم التجاوب مع هذه الجهود و»بالرضوخ للضغوطات الخارجية لا سيما الأميركية». والوزراء العشرة هم خمسة شيعة (اثنان من حزب الله وثلاثة من حركة امل) وخمسة مسيحيين ينتمون إلى التيار الوطني الحر برئاسة عون (ثلاثة) وواحد إلى تيار المردة المسيحي بزعامة النائب سليمان فرنجية وواحد إلى حزب الطاشناق الارمني. وفي وقت لاحق, أعلن وزير الدولة عدنان السيد حسين الشيعي المحسوب على رئيس الجمهورية التوافقي ميشال سليمان استقالته من الحكومة «انسجاما مع موقعه «كوزير توافقي». وتتألف الحكومة التي باتت, بموجب الدستور في حكم تصريف الأعمال, من ثلاثين وزيرا. وتعتبر كل حكومة مستقيلة حكما في حال استقالة الثلث زائد واحد أي 11 وزيرا. واعتبر وزير البيئة محمد رحال المنتمي إلى تيار المستقبل بزعامة الحريري أن «الهدف من الاستقالة هو شل الدولة في سبيل إلغاء المحكمة الدولية». وعقدت كتلة تيار المستقبل النيابية اجتماعا انضم إليه نائبان مسيحيان هما أنطوان زهرا وبطرس حرب والأمين العام لقوى 14 آذار (فريق رئيس الحكومة) فارس سعيد. وأعلن حرب بعد الاجتماع أن «لا مجال للمساومة على موضوع العدالة وموضوع المحكمة, إلا أننا في الوقت عينه وحرصا منا على مسؤوليتنا عن مصير هذا البلد ووحدته نعلن أننا منفتحون على حوار يمكن أن يوجد حلا لهذه القضية دون أن تكون هذه الحلول على حساب المبادئ العامة التي يقوم عليها النظام اللبناني». وتمنى حرب على قوى 8 آذار ان «تتحمل مسؤوليتها في عدم دفع البلاد إلى حالة من عدم الاستقرار الأمني», داعيا جميع القياديين في 8 آذار و14 آذار إلى التصرف «وفق ما تنص عليه القوانين وضمن إطار الانتظام العام دون المس بالأمن ودون بعض الممارسات السلبية التي يمكن ان تسيء الى الاستقرار لامني». ويجمع المراقبون على صعوبة تشكيل حكومة جديدة في المرحلة المقبلة في ظل استمرار الانقسام السياسي على حاله, ويحذرون من تداعيات سلبية للازمة على الارض. وبدأت الأزمة بعد كشف حزب الله في الصيف الماضي عن توجه الى اتهامه في جريمة اغتيال رفيق الحريري التي وقعت في فبراير 2005. وبدأ على الاثر حملة على المحكمة الخاصة بلبنان التي يتهمها بالتسييس وبانها «اداة اسرائيلية واميركية لاستهدافه». وأصدر رئيس الجمهورية مرسوما يكلف بموجبه الحكومة المستقيلة بتصريف الأعمال, وان يجري استشارات نيابية من اجل تكليف شخصية سنية تشكيل حكومة جديدة. ويعتبر سعد الحريري الشخصية السنية الاكثر شعبية, ما يجعل تكليف شخصية اخرى بتشكيل الحكومة أمرا مستبعدا, إلا إذا رفض المهمة. وأفاد الوزير جبران باسيل ردا على سؤال لوكالة فرانس برس ان قوى 8 آذار «لم تقرر بعد من ستسمي رئيسا للحكومة», معتبرا أن «هذا موضوع يخضع للتشاور بين كل اطراف المعارضة». وشدد على وجوب تشكيل «حكومة تأخذ القرارات التي عجزت حكومتنا عن اتخاذها والتي تتعلق باستقرار البلد وبحاجات الناس وأولوياتها», مشيرا إلى أن الحكومة المستقيلة لم تتمكن من اتخاذ قرار منذ أربعة أشهر ولم تجتمع منذ شهرين. وفي ردود الفعل, أعرب الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عن «أسفه لما ألت إليه تطورات الوضع في لبنان (...) والتي تأتي في ظرف خطير يثير المخاوف من دخول لبنان مرة جديدة نفق التأزم والتوتر السياسي وانفراط وحدة الصف اللبناني». ودعا موسى «القيادات السياسية اللبنانية إلى التهدئة وإبقاء أبواب الحوار مفتوحة في ما بينهم والاحتكام إلى الدستور», معربا عن «ثقته في حكمة الرئيس اللبناني ميشال سليمان في إدارة أعباء المرحلة المقبلة وقيادة الجهود نحو (...) استعادة الوفاق الوطني اللبناني». وحذر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل من أنقرة من مخاطر استقالة وزراء حزب الله وحلفائه قائلا إن «لبنان يمكن أن يواجه المشاكل التي واجهها سابقا وذلك سيؤثر على دول المنطقة». بدوره, دعا وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط من الدوحة «جميع الافرقاء اللبنانيين الى التهدئة والامتناع عن التصعيد أو التحريض», مؤكدا أن «مصر تحرص على استقرار لبنان» ومشيرا الى «الأهمية إلى يكتسبها إيجاد حل عاجل للازمة الحالية على قاعدة احترام اتفاق الطائف (...) والحفاظ على الاستقرار». وجدد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «دعمه للسلطات والمؤسسات اللبنانية» في اتصال هاتفي اجراه مساء الأربعاء مع الرئيس السوري بشار الأسد وبحث فيه الأزمة الحكومية في لبنان. وأمل ساركوزي أن «يؤدي التشاور الدولي إلى مساعدة اللبنانيين في تجاوز هذه المرحلة الحساسة في إطار الاحترام الكامل للمؤسسات الديمقراطية اللبنانية واستقلال لبنان والتزاماته الدولية». ودعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى الهدوء في لبنان بعد سقوط حكومة الوحدة الوطنية على اثر استقالة وزراء حزب الله وحلفائه وكرر «دعمه الكامل» للمحكمة الخاصة بلبنان. من جهته, ووصف وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ استقالة وزراء حزب الله بأنه «حدث بالغ الخطورة» واعتبر أن «من الضروري وقف الإفلات من العقاب» الذي يستفيد منه منفذو الاغتيالات السياسية في لبنان. ودان هيغ «المحاولات المستمرة لنسف» المحكمة الخاصة بلبنان التي «ينبغي أن تتمكن من القيام بمهمتها من دون عراقيل». وشهد لبنان أزمة حكومية بين نوفمبر 2006 حتى مايو 2007 بعد انسحاب خمسة وزراء شيعة وسادس مسيحي من الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة آنذاك على خلفية خلاف حول إقرار نظام المحكمة الدولية. وتطورت الأزمة إلى معارك في الشارع بين أنصار فريقي حزب الله وسعد الحريري تسببت بمقتل أكثر من مئة شخص واستدعت عقد مؤتمر حوار وطني في الدوحة تم خلاله التوصل إلى تسوية. وأكد رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني الأربعاء في مؤتمر صحافي مشترك وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون انه لن يكون هناك اتفاق دوحة 2 لحل الأزمة في لبنان. واتهمت كلينتون من جهتها حزب الله وحلفاءه بالسعي إلى «نسف العدالة» و»تقويض الاستقرار». وقالت أن «محاولة إسقاط الحكومة لتقويض عمل المحكمة الدولية تخل عن المسؤوليات, لكنها لن تكون مجدية», مذكرة بان حزب الله وافق على المحكمة قبل الدخول في حكومة الوحدة الوطنية المستقيلة حكما. وقال البيت الأبيض إن تصرفات حزب الله «لا تدل سوى على خوفه وتصميمه على شل قدرة الحكومة على أداء عملها وعلى تحقيق تطلعات أبناء الشعب اللبناني كافة». وأضاف أن أوباما والحريري أكدا خلال لقائهما اليوم «تصميمهما على تحقيق الاستقرار والعدالة في لبنان في هذه الفترة الصعبة للحكومة, واتفقا على ضرورة امتناع جميع الأطراف عن إطلاق التهديدات أو القيام بأعمال يمكن أن تتسبب في زعزعة الاستقرار».