يخوض الفنان وأستاذ التربية التشكيلية عبد العزيز الغراز، تجربة جديدة، حطت رحالها مؤخرا برواق المتحف البلدي للتراث الأمازيغي بأكادير، هي تجربة تؤشر على منعطف وتحول كبير في الشكل الصباغي والمعالجة التشكيلية بأسلوب تقدمي وحديث، تبرز اهتمام الفنان بالعوالم والأساليب الجديدة للتشكيل الصباغي المعاصر والحديث، الذي يعتمد التلقائية والعفوية أحيانا، لكن تحكمه أبجديات التشكيل الأساسية، من خلال التركيز على التوازنات داخل فضاء اللوحة واستعمال المادة البارزة أو المتدفقة، التي تبدو أحيانا سائلة ومتناثرة، تغازل خطوطا انسيابية تذكرنا بطريقة تطويعه للخط العربي بأنواعه المختلفة، ناهيك عن خطوط أخرى متناثرة هنا وهناك، وفي جميع الاتجاهات والمسارات، تشق طرقا سوداء بواسطة الفحم، والتي تذكرنا هي الأخرى بأسلوبه التقني من خلال تخطيطات الأشرطة المرسومة والرسيمات السريعة والتلقائية، التي يتقنها الفنان بعناية. الجديد عند عبد العزيز الغراز في هذه التجربة الصباغية هي «الباليت» من الالوان المتجانسة الترابية، وهي مزيج من البني القاتم والمفتوح والكستنائي وأطياف برتقالية وحمراء وأرجوانية، تتناغم على تضاد كأسوار مراكش في كل اللحظات، في مخاض لوني ينتهي بميلاد ألوان جديدة وتشكيلات تجريدية تنطلق من الأعلى وتنتهي ممتدة نحو الأسفل بطريقة وأسلوب فني، ينم عن نوع من التقتير والاقتصاد في فضاء اللوحة، ونوع من التوازنات التي تمتلئ بها نصف اللوحة بينما تنتهي بفضاء فراغ في توازن وزواج بينهما. الأكيد أن الفنان التشكيلي الشاب عبد العزيز الغراز، قد وجد ضالته في التشكيل والصباغة التجريدية التي أصبح يؤمن بها، كشكل متقدم من الإبداعي، في العصر الحالي، من خلال الحركة والمادة واللون والتوازن، فالفنان سافر بإبداعيته نحو فرنسا والصويرة، ثم عاد لمحطة الانطلاق برواق أيت سوس باكادير، وهذا التأثير بفرنسا يجد دلالته من خلال المعارض الكثيرة التي أقامها أو شارك فيها الفنان خلال السنوات الأخيرة، كاختيار ثقافي وجمالي وكسفير للإبداع الجنوبي لشباب سوس، شيء آخر من خلال الأعمال المعروضة، هناك تشابه يطبع اللوحات من خلال تكرار نفس الباليت والأشكال بأسلوب قد لا تفرق فيه بين هذه اللوحة وتلك، وهي طريقة وأسلوب معروف عند جل الفنانين التشكيليين في معارضهم، وحتى التغيير كان من خلال لوحتين، التي تم إدماج فيها الرمادي الملون، كما أن اختيار الهيكل ركز على أشكال معينة، كامتداد لاختياراته الفلسفية والفكرية والتي حاول من خلالها التأكيد على الهوية والانفتاح والتحرر، بحذر فني وتشكيلي، كتجربة جديدة لا تزيغ عن محدداتها ومنطلقاتها الجمالية، وهو ما جعل الفنان رهين التكرار والتشابه الذي يطبع اللوحات المعروضة، من خلال المعالجة التشكيلية والبالبيت اللوني. ويبقى الفنان التشكيلي عبد العزيز الغراز، فنانا يراوض الخطوط والألوان والمسارات على شاكلة المايسترو ويتجه تدريجيا نحو أسلوب شخصي، يمكن أن يكون ثمرة بحث تشكيلي جديد في غاية الأهمية جماليا وفكريا وتجديديا، إذ ما أشر في تجربته اللاحقة على نوع من الزفاف والزواج بين الكليغرافيا العربية والتخطيطات الفحمية التلقائية بشكل حداثي وحر، وإذا ما حاول المجازفة والاقتحام بعنف التشكيل لإخراج الطاقة التعبيرية التي يختزنها، وعموما المعرض الأخير للغراز يندرج ضمن الطفرة الإبداعية التي أصبح الشباب السوسي يفرضها محليا وطنيا ودوليا، والتي أشرت على تناول تشكيلي من خلال مدرسة تجريدية تلقائية، ولدت من نهم البحث عن آفاق إبداعية، يقودها فيها حبها للتشكيل وشغفها للالتحاق بالركب الكوني في التشكيل الصباغي بشكل حداثي منفتح على الآخر، ومستلهم ومستنبط من الجذور.