فشل الإسلاميون الجزائريون في استغلال الغضب الشعبي بسبب ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية للعودة إلى الساحة السياسية التي برزوا فيها كأكبر حزب بعد مظاهرات أكتوبر 1988. وبحسب الدكتور إسماعيل معراف أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر فإن «خطاب الإسلاميين خسر المعركة أمام الخطاب الرسمي الذي يصفهم بأنهم قتلة وذباحين وعديمي الوعي السياسي». ويضيف الدكتور معراف أن الشباب المولودين بعد 1990 «لا يهتمون بالخطاب الديني المتطرف, خاصة أنهم يشاهدون القنوات الفضائية ومهتمون كثيرا بالانترنت.. هذا الجيل من الشباب يميل أكثر للبس الأنيق وأماكن الترفيه». ورغم ذلك وجه الرئيس السابق للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة, عباسي مدني, من منفاه في قطر نداء منذ خمسة أيام لمناضليه بالانضمام إلى الحركة الاحتجاجية. كما حاول نائبه في الجبهة علي بن حاج استغلال الأحداث منذ اليوم الأول لاندلاعها في حي باب الوادي الشعبي, حيث توجه إلى هناك وألقى خطابا لكنه لم يجد أي صدى, وهو الذي كان يمثل بالنسبة للشباب قبل عشرين سنة رمزا إسلاميا, وكان الآلاف يتنقلون لسماع خطبه النارية من أماكن بعيدة. أما هذه المرة فلم يلتف حوله إلا عدد قليل من الشباب قبل أن توقفه قوات الأمن. وبعد دخول الجبهة الإسلامية للإنقاذ العمل المسلح إثر منعها من النشاط وحرمانها من الانتصار الذي حققته في أول انتخابات تشريعية تعددية في كانون الأول/ ديسمبر 1991, وجدت في هؤلاء المتعاطفين وعاء لتجنيد المسلحين. ولم يخف وزير الداخلية دح ولد قابلية في تصريح لوكالة فرانس برس» فرحته «بعد الفشل التام للإسلاميين في استغلال الأحداث», مضيفا» يتوجه علي بن حاج كل جمعة إلى احد المساجد ويحاول القيام بسيركه (إلقاء خطبة) فلا يجد أحدا للاستماع له وحتى في باب الوادي منعه الشباب من الحديث لأنهم أحسوا انه يريد استغلال غضبهم كما حدث في 5 أكتوبر 1988». وكانت أحداث 1988 أول وأكبر مظاهرة شعبية كبيرة تشهدها الجزائر منذ استقلالها عن الاحتلال الفرنسي في 1962, وذلك على خلفية تراجع مداخيل البلاد جراء انخفاض أسعار النفط وتزايد الغضب الشعبي, فتدخل الجيش لوضع حد للمظاهرات مما تسبب في مقتل العشرات وجرح المئات. وبعد هذه الأحداث انهار نظام الحزب الواحد وأعلن الرئيس الشاذلي بن جديد عن تعديل الدستور لفتح المجال للتعددية السياسية, التي كانت في صالح الإسلاميين فأسسوا الجبهة الإسلامية للإنقاذ ووعدوا الشعب «بإزاحة النظام الفاسد المسؤول عن إفلاس البلاد» وإرساء «دولة إسلامية عادلة تطبق الشريعة». ونجحت الجبهة الإسلامية بفضل هذا الخطاب الذي وجد صداه في الأوساط الشعبية باكتساح الساحة السياسية مع أول انتخابات تشارك فيها, فحصلت على الأغلبية في الانتخابات المحلية (انتخاب مجالس البلدية والولايات) في 1990, ثم في الانتخابات التشريعية في العام التالي, لكن الانتصار لم يكتمل إذ ألغى الجيش الانتخابات قبل إتمام الدور الثاني. وأسفرت الأحداث التي شهدتها الجزائر منذ 1992 تاريخ حظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ وبداية العمل المسلح عن مقتل أكثر من 200 ألف شخص, في مجازر جماعية وسيارات مفخخة وهجمات تستهدف الصحافيين والمثقفين. ودفع تصاعد العنف باسم الإسلام, الإسلاميين المعتدلين إلى التبرؤ منه من خلال المشاركة في الحكومة بعدة وزراء. وبينما كان الإسلاميون الجزائريون يلقون بعض الدعم في الخارج باسم حرمانهم من المشاركة في الحياة السياسية بصفة شرعية, وجدوا أنفسهم في عزلة بعد هجمات سبتمبر 2001 وبداية الحرب على الإرهاب الدولي.