من بين مئات الجنوبيين الواقفين بصبر في طوابير طويلة أمام مراكز الاقتراع المقامة في الباحة المجاورة لضريح جون قرنق في جوبا, عاصمة الجنوب, كان من المستحيل العثور على شخص واحد يجهر بتأييد الوحدة مع السودان. ورغم تجاوز الحرارة ال35 درجة عند الظهر في هذه المنطقة من العالم المجاورة لخط الاستواء, وقف المئات من النساء والرجال في طوابير مختلطة ينتظرون بصبر ملفت ومن دون تذمر تحت أشعة الشمس الحارقة دورهم للاقتراع. وإضافة إلى الواقفين في الطوابير, تجمع العشرات من الذين اقترعوا حول ضريح زعيمهم التاريخي جون قرنق وهم يقرعون الطبول ويرقصون بفرح ويهتفون «باي باي سودان». البعض لف نفسه بالعلم الزاهي الألوان الذي يفترض أن يكون علم الدولة الوليدة التي لم يعرف اسمها بعد, والبعض الآخر يأخذ قسطا من الراحة مستظلا بفيء شجرة ضخمة في منتصف الباحة إلى جانب جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان المكلفين الحفاظ على الأمن, والذين لم يضطروا لأي تدخل. وعند سؤالهم عن الخيار الذي سيختارونه عبر الورقة الصغيرة التي ستعرض عليهم في مركز الاقتراع, كان جواب هؤلاء المنتظرين يأتي واضحا وسريعا بلغة عربية ركيكة «نحن مع الانفصال نحن مع الاستقلال». وردا على سؤال حول ما إذا كان يعرف أحدا ينوي التصويت مع بقاء وحدة السودان قال مايكل «لن تجد أحدا هنا, وأنا لا اعرف جنوبيا واحدا مع الوحدة» مضيفا «حتى ولو كان موجودا فانه لن يعلن موقفه أمامك». وتحت خيمة مجاورة لمركز اقتراع تجمع عدد من الشبان وهم يرتدون قمصانا تدل على أنهم يشاركون في أعمال الرقابة على الاستفتاء. وردا على سؤال حول ما إذا كان كمراقب يشعر بوجود نوع من المنافسة بين دعاة الانفصال ودعاة الوحدة, فضل سايمون السوداني الجنوبي الثلاثيني الذي يعمل مع إحدى منظمات المجتمع المدني تقديم رد ينسجم مع دوره كمراقب. قال «نحن لا نسأل أحدا عن الخيار الذي يريد التعبير عنه». وعما إذا كان هناك ممثلون عن أحزاب معارضة للانفصال, مثل حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس السوداني, في المراكز للتأكد من مصداقية عملية الاقتراع, أكد المراقب سايمون أنهم غير موجودين, كما لا يوجد ممثلون عن أي من الأحزاب الشمالية الأخرى مع أن لبعضها أنصارا في الجنوب. جوان التي كانت تقف مع مجموعة تعمل في تلفزيون جوبا قالت «لا تتعب نفسك لأنك لن تجدا أحدا هنا معارضا للانفصال». وكان رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير أول المشاركين في الاستفتاء في احد مراكز الاقتراع المجاورة لضريح قرنق في جوبا. وقال وهو يرفع إصبعه وعليه علامة الحبر بعد أن اقترع «إنها اللحظة التاريخية التي طالما انتظرها شعب جنوب السودان». وأكد المتحدث باسم مفوضية الاستفتاء جورج ماكير أن كل مراكز الاقتراع في جنوب السودان فتحت أبوابها وان الإقبال على الاقتراع «كثيف جدا» مضيفا «لم يتم التقدم بأي شكوى». وشهدت مكاتب الاقتراع إقبالا كثيفا أيضا في مدينة بنتيو الجنوبية النفطية في ولاية الوحدة, وفي مدينة رومبيك عاصمة ولاية البحيرات حيث «كانت الصفوف طويلة تضم المئات لا بل الآلاف بانتظار الاقتراع», حسب ما نقل الصحافي السوداني بني جدعون المقيم في هذه المدينة. وبلغ عدد المسجلين للمشاركة في الاستفتاء ثلاثة ملايين و930 ألفا في السودان والشتات بينهم ثلاثة ملايين و754 ألفا في الجنوب السوداني. ولا بد من مشاركة 60% على الأقل من المسجلين في الاستفتاء لتعتمد نتيجته.