أعلن رئيس حكومة الجنوب السوداني سالفا كير أول أمس السبت تمسكه بالتعايش السلمي بين الشمال والجنوب في السودان, في حين جاءت الاشتباكات بين الجيش الشعبي لتحرير السودان وفصيل جنوبي متمرد في ولاية الوحدة لتشوش على الاستعدادات للاستفتاء. وأعلن كير من مقر الرئاسة عصر السبت قبل ساعات من بدء الاستفتاء صباح أمس الأحد «لا بديل عن التعايش السلمي» بين الشمال والجنوب». وأضاف كير وقد وقف السناتور الأميركي جون كيري إلى جانبه «اليوم لا عودة إلى الحرب (...) والاستفتاء ليس نهاية المطاف بل هو بداية مرحلة جديدة». وحسب اتفاقية السلام الموقعة عام 2005 فان الفترة الممتدة بين الاستفتاء ويوليوز 2011 ستكون مرحلة انتقالية تمهد للانتقال إلى الانفصال في حال جاءت نتيجة الاستفتاء في هذا الاتجاه. وكان السناتور كيري وصل إلى جوبا اتيا من الخرطوم حيث قابل كبار المسؤولين هناك وعلى رأسهم الرئيس السوداني عمر حسن البشير. من جهة ثانية وقع حادث امني عرقل الاستعدادات الجارية لإنجاح عملية إطلاق الاستفتاء صباح الأحد. فقد أعلن مسؤول عسكري في الجيش الشعبي أن ستة عناصر ينتمون إلى فصيل جنوبي متمرد قتلوا في مواجهات وقعت مع هذا الجيش مساء الجمعة وصباح السبت كما اعتقل عشرات اخرون. وقال فيليب اغوير المتحدث باسم الجيش الشعبي لوكالة فرانس برس «هاجم مسلحون متمردون مواقع للجيش الشعبي في إقليم مايوم في ولاية الوحدة مساء الجمعة وصباح السبت ما أدى إلى مقتل اثنين من المتمردين الجمعة وأربعة السبت في حين اعتقل 32 آخرون». وأكد عدم وقوع إصابات في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان. وتقع ولاية الوحدة بموازاة الخط الفاصل بين الشمال والجنوب وتوجد فيها منشآت نفطية. وأفادت مصادر تابعة للأمم المتحدة أن مواجهات أخرى وقعت في أقاليم أخرى من ولاية الوحدة. في حين أعلن رئيس قسم الجنوب في قوة الأممالمتحدة في السودان ديفيد غريسلي لوكالة فرانس برس أن القوة أرسلت فريقا تابعا لها للتحقيق في أعمال العنف هذه. واتهم الجيش الشعبي عناصر تابعة لزعيم ميليشيا مناهض للجيش الشعبي يدعى غاتلواك غاي بالوقوف وراء هذه الهجمات. وكان عناصر تابعون لغاتلواك غاي شنوا الربيع الماضي سلسلة هجمات على مواقع للجيش الشعبي في ولاية الوحدة. واتهم الجيش الشعبي في حينه القوات الحكومية في الخرطوم بتقديم الدعم لهذه الميليشيا بهدف زعزعة الاستقرار في جنوب البلاد. كما رفض غاتلواك غاي عرضا من رئيس حكومة جنوب السودان سالفا كير بالعفو عنه مقابل وقف تمرده. وأفادت مصادر إنسانية لوكالة فرانس برس انه كان من المقرر إرسال قافلة شاحنات تحمل مواد غذائية السبت إلى إقليم مايوم, إلا أن الرحلة أرجئت بسبب الوضع الأمني في هذه المنطقة. وكان الجيش الجنوبي وقع الأربعاء اتفاقا لوقف إطلاق النار مع ضابط كبير سابق في الجيش الشعبي يدعى جورج آتور تمرد على هذا الجيش على رأس مجموعة من أتباعه اثر خسارته في أبريل انتخابات حاكم ولاية جونغلي الجنوبية. وكانت القوات الأمنية التابعة لحكومة جنوب السودان انتشرت بشكل مكثف السبت في جوبا عاصمة الجنوب, في حين كشف زعيما الشمال والجنوب عما ينويان القيام به خلال مرحلة ما بعد الانفصال الذي بدا بالنسبة إليهما حتميا. وبعد الاحتفالات الصاخبة والمسيرات الداعية إلى التصويت مع الانفصال التي أقيمت الجمعة الماضية, توقفت كل هذه المظاهر السبت بناء على تعليمات مفوضية الاستفتاء التي منعت أي دعاية في اليوم الأخير ما قبل الاستفتاء. ولم يسجل في كامل الجنوب أي نشاط يدعو إلى الوحدة طيلة الفترة المخصصة للحملة الانتخابية. وانتشر حوالي خمسة آلاف عنصر من الجيش الشعبي ومن الشرطة الجنوبية في شوارع جوبا استعدادا للحدث الكبير الأحد, وهم كانوا تلقوا تدريبا خاصا لحفظ الأمن انتهى مطلع ديسمبر الماضي. وكانت صدرت مواقف مساء الجمعة من كل من الرئيس السوداني عمر حسن البشير ورئيس حكومة الجنوب السوداني سالفا كير اعتبرت بمثابة تثبيت مواقف واستشراف للمستقبل المتجه بالنسبة إليهما إلى الانفصال. وقام سالفا كير مساء الجمعة بالتوقيع في جوبا على 16 قانونا لها علاقة بالوضع الدستوري للجنوب خلال مرحلة ما بعد الاستفتاء الذي نظم الأحد وكأنه بذلك يستبق النتائج. وتتناول هذه القوانين شؤون دمج المسرحين من الجيش الشعبي في المؤسسات المدنية, والدفاع المدني والمؤسسات المدنية ومعاملة معوقي الحرب والسجون والمواصفات والمقاييس. وبعد التوقيع قال وزير الشؤون القانونية في حكومة جنوب السودان جون لوك جوك إن هذه الخطوة «تأتي ضمن ترتيبات الحكومة لمواجهة الأوضاع في فترة ما بعد الاستفتاء». وأضاف أن الجنوب الذي ما زال يرتبط بقوانين ودستور دولة السودان الموحدة سيحتاج إلى صياغة وسن قوانين خاصة به, لأن «القوانين الحالية ستصبح قوانين دولة أجنبية في حال اختيار الجنوبيين للانفصال, وهو ما سيخلق فراغا قانونيا نحاول أن نملأه بهذه القوانين». ومقابل هذه الخطوة السيادية كان الرئيس السوداني عمر حسن البشير يعلن في حديث تلفزيوني مواقف لها علاقة بما بعد الانفصال. فالجنوب بالنسبة إليه في حديثه إلى قناة الجزيرة «يعاني من مشاكل كثيرة ويفتقر إلى مقومات الدولة» مضيفا أن «تقرير مصير السودان حق أعطي حصريا للمواطن الجنوبي وإذا قرروا تقسيم السودان لدولتين وقيام دولة خاصة بهم ليس هناك من موجب لإقامتهم» في الشمال. وتدارك البشير «أما إن أرادوا الإقامة في الشمال والتمتع بكل الحقوق فليتوحد السودان وليس هناك منطق يجعلهم يأخذون نفس الحقوق والامتيازات بالشمال», مشددا على أن «مسألة الجنسية المزدوجة غير واردة بالنسبة لنا». كما أكد أن الجنوبيين الذين يشكلون نحو 20% من الموظفين في الإدارات العامة وفي الجيش والقوات الأمنية سيستبدلون بآخرين من الشمال.