بدا الناخون في جنوب السودان أمس الاحد بالادلاء باصواتهم في اول يوم من استفتاء حول تقرير مصير هذه المنطقة للاختيار بين الوحدة او الانفصال عن الشمال. وقد شهدت مختلف مراكز الاقتراع في جوبا عاصمة الجنوب كثافة في الإقبال على التصويت منذ الساعات الاولى من بدء العملية الانتخابية التي تدوم سبعة ايام وذلك في اجواء يسودها الهدوء ،اذ سجل توافد كبير للناخبين مما يبين أن نسبة مشاركة السودانيين الجنوبيين في الاستفتاء على تقرير مصيرهم ستكون عالية حسب تاكيدات السلطات المحلية و مفوضية استفتاء الجنوب. وقد ادلى رئيس حكومة جنوب السودان بصوته في احد مراكز جوبا حيث وصف عملية الاستفتاء ب «اللحظة التاريخية» مؤكدا انه «لا بديل عن التعايش السلمي» بين شمال وجنوب البلاد. وأكد سلفا كير-لدى مخاطبته عددا من الجنوبيين أمام القصر الرئاسي في مدينة جوبا- أنه « لاعودة للحرب مرة أخرى بين الشمال والجنوب وأن الاستفتاء ليس نهاية المطاف بل هو بداية مرحلة جديدة» . وأعرب الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير عن أمله في نجاح إستفتاء تقرير مصير جنوب السودان وأن يعكس إرادة الجنوبيين . مجددا إلتزام حكومته باستكمال مرحلة الاستفتاء والالتزام بما تسفر عنه من نتائج ومشددا على حرص الحكومة على إكمال تنفيذ بنود إتفاقية السلام الشامل التي وقعها شمال و جنوب البلاد في 2005 . من جانبه قال الرئيس الامريكي باراك اوباما ان اجراء استفتاء هاديء ومنظم يمكن ان يضع السودان من جديد على طريق نحو اقامة علاقات طبيعية مع الولاياتالمتحدة وان اجراء استفتاء تسوده الفوضى سيؤدي الى مزيد من العزلة. واضاف باراك في مقال افتتاحي نشرته صحيفة نيويورك تايمز السبت الماضي ان العالم سيتابع الحكومة السودانية في الوقت الذي يبدأ فيه ملايين من السودانيين الجنوبيين في الادلاء باصواتهم في استفتاء تاريخي وان المجتمع الدولي مصمم على ان يكون التصويت منظما دون عنف. وقال باراك في المقال الذي نشره البيت الابيض « اليوم اكرر عرضي على زعماء السودان .. اذا انجزتم تعهداتكم واخترتم السلام فهناك طريق للعلاقات الطبيعية مع الولاياتالمتحدة بما في ذلك رفع العقوبات الاقتصادية وبدء عملية استبعاد السودان من قائمة الدول التي ترعي الارهاب وفقا لقانون الولاياتالمتحدة . وعلى النقيض من ذلك فهؤلاء الذين يخرقون تعهداتهم الدولية سيواجهون مزيدا من الضغط والعزلة » . وقال اوباما انه يجب السماح للناخبين بالادلاء باصواتهم دون ترهيب ويجب على كل الاطراف الامتناع عن الاستفزاز ويجب عدم الضغط على مسؤولي الانتخابات ويجب على زعماء كل من الشمال والجنوب العمل معا لمنع وقوع اعمال عنف. وقال اوباما ايضا انه لا يمكن ان يكون هناك سلام دائم في السودان دون اقامة سلام دائم في اقليم دارفور بغرب البلاد حيث قتل مئات الآلاف . وانه يجب على الحكومة السودانية الوفاء بتعهداتها في دارفور ويجب توقف الهجمات على المدنيين ويجب السماح لقوات حفظ السلام وموظفي الاغاثة باداء عملهم. ويبلغ عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت 930 . 916. 3 ناخبا منهم 753. 815 . 3 ناخبا فى الجنوب و116 . 860 ناخبا فى شمال السودان و241 60 ناخبا فى ثمانى دول خارجية. ويبلغ عدد مراكز الاقتراع فى الجنوب أكثر من 2600 مركز إلى جانب أكثر من 165 مركزا فى ولايات الشمال التى سيصوت فيها جنوبيون ومراكز أخرى خارج البلاد. وتستمر عملية الاقتراع لمدة سبعة أيام بحيث تنتهي عملية التصويت في 15 يناير الجاري فيما سيتم إعلان النتائج على مستوى كل مركز ثم على مستوى كل ولاية لتعلن النتيجة النهائية من جانب المفوضية القومية للاستفتاء في الخرطوم فى الخامس عشر من فبراير المقبل. ولا بد من مشاركة 60 % على الاقل من المسجلين في الاستفتاء لتعتمد نتيجته. ولضمان السير الحسن لعملية الاستفتاء أعلنت حالة الاستنفار الامنى القصوى بكافة الولايات السودانية ووضعت قوات الشرطة خططها لتأمين العملية حتى يتمكن المواطنون من الادلاء بأصواتهم بحرية. ويراقب عملية الاستفتاء التى تستمر حتى 15 من الشهر الجارى فى جميع الولايات شمالا وجنوبا اكثر من 1200 مراقب أجنبى و17 ألف مراقب محلى من داخل السودان الى جانب 89 منظمة تمثل المجتمع المدني المحلي و44 من المنظمات الأجنبية الاقليمية والدولية بما فيها الاممالمتحدة والاتحاد الافريقى ومنظمة «إيغاد» ومركز كارتر والبرلمان العربى وجامعة الدول العربية التى تشارك بأكبر بعثة مراقبة (أكثر من 80 مراقبا). وفي اطار تنظيم عملية الاستفتاء تنص اللائحة التى أصدرتها مفوضية الاستفتاء لتنظيم عملية الإدلاء بالأصوات وفرزها واعلان النتائج في الاستفتاء على مباشرة عد أصوات الناخبين في كل من مراكز الاقتراع فور اعلان اغلاق باب التصويت من جانب موظفي المفوضية القائمين على العملية على أن يكون ذلك في نفس المركز الذي أجري فيه الاقتراع. وستعلن النتيجة داخل المركز ويتم بعد ذلك تجميع كل نتائج المقاطعات لتعلن كولاية ومن ثم ترفع النتائج الولائية لمفوضية استفتاء جنوب السودان التي تقدم بدورها الى رئاسة المفوضية في الخرطوم لاعلان النتائج النهائية . ويجوز الطعن في النتائج الأولية أمام المحكمة المختصة خلال ثلاثة أيام وتفصل المحكمة في الطعون خلال أسبوع حسب قانون الاستفتاء,وفى نهاية هذه العملية تعلن مفوضية استفتاء جنوب السودان النتيجة النهائية والرسمية للاستفتاء في الخرطوم علما بأنه يجب إعلان النتيجة النهائية في فترة أقصاها 30 يوما من تاريخ انتهاء الاقتراع. و تحمل منطقة ابيي المتنازع عليه كل مكونات نزاع قد يتفجر بين الشمال والجنوب,من مشاكل الحصول على المياه الى العطش للنفط والتنافس القبلي التاريخي والتطرف. وينص اتفاق السلام الذي انهى في 2005 حربا اهلية استمرت عقدين بين الشمال والجنوب في السودان, على اجراء استفتاءين «متزامنين» في التاسع من يناير2011 واحد حول استقلال الجنوب والثاني حول الحاق ابيي بالشمال او الجنوب. وينظم الاقتراع الاول إيتداء من أمس الاحد لكن الثاني ارجىء الى اجل غير مسمى اذ ان المتمردين السابقين في الحركة الشعبية لتحرير السودان وقبيلة دينكا نغوك من جهة وعرب المسيرية وحزب المؤتمر الوطني من جهة ثانية لم يتفاهموا على من يحق له التصويت. وفي الواقع يبقى الخلاف قائما حول تحديد حدود منطقة ابيي. فبعد الحرب الاهلية، شكل الشماليون والجنوبيون لجنة لتحديد حدود ابيي لكن نتائج اعمالها لم تلق اجماعا. وبعد اشتباكات دامية في 2008 في ابيي اثارت مخاوف من تجدد الحرب بين الشمال والجنوب, رفع الجانبان الخلاف الى هيئة التحكيم الدائمة في لاهاي. وقضت هذه المحكمة بتقليص مساحة هذه المنطقة لتصبح حوالى عشرة آلاف كيلومتر مربع يقيم عليها خصوصا جنوبيو قبائل الدينكا نغوك ومنحت الجزء الاخر الذي تتركز فيه حقول النفط، الى شمال السودان. وقد لقي هذا القرار موافقة الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة سلفا كير ومن حزب البشير والمؤتمر الوطني، وقبائل دينكا نوك. لكن قبائل المسيرية التي قاتلت مع الشماليين خلال الحرب الاهلية رفضته. وتراجع الحزب الحاكم في الخرطوم بعد ذلك عن قراره ودعم مطالب المسيرية. وتنتقل هذه القبيلة العربية الشمالية كل سنة خلال موسم الجفاف الى بحر العرب الذي يسميه الجنوبيون نهر كير بحثا عن مراع لماشيتها، قبل ان تدخل الاراضي الجنوبية. وهذا النهر يعبر ابيي. وبما ان قانون الاستفتاء يمنح قبائل دينكا نغوك حق التصويت ولا يمنح المسيرية هذه الامكانية, فهي تخشى الا تتمكن من الوصول الى النهر اذا الحقت ابيي بالجنوب. وجرت مفاوضات بين حركة التمرد الجنوبية السابقة والحزب الحاكم في الشمال وقبائل الدينكا نغوك والمسيرية برعاية الولاياتالمتحدة والاتحاد الافريقي الا انها لم تنجح. وتشكل ازمة ابيي دليلا واقعيا على الصعوبات المرتبطة بتحديد الحدود. لأن « فشل محاولة تسوية هذه المشكلة الحدودية في اطار اتفاق سلام معبر جدا. ستكون لذلك انعكاسات كبيرة على تحديد الحدود بين الشمال والجنوب التي ستصبح حدودا دولية» . كما أن تحديد اكثر من الفي كيلومتر من الحدود بين الشمال والجنوب لم تتم تسويته. فالى جانب ابيي هناك خمسة قطاعات اخرى متنازع عليها. ويبدأ المسيرية الذين يميل افراد منهم الى التشدد واغلقوا طريقا امام الجنوبيين وخطفوا موظفا صينيا في القطاع النفطي لفترة قصيرة ، هجرتهم الى ابيي في يناير الشهر الذي سيشهد الاستفتاء على مصير الجنوب. من جهة اخرى، حذر مسؤولون شماليون قبائل الدينكا نغوك من اعمال انتقامية اذا اعلنت ضم ابيي من جانب واحد.