توفي، إلى رحمة الله، ليلة أول أمس الأربعاء، الإعلامي والمسرحي والمؤلف المغربي عبد الله شقرون، عن عمر يناهز 90 سنة. ويعد الراحل عبد الله شقرون من أغزر الكتاب المغاربة تأليفا وإنتاجا، ومن أكثرهم تنوعا وإلماما بالحقل الثقافي في شقه المهني والحقوقي والتأريخي والتوثيقي.. بحيث كتب وألف عدة نصوص في مجال حقوق التأليف والملكية الفكرية، وفي المسرح إبداعا ونقدا، وفي الإذاعة والتلفزيون، ناهيك عما راكمه من مقالات ودراسات وكتب في الشعر والموسيقى والدراسة الأدبية والتراث.. كما يعتبر الراحل عبد الله شقرون أحد مؤسسي الظاهرة الفنية الحديثة في المغرب، سواء في المسرح أو الموسيقى أو الإذاعة، وأيضا كمناضل قيدوم من أجل إرساء نظام وطني لحماية حقوق المبدعين. إنه «شخصية استثنائية طبعت بعطاءاتها الغزيرة مختلف مجالات الإبداع الفني في المغرب، وكان رائدا في اكتشاف المواهب التمثيلية والموسيقية والإعلامية وإغناء الخزانة الوطنية بالمؤلفات البحثية والإبداعية، فضلا عن مساره النضالي في مجال حماية حقوق المبدعين، كما عكس ذلك كتابه (معركة المغرب حول حقوق المؤلف)»، حسبما جاء في شهادة كان الراحل محمد حسن الجندي قد قدمها في حق عبد الله شقرون بمناسبة تكريمه من قبل النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية قبل سنتين. مسار غني وحياة كلها عطاء الراحل عبد الله شقرون، الذي ولد في 14 مارس 1926 بمدينة سلا التي نشأ وبدأ بها مساره التعليمي، تعلم مبادئ اللغة العربية والفقه وحفظ القرآن، وانتقل إلى المدرسة النظامية للفرنسية والعربية، حيث تدرج سريعا في التعليم الابتدائي والثانوي ثم التعليم العالي لاحقا بمعهد الدراسات المغربية العليا. وبفضل نشاطه الإعلامي والإذاعي والمسرحي اشتغل الفقيد رئيسا لقسم التمثيل العربي بالإذاعة المغربية ثم التحق للعمل بتونس. وبعد دراسته لفنون المسرح في باريس عاد الراحل إلى المغرب، حيث التحق مجددا بالإذاعة المغربية واستأنف مسيرته الإعلامية خاصة في مجال المسرح. وانضم عبد الله شقرون إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1961. وخلف عددا هاما من النصوص المسرحية والتمثيليات الإذاعية والتلفزيونية بالإضافة إلى مجموعة من المقالات حول المسرح والممارسة الإذاعية، وله نحو 500 تمثيلية باللغة العربية والدارجة، والعديد من الدراسات والأبحاث والمقالات في مجالات المسرح والإذاعة والتلفزيون، والأدب الشعبي. ومن أبرز مؤلفات الراحل «فن الإذاعة، تطوان» (1957)، و»شعراء على مسرح التلفزيون» (1983)، وخمس مؤلفات صدرت عن اتحاد إذاعات الدول العربية بتونس، وهي «مسرح في التلفزيون والإذاعة» (1984)، و»حقوق المؤلف في الإذاعة والتلفزة» (1986)، و»شعر الملحون في الإذاعة» (1987) و»فجر المسرح العربي بالمغرب» (1988). كما صدر للراحل مؤلفات منها: «الثقافة المسرحية» و»نشوة القلم في بدائع الأدب»، و»نظرات في شعر الملحون»، و»دولة الشعر والشعراء على ضفتي أبي رقراق»، و»جولة في عالم الشعر والشعراء بالمغرب»، و»حياة في المسرح»، و»حديث الإذاعة حول المسرح العربي» و»فن الإذاعة» و»رباعيات عبد الرحمان المجذوب عبر الأثير» ومسرحية «طوق الحمامة». أما مؤلفه «طفولة وشباب على ضفتي أبي رقراق» فهو عبارة عن سيرة ذاتية، يحكي فيه، في أربعة فصول مسار حياته بمدينتي سلا والرباط ويكشف جوانب من حياة جيل بكامله ويقدم صورة لما كان عليه الوضع في المدينتين والمغرب عموما. شهادات صادقة عن رجل صادق العائلة الفنية والمسرحية بالمغرب، تلقت خبر وفاة عبد الله شقرون، بمفاجأة وصدمة كبيرة، حيث تأسف الفنان محجوب الراجي الذي يعد من مجايليه، لوفاة المرحوم عبد الله شقرون، الذي وصفه بعميد الإذاعة المغربية والمسرح والسينما، «حيث ربى أجيالا كثيرة من الفنانين، في مجال المسرح والسينما، فضلا عن تكوينه للعديد من الشباب في الصحافة». وعبر الراجي لبيان اليوم عن حزنه الشديد لفقدان المغرب لرجل معطاء في مجال الثقافة، والعلم، والمعرفة، والأدب، «ولا أدل على ذلك هو رحيله إلى تونس من أجل رئاسة اتحاد إذاعات العرب، الأمر الذي جعل منه خبيرا في الشؤون العربية الثقافية منها والسياسية، نظرا لاطلاعه الواسع وثقافته الموسوعية في مختلف المجالات والميادين الاجتماعية». من جهته، اعتبر رئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية مسعود بوحسين في تصريح لبيان اليوم، رحيل عبد الله شقرون بالمفاجئ، والمباغت، وخسارة كبيرة للمسرح، والإذاعة، والسينما، لأنه «من بين المؤسسين الكبار للحركة المسرحية المغربية، فهو المؤلف، والإعلامي، ومؤسس الدراما الإذاعية بالمملكة، كما أنه الأستاذ الباحث والمبدع الذي له عدة كتب ومسرحيات». ووصف بوحسين الراحل عبد الله شقرون، «بصاحب الذاكرة الموسوعية والمزدوجة، باللغتين العربية والفرنسية، التي جعلت منه وجها كبيرا في الحركة المسرحية المغربية، فاليوم، المسرح المغربي يعيش حدادا كبيرا بفقدان هذا الرجل الكبير، الذي أثرى الحياة الثقافية بإنتاجاته الكثيرة». وحسرة كبيرة أيضا، تلك التي أصابت الممثلة صفية الزياني التي تعد من مجايليه، وهي تتحدث في اتصال هاتفي لها مع جريدة بيان اليوم، قائلة: «أنا التلميذة التي تربيت على يد الأستاذ المثقف، والطيب، وصاحب العلم، والرجل النبيل، وخبير الإذاعة والتلفزة، فلقد كان دائما وأبدا الأستاذ الفاضل، الذي من شيمه المروءة والخصال الحميدة.. فإنا لله وإنا إليه راجعون». وقال المخرج المسرحي والإعلامي عبد المجيد فنيش لبيان اليوم، «برحيل الأستاذ المبدع، والمؤرخ، والموثق، والإذاعي، نكون حقا، قد فقدنا الرائد المؤسس للدراما الإذاعية بالمغرب، الذي ترعرعت على يده أجيال كثيرة من الفنانين البارزين اليوم في الساحة المسرحية بالمغرب، إما من خلال تلقيهم دروسا بشكل مباشر، أو عن طريق الاطلاع على كتبه ومنشوراته التي أغنت المكتبة المغربية في مجال المسرح، والسينما، والإذاعة والتلفزة». وأضاف فنيش، أن الرجل «يعد فقيها في القانون الخاص بالملكية الفكرية، فضلا على اعتباره مؤرخا أيضا للفنون العتيقة، كالملحون، والدراما الإذاعية، الذي تعرفت الجماهير المغربية على هذا النوع الجديد آنذاك، ليستأنس فيما بعد بهذا النوع الجديد عبر أمواج الإذاعة». تعازينا الحارة وعلى إثر هذا المصاب الجلل، تتقدم أسرة تحرير بيان اليوم بأحر التعازي وأصدق عبارات المواساة إلى أرملته الكريمة الفنانة أمينة رشيد، وأبنائه نبيلة، جمال، وكريم، وإلى زوجة ابنه مريم بنصالح شقرون، وأحفاده وأصهاره وأقاربه وسائر أفراد عائلتي شقرون وبنصالح.. راجين من الله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جنانه وأن يلهم أبناءه وذويه جميل الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. جدير بالذكر أن جثمان الراحل ووري الثرى بعد ظهر أمس الخميس بمقبرة الرحمة بالدار البيضاء.