يشير تفجير كنيسة قبطية في مصر ليلة رأس السنة إلى أن متشددين يستلهمون أفكار تنظيم القاعدة أصبح لهم موطيء قدم في مصر لكن هذا قد لا يعني عودة للعمليات التي كان يقوم بها متشددون إسلاميون قضت عليهم قوات الأمن المصرية في التسعينات. ولم ترد تقارير رسمية واضحة حول الطريقة التي تم بها تنفيذ العملية التي أسفرت عن سقوط 23 قتيلا لكن محللين يشيرون إلى وجود خلية صغيرة لا جماعة متشددة كبيرة مثل تلك الجماعات التي حاربت الحكومة المصرية قبل أكثر من عشر سنوات. وأيا كانت الجهة التي تقف وراء الهجوم فانه نفذ بطريقة تهدف فيما يبدو إلى زعزعة التوازن الطائفي الهش بين الأغلبية المسلمة والأقلية المسيحية في مصر. كان هذا الهجوم هو الأكبر خلال عشر سنوات على الاقل الذي يستهدف المسيحيين الذين يمثلون 10 في المائة من سكان مصر البالغ عددهم 79 مليون نسمة. وكان رد الفعل سريعا. وخلال لحظات من الانفجار انطلق المسيحيون في شوارع الإسكندرية احتجاجا. وتبادل بعض المسلمين والمسيحيين رشق الحجارة. وبعد يوم أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع في القاهرة لتفرقة الحشود الغاضبة. وقال عمرو الشبكي وهو خبير في الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية «لا أتوقع انتشارا للإرهاب في مصر وعودة للهجمات الإرهابية التي وقعت في الثمانينات والتسعينات. «لكني أشعر بقلق أكبر بشأن المناخ الداخلي وأثر أي هجوم حتى وان كان محدودا على العلاقات بين المسلمين والمسيحيين». وسارعت الحكومة المصرية بالدعوة إلى الوحدة الوطنية وألقت باللوم على جهات خارجية وتعهدت بتعقب الجناة. وسواء كان الذين نفذوا الهجوم مصريين أو أجانب يرى محللون ان حجم الهجوم والتخطيط له وتوقيته يشير إلى أن متشددين يستوحون أفكارهم من القاعدة ربما يكونون وراء الهجوم. وجاء التفجير بعد دعوة متشددين عبر الانترنت إلى شن هجمات تستهدف الكنائس القبطية في ذلك الوقت. وقال المحلل نبيل عبد الفتاح «الاحتمال الأول والأكثر ترجيحا هو أن تكون خلية كامنة من تنظيم القاعدة هي التي نفذت هذه العملية وهذا سيعني أن القاعدة اخترقت الحركة السياسية الإسلامية في مصر». وقضت الدولة على جماعات مثل الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي اللتين كانتا تستهدف السائحين والمسيحيين والوزراء وغيرهم من المسؤولين في حملة للمتشددين في التسعينات لإقامة دولة إسلامية متشددة وظلت السلطات تحكم الرقابة على مثل تلك الجماعات منذ ذلك الحين. وقال فواز جرجس وهو أستاذ في شؤون الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد «مثل هذا الهجوم في الغالب سيكون قد اشترك فيه أكثر من عشرة أفراد. لا يمكن أن نستبعد وجود عناصر محلية». وقال صفوت الزيات وهو خبير عسكري في القاهرة إن أحدث هجوم على المسيحيين هو من العمليات «التي لا تتطلب الكثير من شبكة الاتصالات لكنه يحتاج لتحديد نقطة ضعف. عملية واحدة سيكون لها صدى عالمي وستكون ملهمة لكثيرين». وأضاف أنه على العكس من ذلك في التسعينات كانت مصر تتعامل مع «جماعات ربما كانت تستلهم فكرها من مصادر خارجية لكنها كانت تركز على الداخل للإطاحة بحكومة (الرئيس حسني) مبارك». وشهدت مصر هجمات متقطعة خلال السنوات العشر الماضية مثل تفجير لمنتجعات سياحية بين 2004 و2006 أوقعت قتلى لكن لم تكن هناك عودة لنوع العنف الذي كان مستمرا في التسعينات. وشكك المحامي منتصر الزيات الذي دافع عن إسلاميين على مدى سنوات طويلة في مسألة استلهام الجناة طريقة العملية من القاعدة قائلا ان المتشددين في مصر ربما أصبحوا أكثر تشددا نتيجة تصاعد الصراع الطائفي. لكن المسؤولين قالوا إن انتحاريا هو الذي نفذ الهجوم -الذي كان غير معتاد بالنسبة لمصر- وجاء بعد سلسلة من تهديدات المتشددين للكنائس ابتداء من تهديد في نوفمبر تشرين الثاني من جماعة تتمركز في العراق ومرتبطة بالقاعدة. وقبل أسبوعين من التفجير حث بيان على موقع إسلامي المسلمين على استهداف الكنائس في مصر وخارجها بما في ذلك الكنيسة التي تعرضت للهجوم في الإسكندرية. وقال موقع آخر على الانترنت بعد الهجوم أن «أول الغيث قطرة». وقال مصدر في قوات الامن المصرية ان هناك جهودا لاعداد قائمة بمن وفدوا الى مصر مؤخرا من دول يعرف أن القاعدة تجند وتدرب أفرادا بها. ويقول البعض ان العراق أصبح مركز تدريب لمتشددين عرب وغيرهم كما كانت أفغانستان في الثمانينات.ومن خلال مهاجمة كنيسة سلط المتشددون الأضواء على الانقسام الطائفي المتزايد في مصر وكذلك ما يعتبره بعض المحللين عزوفا من الحكومة عن التعامل مع شكاوى الأقباط من عدم حصولهم على معاملة عادلة خوفا من إثارة استياء الإسلاميين. ونددت جماعة الإخوان المسلمين بالهجوم وقالت إن التفجير يظهر إخفاق الدولة في حماية مواطنيها. وقال محمد الكتاتني العضو البارز بجماعة الاخوان المسلمين والذي كان رئيس الكتلة البرلمانية في الدورة السابقة أن الحكومة كان عليها أن تشدد الإجراءات الأمنية حول الكنائس خاصة بعد التهديدات التي وجهتها جماعة عراقية. كان نطاق التفجير أكبر كثيرا من الاشتباكات العشوائية أو جرائم القتل التي كانت الطابع الأساسي للعنف الطائفي الذي تشهده مصر وكثيرا ما كان يشتعل بسبب نزاعات على بناء الكنائس أو علاقات بين رجال ونساء من العقيدتين. وفي أسوأ حادث من هذا النمط ما حدث العام الماضي عندما قتل ستة مسيحيين بالرصاص إلى جانب رجل شرطة مسلم أمام كنيسة في صعيد مصر في السادس من يناير كانون الثاني الماضي ليلة عيد الميلاد لدى الأقباط. وقال هشام قاسم وهو مدافع عن حقوق الإنسان وناشر إن الكثير من المسيحيين يرون التفجير الذي حدث ليلة رأس السنة من زاوية طائفية لأنهم يشعرون بالتهميش. وقال «حاليا يشعر الأقباط بأن المسلمين (ككل) هاجموهم بدلا من أن يعتبروه هجوما إرهابيا من مسلم. وهذا نتيجة...شعورهم بالاضطهاد». وذكر حسام بهجت النشط في مجال حقوق الإنسان الذي تحدثت جماعته التي تحمل اسم (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية) في ابريل عن زيادة العنف الطائفي أن مصر تفاخرت أمام الحكومات الأخرى بشأن نجاحها في القضاء على المتشددين لكنها لا تبذل الجهد الكافي للتعامل مع شكاوى المسيحيين. وقال إن هذا التفجير يجب أن يدفع الحكومة إلى التحرك السريع. وأضاف «نأمل أن يوضح هذا فكرة أن الوضع هش للغاية وانه قد يتدهور بسرعة جدا».