بمناسبة اليوم العالمي للتحسيس بداء التهاب الكبد الفيروسي "س" (1 أكتوبر من كل سنة)، تتضافر جهود المجتمع الدولي ومختلف الفاعلين الوطنيين والدوليين في مجال الصحة من أجل التحسيس والتوعية والوقاية من هذا المرض الصامت الذي يتطور بشكل خفي وبطيء، والذي يطمح المغرب للقضاء عليه في أفق سنة 2030، بالاعتماد على برنامج وطني جديد في هذا الشأن. وبالفعل، تكمن خطورة هذا المرض المعدي في أن غالبية حامليه يجهلون إصابتهم بالفيروس المسبب له لأنه يتطور تدريجيا وببطء، مما يزيد من مضاعفاته الخطيرة التي قد تصل لدرجة تشمع الكبد أو سرطان الكبد، إضافة إلى مخاطر نقل العدوى للآخرين. وقد يسبب الفيروس عدوى التهاب كبد حادة ومزمنة على حد سواء، تتراوح شدتها بين المرض الخفيف الذي يستمر أسابيع قليلة إلى المرض الخطير طيلة العمر. وينتقل فيروس التهاب الكبد "س" عبر الدم وتتم العدوى بالخصوص أثناء ممارسات الحقن غير المأمونة وعدم كفاية تعقيم المعدات الطبية، ونقل الدم ومنتجات الدم دون فحص. وأضحت العلاجات الجديدة المتوفرة اليوم أكثر فعالية مما يرفع من حظوظ شفاء المرضى، خاصة في حالة الكشف المبكر عن الفيروس الذي لا يوجد حتى اليوم أي لقاح مضاد له، خلافا لالتهاب الكبد "ب". ويطمح المغرب للقضاء على هذا الداء من خلال استراتيجية وطنية جديدة شاملة ومخطط عمل لفترة ما بين 2017-2021 أعدتهما وزارة الصحة من أجل محاربة التهابات الكبد الفيروسية كإحدى أولوياتها، فضلا عن استعدادها لإطلاق برنامج وطني جديد للقضاء على التهاب الكبد "س". وترتكز محاور البرنامج الوطني الجديد على خمس دعامات تهم توفير اختبارات الكشف والتشخيص لداء التهاب الكبد من النوع "س"، ومعالجة المصابين بالداء، والوقاية من العدوى، والحكامة والشراكة، وتوفر المعلومات الاستراتيجية حول التهابات الكبد الفيروسية. وتشير أرقام الوزارة إلى أن نسبة المصابين بالفيروس الكبدي "س" تقدر ب 1,2 بالمائة بالمغرب (مقابل 2,5 في المئة للمصابين الفيروس الكبدي "ب")، وتتمثل الفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس في مدمني المخدرات وحاملي الأمراض المنقولة جنسيا ومرضى الفشل الكلوي الخاضعين للغسل، وخلدت المملكة، في 28 يوليوز الماضي، على غرار باقي دول العالم اليوم العالمي للالتهاب الكبدي، في إطار رؤية تحت شعار "مغرب بدون التهاب الكبد الفيروسي "س"، والتي شرعت وزارة الصحة في تنفيذها من خلال التصنيع المحلي لأدوية جنيسة مضادة للفيروس "س" ذات مفعول مباشر (السوفوسبوفير والداكلطاسفير). ويتم اليوم تسويق هذه الأدوية بأسعار جد مناسبة (100 مرة أقل من سعر الدواء الأصلي)، مما يسهل الولوج للعلاج ويفسح المجال للقضاء مستقبلا على داء التهاب الكبد الفيروسي "س" بالمملكة. وبالفعل، تضاعفت حظوظ الشفاء من المرض في المغرب منذ بدأ في دجنبر 2015 تسويق الدواء المكون من مادة "سوفوسبوفير"، الذي يخول علاج نحو 95 في المائة من المرضى مهما كان النمط الجيني للفيروس أو حدة إصابة الكبد، مع أضرار جانبية أقل، وبمدة علاج مختصرة، والذي أدرجته الوكالة الوطنية للتأمين الصحي ضمن قائمة الأدوية المقبول إرجاع مصاريفها. وبعد ثلاثة أشهر من ذلك، تم الإعلان عن تسويق ثاني دواء حديث مضاد لهذا الالتهاب ابتداء من 31 مارس 2016 ويتعلق الأمر، على غرا ر "سوفوسبوفير"، بجزيئة مضادة للفيروسات القهقرية، ذات تأثير مباشر، مكونة من مادة "داكلاتاسفير"، تم تصنيعها محليا من قبل مختبر صيدلي مغربي. وبعرض هذين الدواءين المضادين للالتهاب الكبد الفيروسي من الجيل الجديد في السوق الوطنية، أضحى المغرب يتوفر على الترسانة العلاجية الضرورية للتكفل الشامل والأنسب بالمرضى المصابين بهذا الداء، مما يبرر طموح البلاد للقضاء على هذا الداء في أفق 2030. وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد المصابين بالفيروس الكبدي "ب" و"س" ب500 مليون حالة في جميع أنحاء العالم، واللذين يتسببان في حدوث وفيات يزيد عددها على الوفيات الناجمة عن فيروسات السيدا و الملاريا والسل مجتمعة.