عندما نسمع أو نقرأ، هذه الأيام، الاتهامات الموجهة للأحزاب بشأن دورها الديبلوماسي للدفاع عن قضية الوحدة الترابية للمملكة، نشفق، بصراحة، على أصحابها جراء هذه السطحية المخيفة التي يحاولون تكريسها في عقول الناس. منذ اتخذ البرلمان الأوروبي قراره المسيء لبلادنا، والبعض لا يرى نفسه سوى متسلقا على حائط الأحزاب وشاتما لها ويصرخ بكل قواميس التبخيس، ومن دون شك، إن أحزابنا «وللتذكير لا تملك كلها العلاقات والمصداقية والكفاءة المتحدث عنها هنا» عليها تطوير أدائها الدولي وتقوية قاعدة علاقاتها عبر العالم، لكن مع ذلك لا بد من تنبيه البعض المشار إليه أعلاه إلى أن الطرف الآخر في المعادلة، أي الأحزاب في أوروبا وفي غير أوروبا، لا ينتظرون مجرد زيارة من حزب مغربي كي يضغط على الزر، ويتم تغيير المواقف في يوم واحد، والأحزاب المذكورة ليست «نوابا رحل» تنفع معها أساليب الترحال المعروفة عندنا في كل موسم انتخابي. إن الأمر، أيها الناس، أكثر جدية من تبسيطيتكم، ويتطلب تعزيز ديناميات هي بدورها تقوم على كثير من الجدية، ولا بد من إسناد الهيئات السياسية التي تتوفر فعلا على رصيد تاريخي من العلاقات الدولية والإقليمية، وتركها تقوم بدورها باستقلالية، وضمن الآليات المعروفة على صعيد علاقات الأحزاب فيما بينها، ومن ثم سيأتي تقييم الأدوار ضمن التراكم. وهنا أيضا لا بد من استحضار ما شهده العالم، في العقدين الأخيرين، من متغيرات جوهرية وإستراتيجية، وهذا أيضا يحكم طبيعة وقوة وخارطة تحرك الأحزاب الحقيقية. اليوم مثلا عندما يستضيف حزب مثل حزب التقدم والاشتراكية زعيم الحزب الشيوعي الايطالي، وينظم له العديد من اللقاءات مع جهات حزبية ورسمية مغربية، فهذا يندرج ضمن مسار تقوية التراكم، والتأسيس لاستعادة بعض العلاقات ذات الأهمية السياسية الواضحة، خصوصا أن القوى اليسارية الايطالية ومنظمات المجتمع المدني الموالية لها تعتبر اليوم من أهم داعمي الانفصاليين، ومن الواجب تشجيع حزب وطني مغربي على تمتين حضوره السياسي داخل هذه العلاقة. وعندما يقوم وفد حزبي مشترك يضم مسؤولين في أحزاب الكتلة الديمقراطية بزيارة للصين بضيافة من الحزب الشيوعي الحاكم، وينطلق الحديث هناك على أهمية الإعداد لتأسيس جمعية للصداقة بين البلدين، فمن الذكاء التقاط الإشارة، وقيام الجميع بالمساعدة على إنجاح الفكرة، وبالتالي تقوية آليات التواصل والتعاون مع هذا الفاعل الدولي الأساسي في عالم اليوم. إن عودة الوعي بأهمية دور الأحزاب لا يعبر عنها بمواصلة التبخيس، بل بمساندة الدور، وأيضا بتفعيل إصلاحات داخلية من شأنها إعادة الاعتبار للحقل الحزبي ولحياتنا السياسية والانتخابية وللفضاء السياسي بصفة عامة.